الجيش ينتهج سياسة الأرض المحروقة في الخرطوم

الجيش ينتهج سياسة الأرض المحروقة في الخرطوم

الخرطوم – ضاعف الجيش اتّباع سياسة التخريب الواسعة في الخرطوم وتدمير الكثير من البنى التحتية في العاصمة السودانية العريقة بعد أن قرر قائده الفريق أول عبدالفتاح البرهان الخروج منها واختيار بورتسودان مقرا له في المدة الأخيرة.

وتهدف سياسة التخريب إلى قطع الطريق على قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) بتشكيل حكومة موازية تتخذ من الخرطوم مقرا لها، حيث لوح مؤخرا بهذه الورقة ردا على عزم البرهان تشكيل حكومة في بورتسودان.

وتنطوي عملية التدمير الراهنة على رغبة ملحة في ترك الخرطوم مدينة مهشمة تماما لا تصلح لاتخاذها مقرا لأي حكومة سودانية في المدى المنظور، وهو ما من شأنه أن يغير طبيعة جغرافيتها السياسية ويخلط الكثير من التوزانات التي رسخت فيها على مدى عقود.

عمليات القصف التي تستهدف معالم أساسية في الخرطوم جاءت للتغطية على ما لحق بالفلول من هزائم

وما يقوم به الطيران الحربي من عمليات قصف ممنهجة تطال الكثير من المباني والأبراج ومعالم الخرطوم الرئيسية يمنح القياديين المحسوبين على نظام الرئيس السابق عمر البشير فرصةَ تبريرِ سعيهم لتشكيل حكومة انطلاقا من شرق السودان.

وصف متابعون ما يجري في الخرطوم بأنه تطبيق عملي لسيناريو الأرض المحروقة الذي انتهجه النظام البائد في مناطق مختلفة من السودان، فقد واصل الطيران العسكري عمليات القصف المتعمد الذي يستهدف البنى التحتية والمناطق الحيوية في العاصمة لتدميرها.

وشملت عمليات القصف: وزارة العدل، ديوان الضرائب، برج الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس، برج شركة النيل للبترول. كما تم استخدام البراميل المتفجرة في قصف بعض الأسواق ومناطق مأهولة بالسكان.

ويضيف المتابعون أن عمليات القصف التي تستهدف معالم أساسية في الخرطوم وتدمير الكثير من المنشآت الحيوية جاءت للتغطية على ما لحق بالفلول من هزائم عسكرية خلال الفترة الماضية، وتبدو كمحاولة لتبرير العجز في ميدان المعركة.

وقالت قوات الدعم السريع على حسابها في منصة إكس الأحد إن عناصر الجيش عندما هُزمت في محيط سلاح المدرعات قصفت المدنيين جنوب الخرطوم، ومنطقة الحاج يوسف في شرق النيل، ومدينة نيالا في غرب البلاد. ومع اقتراب انهيار هذه العناصر في محيط القيادة العامة للجيش قصفت البنى التحتية والمناطق الحيوية.

وسعى الجيش إلى تحميل قوات الدعم السريع مسؤولية التدمير الحاصل في الخرطوم، غير أن تحليق الطيران وقصفه المتواصل لمناطق متعددة أكدا أن الجهة التي تقوم بالقصف تابعة للجيش، لأنه الجهة الوحيدة التي تمتلك سلاح جو في الحرب.

وأكدت قوات الدعم السريع أن “عهد الوصايا والظلم والتهميش لن يعود بعد اليوم، فالسودان يجب أن يتأسس كجمهورية حقيقية، السلطة والنفوذ فيها لكل السودانيين، وهذا لن يكون إلا بالقضاء على نظام المؤتمر الوطني الفاسد، وإنهاء سيطرته على المؤسسة العسكرية وتأسيس جيش قومي مهني واحد ولاؤه للوطن والشعب وليس لأيديولوجيا”.

وقال المحلل السياسي السوداني الشفيع أديب “إن ما تتعرض له البنى التحتية في الخرطوم تطور نوعي في طبيعة المعارك المشتعلة بين الطرفين المتصارعين منذ منتصف أبريل الماضي. والقيادات العسكرية المتورطة في قصف الأبراج والمواقع المدنية الهامة مسؤولة عن حالة الدمار التي ألحقت بها”.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن “تدمير البنى التحتية في السودان هو مصير فرضته الحرب العبثية الدائرة، وبعد أن كان الهجوم على المقرات الرئيسية ذات الطابع العسكري، أضحى التدمير الآن يطال الكثير من المعالم الرئيسية في الخرطوم”.

وأوضح أن خروج الجنرال البرهان من العاصمة كان بمثابة إذن باحتدام المعارك، وهناك علاقة وطيدة بين مغادرته وشدة الاشتباكات وقصف المباني؛ إذ وفر خروجه دوافع اشتداد القتال في العديد من أماكن العاصمة السودانية، وفتح جيوبا جديدة للمعارك لم تكن في خطط الحرب الدائرة حاليا.

وأشار لـ”العرب” إلى أن “الحل العسكري يصعب أن يكون حلاً مناسبًا لوقف الحرب، لأنه بعد أكثر من خمسة أشهر من المعارك لم يحقق أحد الطرفين انتصارا حاسما، ولا يمكن القول إن الكفة سوف تميل إلى طرف على حساب آخر، ولا حلول سوى البحث عن آفاق للسلام والجلوس إلى طاولة تفاوض”، مردفا “أن الحروب السودانية السابقة منذ عهد الاستقلال مرورا بحرب دارفور لا تنتهي إلا بالتسويات السياسية”.

وأظهرت مقاطع فيديو انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي ألسنة اللهب تلتهم مباني شهيرة، منها برج يضم مقرّ شركة النيل ومكاتبها، وهي شركة النفط الكبرى في البلاد.

ويعد المبنى ذو الواجهات الزجاجية والتصميم الهرميّ من أبرز معالم الخرطوم، وكشفت المقاطع عن احتراقه وغطّى اللون الأسود طبقاته مع تصاعد الدخان منه.

وغطى الدخان الكثيف سماء الخرطوم الأحد، وأكدت الصور التي تمّ تداولها على نطاق واسع تهشّم نوافذ مبان عديدة وسط العاصمة واختراق الرصاص جدرانها.

وتواصلت الاشتباكات العنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع حول محيط القيادة العامة في الخرطوم ومقري سلاح المهندسين وقاعدة كرري بأم درمان.

وبعد أن أعلن الجيش السبت صد هجوم لقوات الدعم السريع على مقر القيادة العامة للجيش ومواقع عسكرية أخرى، تجددت الاشتباكات في اليوم التالي باستخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وسط تحليق مكثف للطيران الحربي التابع للجيش.

وكشفت قوات الدعم السريع أنها تمكنت من قطع التواصل بين سلاح الإشارة والقيادة العامة وسيطرت على وحدات عسكرية ومباني مدنية قرب مقر القيادة.

وحذرت دوائر سودانية من اتساع رقعة المعارك في بعض المناطق الأكثر أمانا عقب احتدام القتال في الخرطوم وعدد من ولايات دارفور وكردفان وسقوط آلاف الضحايا.

العرب