اقتصاد الهند نمو متراكم وتحديات بارزة

اقتصاد الهند نمو متراكم وتحديات بارزة

بالتزامن مع استضافة قمة العشرين، يتوج الاهتمام إلى الهند التي حققت خلال السنوات الماضية أرقاما إيجابية على الصعيد الاقتصادي، وتطمح لتعزيز موقعها في مقدمة أكبر الاقتصادات على مستوى العالم، وهو الهدف الذي تواجهه تحديات بارزة.

وتأتي الهند في المرتبة الخامسة بين دول مجموعة العشرين بناتج محلي إجمالي قيمته 3.39 تريليونات دولار، حسب بيانات عام 2022، التي أظهرتها قاعدة بيانات البنك الدولي. وقد لوحظ حسب نفس المصدر أن الناتج المحلي الإجمالي للهند في صعود على مدار السنوات العشر الماضية، باستثناء عام 2020 الذي شهد أزمة جائحة كورونا.

ويمثل الناتج المحلي الإجمالي للهند عام 2022 نسبة 3.37% من الناتج المحلي العالمي البالغ 100.56 تريليون دولار.

وصاحَب ارتفاع قيمة الناتج المحلي أداء إيجابي لمعدلات النمو الاقتصادي، ففي عام 2013 كان معدل النمو 6.4% وارتفع إلى 8.3% عام 2016. وبعد تراجع بسبب كورونا، حقق الاقتصاد الهندي عامي 2021 و2022 نموا بنسبة 9.1% و7% على الترتيب.

ويعد معدل النمو الاقتصادي للهند عام 2022، شديد الإيجابية في ضوء الظروف العالمية التي مر بها الاقتصاد العالمي، ويظهر تقرير “رؤية عامة” للبنك الدولي الصادر عام 2023، أن الهند استطاعت من خلال معدلات النمو المرتفعة أن تخفض من حدة الفقر بنسبة 50%، وارتفع متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي عام 2022 إلى 2380 دولارا بعد أن كان 1500 دولار عام 2013.

وحسب نفس المصدر، تستهدف الهند أن تكون ضمن الدول صاحبة الدخل المرتفع مع حلول مئويتها عام 2047، ولكن ضآلة نصيب الفرد من الدخل القومي ترجع إلى الكثافة العالية للسكان، فهي الدولة الأولى على مستوى العالم من حيث عدد السكان بنحو 1.41 مليار نسمة، وبنسبة تصل إلى 17.8% من إجمالي سكان العالم البالغين 7.92 مليارات إنسان عام 2022.

ورغم التحسن البادي في متوسط دخل الفرد، وكذلك الاستمرار في تحقيق معدلات نمو عالية، فإن ثمة تحديا كبيرا يواجه الهند، يتمثل في سوء التغذية لدى نسبة كبيرة من السكان، وبخاصة الأطفال الذين تصل نسبة التقزم بين من هم أقل من 5 سنوات إلى 35.5%، مما يعزز من أهمية قضية عدالة توزيع الثروة، بجوار تحدي استمرار تحقيق معدلات نمو مرتفعة.

وثمة مؤشر مهم، يساعد على معرفة تطور الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات النمو بالهند، وهو صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. فبيانات البنك الدولي لعام 2013 تبين أن تلك التدفقات بلغت 28.1 مليار دولار، بينما كان عام 2022 49.9 مليار دولار، وللمفارقة حققت الهند أفضل تدفق للاستثمارات الأجنبية في تاريخها بأكثر من 64 مليار دولار خلال 2020 بالتزامن مع بداية جائحة كورونا.

أداء التجارة والديون
بلغ عجز التجارة في السلع والخدمات في الهند عام 2022 نحو 152 مليار دولار، حيث بلغت الواردات من السلع والخدمات نفس العام 911.3 مليار دولار (تمثل واردات السلع والخدمات نسبة 3% من الأداء العالمي) بينما بلغت الصادرات من السلع والخدمات 759.9 مليار دولار (تمثل الصادرات من السلع والخدمات 2.4% من الأداء العالمي) حسبما ورد في بيانات البنك الدولي، وبذلك يكون إجمالي تجارة السلع والخدمات للهند بقيمة 1.67 تريليون دولار.

أما عن التجارة السلعية للهند، فتوضح بيانات نفس المصدر أنها تمثل 34% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو معدل متراجع عما كان عليه الوضع عام 2013 عند 42%. وهو ما يعني أن هذا التراجع أتى لصالح القطاعات الأخرى من صناعة وزراعة وخدمات.

أما عن الديون، فتظهر بيانات صندوق النقد الدولي، لعام 2022، أن الدين العام في الهند كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في تزايد على مدار العقدين الماضيين، ففي عام 2000-2001 كان الدين العام يبلغ نسبة 73.6% ثم 75.1% عام 2018-2019، وصولا إلى 86.8% عام 2021-2022.

وإذا نظرنا لواقع الديون الخارجية في الهند، نجد أنها ارتفعت إلى 612 مليار دولار عام 2021، بعد أن كانت 427 مليار دولار عام 2013، ويمكن هنا أن نشير إلى استفادة التجربة الهندية من التمويل بالديون الخارجية وكذلك صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، بجوار المدخرات المحلية التي تصل نسبتها 30% من الناتج المحلي عام 2022، وهي أفضل من المتوسط العالمي البالغ نسبة 27%.

الصعود الهندي
جمعت الهند بين عدة أمور لتنطلق نحو المكانة التي حققتها الآن على الصعيد العالمي اقتصاديا، وعلى رأسها الاستجابة الإيجابية للتعاطي مع العولمة، مع تطويعها مع الأجندة الوطنية، والاستفادة من إمكانيات المؤسسات المالية الدولية، فتم التخلي عن اقتصاد يعتمد على القطاع الزراعي التقليدي بشكل كبير إلى اقتصاد متنوع، فقد تراجعت مساهمة قطاع الزراعة في الناتج من قرابة 30% إلى نحو 15%، وذلك وفق دراسة بجامعة القاهرة بعنوان “القوى الآسيوية الصاعدة في النظام الدولي: الهند نموذجًا”.

ووفقا للمصدر السابق فإن قطاع الخدمات الهندي أصبح الأسرع نموا على مستوى العالم ويسهم بنسبة 60% من حجم الاقتصاد الهندي، كما اهتمت السلطات بالقطاع الصناعي، وأطلقت مبادرة “صنع في الهند” عام 2014، ليصبح قطاع الصناعة الهندي واحدا من القطاعات المهمة الجاذبة للاستثمارات المباشرة من كافة دول العالم، وتستهدف الحكومة ليكون قطاعها الصناعي واحدًا من القطاعات المنافسة لأميركا والصين، بحيث تكون الهند مركزًا صناعيا واعدا على الصعيد العالمي.

تميز تكنولوجي
لم يكن الحضور القوي للهند في صناعة التكنولوجيا وليد لحظة انطلاق العولمة وثورة المعلومات مطلع تسعينيات القرن العشرين، فحسب دراسة نشرت بأحد المجلات العلمية بجامعة الزقازيق بمصر، تحت عنوان “صناعة البرمجيات وآثرها على البطالة والفقر في الهند” كانت الهند ومنذ ستينيات القرن الماضي أكبر مصدر لخبراء الحاسوب.

وتشير الدراسة أيضا إلى أن عدد العاملين المتصلين بقطاع صناعة البرمجيات بشكل مباشر بالهند عام 2016 بلغ 3.7 ملايين عامل، والعمالة غير المباشرة قدرت بنحو 10 ملايين عامل، كما أن صادرات الهند من البرمجيات بلغت 173 مليار دولار عام 2016، وبما يمثل مساهمة بالناتج المحلي تصل 9.3%، ويستهدف أن تصل قيمة صادرات البرمجيات إلى 350 مليارا عام 2025.

وليس هذا فحسب، فالهند تحظى بسيطرة على سوق الأعمال التكنولوجيا الخارجية، فتسيطر على حصة 56% من حجم السوق، كما أن قطاع صناعة صادرات البرمجيات وخدمات تكنولوجيا المعلومات نما بمعدل عال، بلغ أكثر من 45% من إجمالي صادرات قطاع الخدمات.

حلم عالم واحد
على مدار يومي 9 و10 سبتمبر/أيلول 2023، تشهد العاصمة الهندية القمة الـ 18 لمجموعة العشرين، تحت شعار “أرض واحدة.. عائلة واحدة.. مستقبل واحد” وإن كان الشعار براقًا، إلا أنه لا يمكن أن يخفي حجم التناقضات القائمة والخلافات المحتدمة بين أعضاء المجموعة.

فعبر عناوين مختلفة، تضمها أجندة القمة، مثل تغير المناخ، وأزمة الديون، والتحديات التي يعاني منها الاقتصاد العالمي، ثمة شد وجذب بين القوى الكبرى، مثل الصين وأميركا، فلكل منهما ملفاته التي يريد أن يمررها عبر القمة، وقد يتسبب الأمر في أزمة بإصدار البيان الختامي للقمة.

ويجب أن ننظر إلى هذه القمة في إطار الهدف الذي أنشئت في إطاره المجموعة، وهو الإطار التعاوني، غير الملزم لأعضاء المجموعة في شيء، وإن كانت القمة مرات سابقة تصنع أجندة إدارة الاقتصاد العالمي، ولكن منذ خروج الصراع الأميركي الصيني للعلن، بعد الحرب التجارية التي بدأها الرئيس السابق دونالد ترامب، وزاد عليها بايدن حجب التكنولوجيا عن الصين، فسيكون من الصعب أن تخرج بسلاسة أجندة من قبل المجموعة لإدارة الاقتصاد العالمي.

المصدر : الجزيرة