تحت عنوان: “السعودية وإسرائيل.. مسارات متعرّجة”، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي كان قد وعد خلال حملته الرئاسية لعام 2020 بمعاملة المملكة العربية السعودية باعتبارها دولة منبوذة، ها هي اليوم تتودّد إلى الرياض بغية إقناعها بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ما سيشكل تطوراً وسابقة في العلاقات بين الدولة العبرية والعالم العربي السني، بعد اتفاقات أبراهام عامي 2020 و2021، والتي قادت، برعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إلى تطبيع علاقات إسرائيل مع الإمارات والمغرب والبحرين ثم السودان.
على الرغم من انتقاداته للإصلاح القضائي الذي يروج له اليمين الموجود في السلطة في إسرائيل، إلا أن الرئيس الأمريكي سيلتقي أخيرا برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يوم الأربعاء المقبل. لكن اللقاء سيعقد في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وليس خلال زيارة رسمية للبيت الأبيض، تشير “لوموند”، مؤكدة أن المناقشات تتكثف خلف الكواليس على الرغم من عدم الثقة الشخصية.
ويتعين على الرئيس جو بايدن أن يأخذ في الاعتبار الضغوط التي يمارسها المسؤولون المنتخبون في الكونغرس، الذين ليسوا متحمسين لفكرة تقديم تنازلات قوية للرياض، تضيف “لوموند”، مشيرة إلى أن الرئيس بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان تبادلا “المصافحة أمام الكاميرات” خلال قمة دول مجموعة العشرين الأخيرة في نيودلهي، وإلى الزيارة التي قام بها قام جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، نهاية يوليو/تموز إلى مدينة جدّة السعودية. فبالإضافة إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار في اليمن ومسألة إنتاج النفط الحساسة، وخفض الأسعار في عام الانتخابات في الولايات المتحدة، تهتم الإدارة الأمريكية الحالية أولاً بمسألة قياس التقدم فيما يتعلق بمساعي التطبيع بين السعودية وإسرائيل، توضّح “لوموند”.
طموح غير مشترك
وتابعت “لوموند” القول إن اللاعبين الرئيسيين الثلاثة في هذه المفاوضات لديهم مصلحة في التوصل إلى نهاية سعيدة، ولكنهم جميعاً لديهم أسباب وجيهة لعدم النجاح. فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أصبح اليوم رهينة لتحالفاته السامة مع اليمين المتطرف؛ وهو ما لا ترغب السعودية في الظهور كضامن له؛ بينما تعرف إدارة بايدن مدى تقلب محاوريها. وقد كتب توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز يوم 5 سبتمبر/أيلول، الجاري، موجهاً كلامه إلى ولي العهد السعودي والرئيس الأمريكي: “لا تدعا نتنياهو يحولكما إلى أغبياء مفيدين”.
اعتبارًا من نهاية عام 2022، جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي تطبيع العلاقات مع الرياض أولوية خلال ولايته: “إنه يرى أنها إرثه للتاريخ ووسيلة لمحو الفشل الأخلاقي الذي يمثله إصلاحه للعدالة”، على حد تعبير دبلوماسي أوروبي، متحدثا إلى “لوموند”. فمنذ أكثر من عقد، يؤكد نتنياهو بأن إسرائيل قادرة على صنع “السلام” مع العالم العربي أولا، ثم في نهاية المطاف مع الفلسطينيين. وقد أكدت اتفاقات أبراهام صحة هذه الرؤية، لكن حلفاء “بيبي” لا يشاركونه طموحه، تقول “لوموند”، معتبرة أن التقارب مع الرياض قد يقوّض الضم المستمر للأراضي الفلسطينية وعمليات طرد الفلسطينيين من المناطق التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية ويعزز السلطة الفلسطينية المنهكة التي يسعى حلفاء نتنياهو إلى تدميرها.
في 13 سبتمبر/أيلول، أعرب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير عن خشيته من أن نتنياهو يسعى إلى التوصل إلى “اتفاق أوسلو” جديد مع الفلسطينيين، وهدد بمغادرة الحكومة. وجاء رد فعله هذا عقب إعلان واشنطن تسليم ثماني مركبات مدرعة خفيفة للسلطة الفلسطينية، بموافقة إسرائيل. وهناك تحفظ آخر يأتي من المعارضة، عبر صوت الوسطي يائير لبيد، الذي يتساءل حول الجانب النووي لاتفاق محتمل مع الرياض، معتبراً أن “تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية من شأنه أن يضرّ بالأمن القومي الإسرائيلي”، على حد قوله.
مطالب السعودية المحددة من واشنطن مقابل التطبيع مع إسرائيل ستشمل ضمانات أمنية ثنائية قوية، وتسليم أسلحة متطورة، بالإضافة إلى الضوء الأخضر لبرنامج نووي مدني
وأكدت “لوموند” أنه لا تتسرب سوى تفاصيل قليلة حول مطالب السعودية المحددة من الولايات المتحدة مقابل التطبيع مع إسرائيل، لكنّها ستشمل ضمانات أمنية ثنائية قوية، وتسليم أسلحة متطورة، بالإضافة إلى الضوء الأخضر لبرنامج نووي مدني. وتنقل الصحيفة الفرنسية عن فتيحة دازي-هيني، المتخصصة في شؤون الخليج في معهد Irsem (إيرسم)، قولها إن “على المملكة العربية السعودية التأكد من أنه إذا تعرضت لهجوم، فإن الأمريكيين سيدافعون عنها، خلافاً لما حدث في عام 2019 أو عام 2021 أثناء الهجمات الإيرانية التي لم يتم الرد عليها. كما أن الرياض لا تطالب بأكثر مما حصلت عليه طهران في إطار اتفاق فيينا عام 2015: إمكانية تخصيب اليورانيوم الخاص بها لإنتاج الكهرباء وتصديرها. سؤال حساس، وينطوي على خطر حدوث سباق نووي في الشرق الأوسط.
وتعدّ النقطة المعقدة الثانية هي بالطبع القضية الفلسطينية، توضّح “لوموند”، مشيرة إلى تحذير وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال مقابلة خص بها هذا الأسبوع الماضي مع برنامج “ Pod Save the World”، من أن هذا التطبيع (بين السعودية وإسرائيل) “لا يمكن أن يحلّ محلّ حلّ الخلافات بين إسرائيل والفلسطينيين”، وأوضح بلينكن أن تنشيط مشروع حل الدولتين كان “أمرا مهما بشكل واضح للسعوديين”.
سحب الاستثمارات الأمريكية
من أجل التقرب من الرياض، قد لا يكون أمام نتنياهو خيار آخر سوى البحث عن شركاء حكوميين جدد
وتابعت “لوموند” القول إنه من أجل التقرب من الرياض، قد لا يكون أمام نتنياهو خيار آخر سوى البحث عن شركاء حكوميين جدد. ويمكن للإدارة الأمريكية حتى أن تشجع “إقامة ائتلاف جديد أكثر اعتدالا في إسرائيل، أو إجراء انتخابات جديدة للبرلمان، والتي ستشكل في الواقع استفتاء على مستقبل الضفة الغربية”، حسب تقديرات العديد من المحللين من معهد دراسات الأمن الوطني الإسرائيلي.
ففي السنوات الأخيرة، تضيف “لوموند”، أصبحت العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين في المنطقة – تركيا والسعودية ومصر وإسرائيل – معقدة. ويرجع ذلك، من ناحية، إلى سحب الاستثمارات الأمريكية، مع تركيز إدارة بايدن على الحرب في أوكرانيا والتنافس مع الصين. ومن ناحية أخرى، يمكن تفسير ذلك من خلال تطور هذه البلدان. لقد تبنى الرئيس التركي أردوغان، مثل العائلة المالكة السعودية، سياسة خارجية متعددة الاتجاهات، وفقًا لمصالحهم. وقد أوضحت ذلك زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض في ديسمبر/كانون الأول عام 2022. كما ترقص المملكة مع روسيا، ضمن منظمة أوبك+ (الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفاؤها). وبالتالي فإن هذا السعي للتطبيع يستجيب أيضا للأولويات الاستراتيجية الأمريكية: مواجهة الصين، ومنع التقارب بين الرياض وموسكو.
رسمياً، تواصل القيادة السعودية تأييد مبادرة السلام العربية، التي تجعل من إنشاء دولة فلسطينية شرطاً أساسياً لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ويمكن للرياض أن تخفف من هذا الطلب إذا قبلته القيادة الفلسطينية
وقال الخبير السعودي عزيز الغشيان إن “القضية الفلسطينية حاسمة بالنسبة للسعوديين من أجل إضفاء الشرعية على خطوة تجاه إسرائيل”. فرسمياً، تواصل القيادة السعودية تأييد مبادرة السلام العربية، التي روج لها العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز في عام 2002، والتي تجعل من إنشاء دولة فلسطينية شرطاً أساسياً لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ويمكن للرياض أن تخفف من هذا الطلب إذا قبلته القيادة الفلسطينية. “يجب أن تكون هناك تنازلات مادية، وليس مجرد لفتات أو وعود كما في اتفاقات إبراهيم”، وهو ما جعل الإماراتيين يتهمون من قبل الفلسطينيين بأنهم خانوهم، كما تنقل الصحيفة عن الخبير السعودي عزيز الغشيان. وقد قلل نتنياهو بداية شهر أغسطس/آب الماضي من أهمية هذا الجانب الفلسطيني، لكن الأحزاب الدينية الأصولية التي أتت به إلى السلطة تنوي جعل القضية الفلسطينية هي نقطة البداية لأي مفاوضات.