تقليص الإنتاج النفطي يعمق أزمة العلاقة بين الرياض وواشنطن

تقليص الإنتاج النفطي يعمق أزمة العلاقة بين الرياض وواشنطن

واشنطن – شهد الأسبوع الماضي تجاوز سعر خام برنت 90 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ نوفمبر. كما ارتفع سعر خام غرب تكساس الوسيط إلى أعلى مستوى له منذ 11 شهرا. ويكمن السبب في إعلان المملكة العربية السعودية وروسيا تمديد تخفيضاتهما لإنتاج النفط حتى نهاية العام.

وتقول إيرينا سلاف في تحليل نشره موقع أويل برايس الأميركي إن القرار كان متوقعا، لكن ما كان مفاجئا هو طول التمديد الذي أشار إلى أن أكبر منتجي النفط في أوبك+ (السعودية وروسيا) اختارا نهجا أكثر صرامة.

وتضيف سلاف أن الطرفين أرادا أسعارا أعلى وسيحصلان عليها، لكن الحبل الذي تتشبث به العلاقات الأميركية – السعودية أصبح بذلك أضعف.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد باعت ما يقرب من 200 مليون برميل من النفط الخام من الاحتياطي النفطي الإستراتيجي لوقف ارتفاع أسعار النفط والوقود في العام الماضي، حيث قفزت خلال العقوبات التي سلّطتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.

ونجح الأمر لأسباب ليس أقلها أن العقوبات الواسعة لم تؤثر على صادرات النفط الروسية. وانخفضت الأسعار وحظي البيت الأبيض بالإشادة. لكنها ارتفعت مرة أخرى الآن، بينما تفصلنا سنة عن الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.

وبلغ الاحتياطي الإستراتيجي للنفط أدنى مستوياته منذ أربعين عاما، فيما أبرز السعوديون أن أولوياتهم لم تعد تتماشى مع أولويات أصدقائهم وراء المحيط.

وقال رعد القادري محلل شؤون أوبك المخضرم في “مجموعة أوراسيا” الاستشارية لصحيفة فايننشال تايمز هذا الشهر “ليس للسعوديين الكثير من الأصدقاء في واشنطن في الوقت الحالي. يوجد بالتأكيد خطر أن تصبح هذه الدول الواجهة الأولى إذا أرادت واشنطن إلقاء اللوم على طرف ما بسبب ارتفاع أسعار النفط أو تباطؤ الاقتصاد مرة أخرى”.

وتواصل الأسعار الارتفاع وهو اتجاه شهدته أسعار البنزين. وبينما يبدو هذا الارتفاع متواضعا، إلا أن وجوده مقلق.

ولأن الطلب على البنزين عادة ما ينخفض بعد عيد الشغل، لكن الأسوأ من ذلك هو أن أسعار الديزل ارتفعت بنسبة 40 في المئة منذ شهر مايو، وفقا لبيانات أرغوس التي نقلتها صحيفة وول ستريت جورنال.

وقال آلان غيلدر نائب رئيس قطاع أسواق التكرير والكيماويات والنفط في شركة وود ماكينزي الاستشارية لصحيفة وول ستريت جورنال “يتأثر الديزل بسبب نوع الخام الذي يغادر السوق. ويوفر النفط السعودي عائدا أعلى للديزل مقارنة بالخام الأخف. وتضيف هذه الخسارة كلفة إضافية يتكبّدها الاقتصاد”.

ويتزامن هذا مع انتعاش الآمال في أن تجد الولايات المتحدة فرصة جيدة للتغلب على تداعيات أحداث العام الماضي وتجنب الركود الشامل.

وفي دليل على هذه الآمال، قالت بعض التوقعات إن بنك الاحتياطي الفيدرالي سينهي رفع أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا العام.

ويبدو أن أسعار الوقود ستواصل مهمة رفع أسعار الفائدة بسبب تمديد الخفض السعودي الأخير الذي أثار المخاوف بشأن العرض العالمي.

ويعتمد كل اقتصاد على الديزل، ويصبح كل شيء أكثر كلفة مع الارتفاع الكبير في أسعار الوقود. وسيؤدي هذا إلى انخفاض الاستهلاك في النهاية، خاصة إذا كان بعض المحللين محقين وكانت تحركات النفط الخام أعلى من المنتظر.

ويمكن أن يعني كل هذا تسليط المزيد من الضغط على العلاقات السعودية – الأميركية وتعزيز التصور بأن المملكة تتحرك في اتجاه جديد (إن لم يكن قبولها في مجموعة بريكس واضحا بما فيه الكفاية).

ولا يبشر هذا التوتر أمن الطاقة في الولايات المتحدة على المدى القريب وفرص بايدن في انتخابات سنة 2024.

لكن هذه المشكلة قد تكون الأصغر أمام قلة المصدرين الكبار لهذا النوع من الخام الثقيل الذي تحتاجه مصافي الولايات المتحدة لإنتاج المزيد من وقود الديزل.

وتضم القائمة روسيا وفنزويلا وإيران، إلى جانب كندا، وهو ما يبرز سبب حاجة واشنطن إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الرياض.

وهي تحتاج أولا إلى إصلاح هذه العلاقات بعد أن اتهم الرئيس بايدن السعوديين بالتسبب في ارتفاع الأسعار العام الماضي، ثم هددهم، ثم قابل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وتبادلا السلام بيدين مغلقتين على شكل قبضة، وهي خطوة اعتبرها العديد من المراقبين في ذلك الوقت بمثابة القطرة الأخيرة التي أفاضت الكأس بالنسبة إلى السعوديين.

وتكمن المشكلة الأكبر التي تواجه إدارة بايدن هذا العام في غياب الاحتياطيات الإستراتيجية الوفيرة المعتمدة في ترويض الأسعار في محطات الضخ.

وبلغ الاحتياطي أدنى مستوياته منذ أربعة عقود، ولم تنجح عملية إعادة التعبئة التي وعد بها البيت الأبيض، حتى عندما كانت الأسعار في النطاق الذي أرادته الإدارة.

أسعار الوقود ستواصل مهمة رفع أسعار الفائدة بسبب تمديد الخفض السعودي الأخير الذي أثار المخاوف بشأن العرض العالمي

ويعني هذا مساحة أقل للمناورة بينما يتواصل ارتفاع الأسعار. ولم ينجح إلقاء اللوم على السعوديين في المرة الأولى، ولن ينجح هذه المرة أيضا.

ولا يمكن للطرفين إلقاء اللوم على الروس، حيث اعتُمدت هذه الورقة بشكل مفرط، مما يقلل من تأثيرها. ولا توجد أهداف مناسبة أخرى يمكن تحميلها مسؤولية ارتفاع الأسعار.

وتمر إدارة بايدن بمرحلة صعبة. وأصبح السعوديون، الذين كانوا في السابق مصدرين موثوقين للنفط الخام وحلفاء جيوسياسيين، يصرحون الآن، كما قال حاكم ولاية نيوجيرسي السابق كريس كريستي “إن لم تكن علاقتكم جيدة معنا، فستكون علاقتنا جيدة مع روسيا”.

ويبقى المصدرون الكبار الآخرون للخام الثقيل اللازم لإنتاج الديزل من الدول الخاضعة للعقوبات الأميركية، مع كون كندا الاستثناء الملحوظ. ومن غير المعروف عن حكومة كندا الفيدرالية دعمها الكبير لصناعة النفط في البلاد.

وأصبحت إدارة بايدن أمام معضلة، ولن يكون من المستبعد الإشارة إلى أنها في مأزق وضعت نفسها فيه. ويعدّ تجاوز هذا الوضع بالذات مستعصيا.

العرب