أزمة هذه المنطقة مع الإرهاب المتفجر هي العراق، وليست «القاعدة» بالأمس، ولا تنظيم «داعش» اليوم، وذلك منذ سقوط نظام صدام حسين. لماذا نقول ذلك؟ مع إعلان السعودية عن تشكيل تحالف دولي بقيادتها، وبمشاركة أربعة وثلاثين دولة إسلامية لمحاربة الإرهاب، ناشد وزير الدفاع الأميركي العرب، وتحديدًا السعودية، والخليج، ضرورة تقديم مساهمات عسكرية أكبر ضد «داعش»، قائلاً إن حجم التنظيم المتطرف قد تنامى «إلى أجزاء أخرى من العالم ومنها أراضينا.. لكن دحرهم هنا في سوريا والعراق ضروري، ونحن بحاجة إلى تسريع هذا الأمر». والحقيقة أن «داعش» تنامى، وتمدد، تحت أنظار المجتمع الدولي، وتحديدًا أميركا، وكانت بداية التنظيم من العراق، ونتيجة أخطاء أميركية متراكمة هناك، ومنذ إسقاط نظام صدام، وحل الجيش، وتنظيم البعث، بشكل سطحي، رغم كل النصائح، وتحديدًا من السعوديين. وكذلك نتيجة الانسحاب الأميركي المتسرع من العراق، والسماح لإيران ببسط نفوذها هناك، وأسوأ تلك المراحل يوم توافقت واشنطن مع طهران على السماح لنوري المالكي بالبقاء رئيس وزراء.
اليوم عرف المجتمع الدولي أن قوة «داعش» المالية هي من النفط العراقي، وجل قوته القتالية من جيش صدام السابق، وبعض من أبناء سنّة العراق الذين تنكر لهم الأميركيون، وقبلهم نظام المالكي، وذلك بعد أن حاربوا، أي السنة، «القاعدة» في الأنبار، من خلال مجالس الصحوات. واليوم عرف العالم أن تطرف حكومة بغداد المركزية ضد السنة، وطائفية الجيش العراقي، هما اللذان قادا لظهور «داعش»، الذي يحتل ثلث العراق، ونصف سوريا التي تعدّ نقطة تمدد ونفوذ لـ«داعش» أكثر من كونها مركزًا رئيسيًا، فالعراق هو الأهم، كونه مصدر التمويل؛ النفط، ومصدر التجنيد والحشد. ولذا، فإن الخطوة الرئيسية لإطفاء جذوة التطرف والإرهاب بالمنطقة الآن، هي في إصلاح النظام السياسي العراقي، وذلك من خلال احتواء كل مكوناته، ولو بتسليح العشائر السنية ما دامت بغداد تماطل، مثلاً، في تكوين الحرس الوطني العراقي!
الإصلاح السياسي بالعراق يعني أن فرص نجاح مكافحة الإرهاب في المنطقة ستكون كبيرة، وأسرع وتيرة، وستكون نقطة التحول، حيث تتم محاصرة الأزمة السورية بنطاقها الجغرافي، وهو ما سيمكن الجيش السوري الحر من تولي السيطرة على المناطق التي يحتلها «داعش» الآن، مما يخفض من منسوب الطائفية المخيف بالمنطقة، ويدفع للحل السياسي في سوريا. إغلاق الحدود العراقية مع سوريا، وتفرغ بغداد لحل مشكلاتها جديًا، سيمنعان التجنيد والتطرف بسوريا، سنيًا وشيعيًا، كما أن الحل السياسي بالعراق سيقلص من النفوذ الإيراني هناك. وعليه، ففي حال تفهم الأميركيين أن العراق هو الأزمة، فحينها يكونون قد ساعدوا أنفسهم، والمنطقة، والمجتمع الدولي، وبالطبع سيساهمون بتسريع حل الأزمة السورية، وقبل هذا وذاك سيساهمون جديًا في محاصرة حريق التطرف، والإرهاب. ابدأ من العراق، وسينطفئ في سوريا، وتسقط ورقة الأسد و«داعش»، ونفوز بعراق أفضل للجميع.
طارق الحميد
صحيفة الشرق الأوسط