جدل الخرائط والكوارث في العالم العربي

جدل الخرائط والكوارث في العالم العربي

تضرب الصدوع الجيولوجية والأعاصير والحروب الأهلية بلاد العرب متسببة بأعداد هائلة من الضحايا، مذكّرة سكان هذه المنطقة بآنيّة الحدود السياسية التي تحرسها الدول (وحتى الحكومات أو الأطراف المتنازعة داخل الدول نفسها كما هو حال ليبيا والسودان واليمن) بالنار والحديد.
تتداعى في هذه المنطقة آثار الأعاصير وآثار الكوارث الطبيعية والاقتصادية والسياسية وتنداح وتفيض خارج حدود الجغرافيا، فنكتشف وجود لاجئين إثيوبيين في اليمن المنكوب، ولاجئين سوريين في السودان الواقع تحت حرب وغزة المحاصرة، ومهاجرين أفارقة في ليبيا التي تقتسمها حكومتان لم يجنّبها أي منهما كارثة الإعصار، ونظراء لهم في تونس التي يحتكر مقدراتها الرئيس، وملايين آخرون يحاولون جهدهم الهرب من كل هذا بأي ثمن!
في هذه الأجواء المليئة بأحداث الموت والفزع والحزن تختلط الوقائع أحيانا فتختلط الحقيقة مع الخيال والجد مع الهزل، كما حصل من جدل بين الكويت ومصر تسببت به محاضرة في كلية الأركان المصرية عن «معنى قوة الدولة» في دورة تدريبية مخصصة لضباط الأركان حين عرض المحاضر خريطة للعالم العربي تختفي منها دولة الكويت بحضور ما يزيد عن 500 ضابط من كثير من الدول العربية.
سكان الكويت حساسون جدا لهذا الموضوع، فالإمارات تعرضت سابقا لمحاولة لشطبها فعلا من الخريطة العالمية، خلال اجتياح القوات العراقية للكويت عام 1990، وقد قام الضباط الكويتيون الموجودون في المحاضرة بالانسحاب وطلب الاعتذار، كما فعل ذلك نائب في البرلمان الكويتي، ويبدو أن اعتذار القائمين على الدورة لم يكف لوقف الغضب الكويتي الذي ظهر في تغريدات وتعليقات على وسائل التواصل، مما استدعى تدخلا دبلوماسيا عالي المستوى حيث خرج وزير الخارجية المصري سامح شكري بتصريح يقول فيه إن ما حصل كان خطأ غير مقصود وأنه وجّه بإجراء «تحقيق شامل حول هذه الواقعة ومحاسبة مرتكب هذا الخطأ».
حصلت الحادثة المذكورة بالتزامن مع نشر السعودية خارطة رسمية جديدة لها تضم جزيرتي تيران وصنافير اللتين أعلنت القاهرة نقل تبعيتهما للسعودية في عام 2016.
أثار موضوع الجزيرتين حساسية شعبية مصرية، ويعود ذلك لأسباب منها أن تيران، تعرضت للاحتلال الإسرائيلي مرتين (خلال عدوان 1956 وهزيمة 1967) وعادت تبعيتها لمصر عام 1982 ضمن اتفاقية كامب ديفيد، كما حصل تنازع داخل القضاء المصري حول الاتفاقية التي نقلت تبعية الجزيرتين للسعودية، إلى أن قامت المحكمة الدستورية بوقف تحرك القضاء، ليقرّ البرلمان الاتفاق ويقوم الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتصديق النهائي على ترسيم الحدود.
الهيئة العامة للمساحة والمعلومات الجيومكانية السعودية أضافت بنشرها الخريطة الجديدة تغييرين بسيطين على اسمي الجزيرتين، فأصبحتا صنافر وثيران بدل صنافير وتيران، وبهذه الحركة اللغوية البسيطة يفترض أن يختتم هذا المسلسل الطويل من الجدل الذي تختلط فيه قضايا السياسة بالاقتصاد، والتاريخ بالجغرافيا، ورغبات الشعوب ومصالح الساسة.
الناظر إلى هاتين الحادثتين قد يجد فيهما أسبابا لنقد نظام القاهرة، فحادثة الكويت تعكس جهلا مؤسفا من قبل القائمين على إنجاز المحاضرة، وحادثة الخريطة السعودية تذكّر المصريين بالجدل حول موقعين مهمين لم تشرح بشكل واضح أسبابه أو ضرورته، وكلا الواقعتين تحيلان إلى تراجع عام في وضع مصر العربي والعالمي وإلى علاقة ذلك بالطبيعة العسكرية للحكم القائم.
أما الباحث عن «أسباب مخفّفة» لتبرير هذه الحوادث، ومثلها كثير، في كل المجالات، فالأغلب أن تضيق عليه السبل وتنسد عليه الخرائط ويعجزه المنطق!