أزمة كركوك ودورها في إعادة تشكيل المشهد السياسي العراقي

أزمة كركوك ودورها في إعادة تشكيل المشهد السياسي العراقي

أثارت الأزمة الأخيرة التي شهدتها محافظة كركوك العديد من ردود الأفعال السياسية والشعبية، وأعمال شغب وحرق راح ضحيتها العديد من القتلى والجرحى، فضلًا عن مواقف إقليمية ذات صلة بها. وتفجرت الأزمة إثر قرار رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، بالموافقة على تسليم مقر قيادة العمليات المشتركة في المحافظة للحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي كان يشغله في مرحلة ما قبل استفتاء إقليم كردستان العراق، في سبتمبر/أيلول 2017.

تمثل كركوك أهمية كبيرة للعراق، سواءً على مستوى مخزونها النفطي، أو موقعها الإستراتيجي كنقطة تواصل بين إقليم كردستان العراق وبغداد ومحافظات جنوب العراق، أو وزنها التاريخي أو تنوعها الاجتماعي، وهو ما جعلها حاضرة وبقوة في العلاقة بين بغداد والأكراد في مناسبات عديدة، فمنذ توقيع اتفاق الحكم الذاتي، في مارس/آذار 1970، بين نائب الرئيس العراقي آنذاك، صدام حسين، والملا مصطفى البارزاني، تم ترحيل ملف كركوك لمراحل لاحقة، حتى يتم حسم بعض الملفات الفنية المتعلقة بإجراء الإحصاء السكاني، ومن ثم الحديث عن مستقبلها ضمن الخارطة العراقية، وهو ما لم يتحقق؛ إذ بقيت المشكلة عالقة حتى الغزو الأميركي للعراق في مارس/آذار 2003.

بعد الغزو الأميركي، حظيت كركوك بمركزية مهمة في المعادلة السياسية العراقية، خصوصًا في المسائل التي تتعلق بهويتها أو مرجعيتها الإدارية أو موارد الطاقة فيها، وظلت محل خلاف دائم بين بغداد وأربيل، ومن أجل معالجتها تم إدراجها ضمن ما يُعرف دستوريًا بـ”المناطق المتنازع عليها”، والتي تناولتها المادة 140 من الدستور، إلا أن ربطها بالاتفاقات والتوافقات السياسية التي تُجرى بعد كل انتخابات تشهدها البلاد، أضاف بُعدًا جديدًا للأزمة، يتمثل خصوصًا بسيطرة مبدأ الغلبة واستخدام القوة والنفوذ لفرض الأمر الواقع.

ومما لا شك فيه إن الأزمة الأخيرة التي شهدتها المحافظة، تعكس بما لا يقبل الشك، الفشل السياسي في معالجة الملفات المعقدة في هذه المحافظة، سواء تلك التي برزت بعد الغزو الأميركي للعراق، أو بعد نهاية الحرب على تنظيم “داعش”؛ إذ لم تعد أزمة كركوك اليوم مقتصرة على واقعها الإداري أو الهوياتي، بل أخذت المحافظة تجد نفسها حاضرة وبقوة في دوامة صراع النفوذ بين العديد من التنظيمات والفصائل المسلحة، أو التدافع الإقليمي بين تركيا وإيران في شمال العراق، أو التطورات الجارية على الحدود العراقية السورية، وهو ما يجعل الأزمة الأخيرة مرتبطة بأكثر من مسار داخلي وخارجي.

ترصد هذه الورقة سياقات الأزمة الأخيرة ومساراتها، مع التركيز على أبرز ردود الأفعال الداخلية والخارجية المرتبطة بها، وتستعرض مركزية كركوك في المشهد العراقي، إلى جانب أهميتها في معادلة الطاقة والنفوذ والتدافع الإقليمي، فضلًا عن استقراء أبعاد الأزمة الأخيرة وتداعياتها على مستقبل المشهد السياسي في البلاد.

سياقات الأزمة وطبيعتها

شكَّلت قضية مرجعية محافظة كركوك عقدة أي تفاهمات بين بغداد والأكراد طيلة تاريخ العراق الحديث، وبعد عام 2003 (1). ومع تشكُّل الحكومات العراقية المتعاقبة، مثَّل الدعم الكردي المشروط لعملية تشكيلها، مدخلًا مهمًّا للحديث عن وضع هذه المحافظة كفرصة لدمجها ضمن خارطة إقليم كردستان العراق، وذلك عبر اشتراط دعم أي رئيس للوزراء مقابل تنفيذ المادة 140 من الدستور، ومن ثم إنهاء أحد أبرز الملفات المعقدة بين بغداد وأربيل، إلى جانب ملفات أخرى منها حصة الإقليم من الموازنة العامة وقانون النفط والغاز.

تجسدت أبرز ملامح الخلاف بين بغداد وأربيل حول كركوك، خلال حكومتي رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي “2006-2014″، وحكومة رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي “2014-2018″، فخلال حكومتي المالكي اشتد الخلاف حول كركوك إلى الدرجة التي دفعت الحزب الديمقراطي الكردستاني لمقاطعة العملية السياسية عام 2013، إلى جانب أسباب أخرى، وهي مقاطعة أنتجت رَدَّة فعل كبيرة من قبل المالكي تمخض عنها إيقاف إرسال المرتبات الشهرية لموظفي الإقليم، إلى جانب تعقيد عملية تصدير النفط من حقول كركوك إلى تركيا دون إشراف وزارة النفط العراقية، ورغم توقيع المالكي ورئيس وزراء الإقليم آنذاك، نيجرفان بارزاني، على اتفاق إطاري لحل المشاكل العالقة بين المركز والإقليم، وتحديدًا المناطق المتنازع عليها، إلا أن أي شيء لم يتحقق، وذلك بسبب عمق الأزمة وتفرعاتها، وتجدر الإشارة إلى أن كركوك كانت حاضرة أيضًا في اتفاق أربيل الذي تم توقيعه في عام 2010، والذي تعهد بموجبه المالكي بحل أزمة كركوك مع الإقليم، مقابل دعم زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، له لولاية ثانية.

أما فترة العبادي فقد شهدت حدثًا جوهريًّا أنهى السيطرة الكردية على السلطة الأمنية والإدارية من خلال منصب المحافظ، وأعاد تشكيل وضع كركوك بين بغداد وأربيل؛ إذ دخلت القوات العراقية مدينة كركوك، وأرغمت قوات البيشمركة الكردية والمسؤولين الأكراد على الانسحاب ومغادرة المدينة للمرة الأولى منذ 2003، وكان ذلك ردًّا على استفتاء الانفصال الذي أصرَّ على إجرائه الزعيم الكردي، مسعود بارزاني، في إقليم كردستان، في يوليو/تموز 2017، وشمل كركوك رغم اعتراض بغداد ودول الإقليم والولايات المتحدة.. لقد تسببت الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة الاتحادية العراقية بدعم إقليمي إيراني/تركي وتغاض أميركي، بإنهاء سنوات من الاستثمار السياسي والاقتصادي والأمني الكردي في كركوك، واعتبر الاستفتاء وتداعياته من أكبر الأخطاء الإستراتيجية الكردية، وورثت الفصائل المسلحة الموالية لإيران، والمنضوية ضمن هيئة الحشد الشعبي، إلى جانب بعض الحشود العشائرية “السُنية” تركة الحزب الديمقراطي الكردستاني في المحافظة، كما أن الهيكل الإداري في المحافظة جرت إعادة تشكيله بالشكل الذي يبعد الأكراد عن أي تأثير في صناعة القرار بالمحافظة.

جاءت الأزمة الأخيرة في إطار محاولة كردية بذلتها أربيل لاستعادة نفوذها في كركوك، باتفاق غير واضح التفاصيل جرى منذ نحو عام مع قوى الإطار التنسيقي الشيعي قضى بتمرير حكومة السوداني، مقابل عودة الديمقراطي الكردستاني إلى مقراته القديمة قبل انسحابه عام 2017. لقد كشف الاتفاق عن قصور سياسي لا يتطابق مع مشاكل المحافظة والمتغيرات الجديدة؛ حيث تكرست هناك حقائق جديدة منها نفوذ الفصائل المسلحة الموالية لإيران، التي أصدرت بيانات واضحة نددت بعودة الحزب الديمقراطي الكردستاني لكركوك، ورفضت التوافقات السياسية التي جرت بين بعض قوى الإطار وأربيل.

إن تحكم البعد السياسي في مسارات الأزمة بالمحافظة، خصوصًا والعراق مقبل على انتخابات مجالس المحافظات في ديسمبر/كانون الأول المقبل، جعل موضوع التعاطي مع ملف كركوك لا ينتج سوى حلول آنية لا تستمر طويلًا. ورغم قرار السوداني الأخير بنقل مقر قيادة العمليات المشتركة للحزب الديمقراطي الكردستاني، إلا أن المحكمة الاتحادية أصدرت أمرًا ولائيًّا يقضي بإيقاف إجراءات تسليم المقر، حتى يتم حسم الأزمة، وهو قرار وصفه رئيس وزراء الإقليم، مسرور بارزاني، بـ”المهزلة” (2) ما يؤشر بدوره إلى مدى صعوبة التعاطي مع الأزمة الحالية، على الرغم من إعلان السوداني عن نيته طرح مبادرة سياسية لحل الأزمة في كركوك، ودفع مكونات كركوك لتوقيع ميثاق وطني خلال زيارته المرتقبة للمحافظة.

الجانب الآخر من الأزمة

تمثل كركوك واحدة من أهم المحافظات العراقية المصدِّرة للنفط بعد البصرة؛ إذ تنتج حقول كركوك النفطية ما يقرب من 400 ألف برميل يوميًّا يتم تصديرها عبر ميناء جيهان التركي، وتمتلك كركوك أول الحقول النفطية المكتشفة في البلاد، وهو حقل بابا كركر الذي اكتُشف، في أكتوبر/تشرين الأول عام 1927، ويعد ثاني أكبر حقل إنتاج نفطي في العالم، وخامس أكبر حقول العالم باحتياطيه النفطي الذي يفوق 10 مليارات برميل من النفط الخام والنقي، فمعظم مشكلات العراق، مرتبطة بشكل وثيق، بملف الثروة النفطية، وهي حالة تجد نفسها في الصراع الدائر بين بغداد وأربيل على خلفية الأحداث الأخيرة (3).

ويمثل نفط كركوك ملفًّا معقدًا في العلاقة بين بغداد وأربيل، بل ويمكن اعتباره الملف الرئيس في محور الصراع الجاري للسيطرة على المحافظة، فرغم السيطرة “للحكومات العراقية على نفط كركوك بعد 2003″، إلا أن ظروف الحرب على تنظيم “داعش”، وما رافقها من أعمال عسكرية، أدت إلى خروج أغلب حقول كركوك عن الخدمة، وهو ظرف استغلته أربيل جيدًا عبر بناء محطات تصدير جديدة على هذه الحقول، دون موافقة الحكومة العراقية؛ إذ نجح الإقليم في توظيف عوائد النفط القادمة من هذه الحقول، بعد نجاحه في تصدير النفط المستخرج عبر تركيا، وهو واقع تغير بعد سيطرة بغداد على المحافظة في عام 2017، وخروجها من سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني.

أدى الخلاف بين بغداد وأربيل على تشريع قانون النفط والغاز، إلى تجاوز مسألة الصراع على نفط كركوك البيئةَ الداخلية العراقية، لتلقي بظلالها على دول الجوار، وتحديدًا تركيا التي لا تزال رافضة لاستئناف تصدير نفط كركوك عبر ميناء جيهان التركي، وذلك بعد كسب العراق لدعوى قضائية رفعها على الجانب التركي أمام محكمة باريس التجارية، في مارس/آذار 2023، وذلك نتيجة قيام تركيا بتصدير النفط القادم من كركوك دون موافقة وزارة النفط العراقية في مرحلة ما قبل 2017، بناءً على تفاهمات أحادية مع سلطات إقليم كردستان العراق؛ إذ فرضت محكمة باريس التجارية على الجانب التركي دفع تعويضات تقدر بـ1.4 مليار دولار للجانب العراقي، وهو ما ترفضه تركيا.

مما لا شك فيه أن الأزمة الأخيرة لا تعكس فقط فكرة الصراع السياسي بين بغداد وأربيل على كركوك، بل هو صراع جيو-اقتصادي تحاول من خلاله أربيل تحقيق استقلال اقتصادي عن بغداد، يوفر لها هامش مناورة جيدًا في تعاملاتها الخارجية، عبر وضع يدها على مصادر الطاقة في كركوك، كمدخل مهم للتخلص من عمليات التضييق الاقتصادي الذي تمارسه بعض الكتل السياسية “الشيعية” المتحكمة بعمل رئيس الوزراء، بعد كل أزمة تنشب بين بغداد وأربيل.

إن أحد الأسباب الرئيسة المتمثلة بتعثر إقرار قانون النفط والغاز، يتمثل بتلمس بعض الأطراف في بغداد خطورة تحرير إقليم كردستان في هذا الملف، ومنحه حرية التصرف بالموارد النفطية الموجودة بالإقليم دون إشراف مباشر من الحكومة الاتحادية، خصوصًا أن الإقليم نجح خلال الفترة الماضية بتوقيع العديد من الاتفاقيات النفطية مع الجانب التركي، من أجل تصدير النفط والغاز من حقول الإقليم إلى تركيا، وما يمكن أن تؤدي إليه هذه الخطوة من تأثير اقتصادي على إيران، التي تعد من الموردين الرئيسيين للغاز إلى تركيا، وهي رسالة عبَّرت عنها إيران بصراحة في عمليات القصف الصاروخي التي استهدفت أربيل في مارس/آذار 2022، فعلى الرغم من إعلان إيران أن عملية القصف أصابت أهدافًا للموساد في أربيل (4). إلا أنها لم تُخفِ حقيقة توجيه رسائل تهديدية لإقليم كردستان العراق أيضًا، خصوصًا أن عمليات القصف أصابت منزل الرئيس التنفيذي لمجموعة “كار” للطاقة، باز كريم البرزنجي، الذي كان حاضرًا مع رئيس إقليم كردستان العراق، نيجرفان بارزاني، في زيارته لأنقرة، في فبراير/شباط 2022، أثناء التوقيع على اتفاقيات اقتصادية مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان(5).

إن الخلاف الحالي يأتي بسبب رغبة بعض الأطراف داخل الإطار التنسيقي، وتحديدًا الفصائل المسلحة الموالية لإيران، في إبعاد الأكراد عن الحقول النفطية في كركوك وإبقاء سيطرتهم الحالية عليها، رغبة في تقويض فكرة الحكم الذاتي للإقليم اقتصاديًّا، بعد النجاح في تحجيم سيطرة الإقليم إداريًّا، من خلال السيطرة على أغلب المناطق المتنازع عليها، وكذلك تهميش الإقليم سياسيًّا عبر توظيف قرارات المحكمة الاتحادية بتجميد عمل برلمان إقليم كردستان العراق في يوليو/تموز الماضي.

معادلة سياسية حرجة

ترفض محافظة كركوك مغادرة مشهد التوتر والصدام الذي يستخدم فيه السلاح أو يلوح باستخدامه، ويبدو أن الوصف الأدق لهذه المحافظة، أنها منطقة صراع مستدام بالعراق، وهذا الوصف يكشف هشاشة الدستور العراقي الذي أُقرَّ في عام 2005، الذي يفترض أن يكون الوثيقة السياسية التي تعلو على الصراع الهوياتي الذي يتناقض مع مبدأ هوية الدولة، لكنه على العكس من ذلك يشرعن الصراع على هوية مناطق توجد فيها هويات وقوميات وأديان ومذاهب؛ حيث إن كركوك “قدس الأكراد” كما وصفها الرئيس الراحل، جلال طالباني، و”قلب كردستان” على حد وصف زعيم حزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، وهي عند التركمان “تركمان إيلي” رمز هويتهم، وتمثل حدودها نقطة التقاء المناطق العربية مع المناطق الكردية، ولذلك فإن النزاع على هويتها يعد أمرًا طبيعيًّا في دولة عجزت عن احتواء الهويات الفرعية وتناقضاتها في مجتمع سياسي يفترض أن يقوم على أساس المواطنة والهوية والوطنية(6).

مما لا شك فيه أن التوقيت الذي أُثيرت فيه الأزمة الأخيرة، يطرح العديد من التساؤلات حول المسار الذي اتخذته، فرغم أن الأزمة عادةً ما تطرح نفسها ضمن مسار الانقلاب على الاتفاقات السياسية التي تجري بين الأكراد والأحزاب “الشيعية”، إلا أنها هذه المرة أخذت بُعدًا أكبر في ظاهرة العنف السياسي، وذلك عبر تمظهرها على شكل أعمال عنف وتحشيد جماهيري بين بعض العرب والتركمان من جهة والأكراد من جهة أخرى، خصوصًا أن هناك العديد من المتغيرات التي طرأت على البيئة المحيطة بكركوك، ومنها ما يجري على الحدود العراقية-السورية، أو الاتفاق الأمني الذي وقَّعته إيران مع العراق في أغسطس/آب 2023، والذي تعهد بموجبه الجانب العراقي بنزع سلاح جماعات المعارضة الكردية الإيرانية، ونقلهم إلى مقرات بديلة داخل الإقليم، وقد تكون كركوك بيئة مرشحة لاستقطاب جزء منهم.

وفي سياق سياسي آخر، فإنه على الرغم من إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن تحديد 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل، موعدًا نهائيًّا لإجراء الانتخابات المحلية في عموم العراق، إلا أن اللافت هو أن كركوك لا يزال وضعها السياسي غير مناسب لإجراء الانتخابات في ضوء التعقيد الحالي. وتجدر الإشارة إلى أن محافظة كركوك لم تُجر فيها أية انتخابات محلية منذ عام 2005، وعادةً ما تتم هيكلة الوضع الإداري فيها بالشكل الذي يعكس التوازن الديمغرافي في المحافظة، ومن ثم فإن التصعيد الأخير قد يطرح نفسه في سياق رغبة كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني وقوى الإطار التنسيقي في أن تكون الانتخابات المحلية المقبلة مقدمة لإعادة تشكيل الوضع السياسي في المحافظة، فيما لو عاد الأكراد للمحافظة، أو بقيت في إطار وضعها الحالي، وهو ما يرشح إمكانية تأجيل الانتخابات المحلية في المحافظة في ظل استمرار الوضع السياسي الراهن.

إن المشهد السياسي الكردي الحالي في العراق مجزأ، وقبيل الانتخابات المحلية المقبلة في كركوك، يحاول الحزب الديمقراطي الكردستاني نسج تحالفاته في كركوك من جديد، في ضوء تصاعد الخلافات مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يتهمه الأول بالتواطؤ في عملية تسليم كركوك للحكومة الاتحادية في عام 2017، ومن ثم فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني ينظر بأهمية كبيرة للعودة إلى كركوك بعد سنوات من فقدان السيطرة عليها. على هذه الخلفية، فإن عودة “المحافظ الكردي” من شأنها أن تساعد الأكراد على استعادة النفوذ الذي فقدوه منذ عام 2017، وستكون بمنزلة اختبار حقيقي لقوتهم في كركوك والسياسة العراقية الأوسع، ومع ذلك، فإن طموحات الحزب الديمقراطي الكردستاني ستبقى غير مؤثرة إذا استمر الوطني الكردستاني في علاقاته الوثيقة مع الفصائل المسلحة الموالية لإيران في المحافظة، كما هي الحال في بغداد، وإذا اختار التركمان العمل مع العرب لمعارضة الأكراد، فستكون الخيارات معقدة جدًّا.

تركمانيًّا؛ من المرجح أن تؤثر الانتخابات التي ستجرى في وقت لاحق من هذا العام على التركمان بقدر تأثيرها على الأكراد في كركوك، وبينما يتمتع العرب “الحشود العشائرية” والأكراد “البيشمركة” بقدراتهم الاقتصادية والعسكرية الخاصة، يعتمد التركمان بشكل أساسي على صناديق الاقتراع للتأثير على الشؤون المحلية. ولم يتمكن التركمان، وهم ثالث أكبر مجموعة عرقية في العراق بعد العرب والأكراد، وينقسمون بالتساوي بين “الشيعة والسُّنة”، من الحصول سوى على مقعدين فقط في كركوك في الانتخابات البرلمانية عام 2021، وخسروا أحد المقاعد الثلاثة التي فازوا بها في الانتخابات السابقة عام 2018 لصالح مرشح عربي. وقبل الانتخابات المحلية المقبلة، تقوم تسعة أحزاب تركمانية بالتنسيق مع الجبهة التركمانية العراقية المدعومة من تركيا لخوض الانتخابات ضمن قائمة مشتركة.

أما على صعيد الدور العربي في المحافظة، فيمكن الإشارة إلى أنه قبل عام 2017، كان مجلس محافظة كركوك يتألف من 26 ممثلًا كرديًّا و9 تركمان و6 ممثلين عرب، ومنذ ذلك الحين، أفادت التقارير بأن العرب من خارج كركوك الذين استقروا في المحافظة عززوا نفوذهم الإداري والسياسي والاجتماعي بمساعدة حكومة بغداد، وفي ظل الوضع الحالي لن يرغب العرب في فقدان قوتهم وهيمنتهم على المحافظة، خصوصًا أن من يدير المحافظة الآن، وهو راكان الجبوري، ينتمي لهم، لكنهم منقسمون أيضًا؛ إذ ينقسم المؤثرون العرب إلى خمسة ائتلافات بارزة تطمح للمشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة: الائتلاف العربي لكركوك وتحالف السيادة وتحالف عروبة كركوك والائتلاف الوطني وائتلاف “الإطار الوطني” المدعوم من الإطار التنسيقي، وأغلب هذه التحالفات العربية تحظى بدعم وتأييد الفصائل المسلحة الموالية لإيران، التي تبدي استعدادها للعمل مع العرب “السُنَّة” في كركوك. ويكمن جوهر التوترات العرقية الحالية في كركوك في عدم وجود محافظ يختاره مجلس المحافظة، وربما تؤدي إعادة مجلس المحافظة إلى جانب محافظ جديد بعد الانتخابات المحلية المقبلة إلى تخفيف هذه التوترات؛ حيث إن النجاح الانتخابي للأكراد والتركمان من شأنه أن يعزز سعيهم إلى منصب المحافظ، ومع ذلك، هناك احتمال قوي أن يكون المحافظ المقبل عربيًّا، خصوصًا مع دعم الإطار التنسيقي لهذا التوجه (7).

ورغم أن الوساطات السياسية تمكنت حتى الآن، من إعادة الهدوء الحذر إلى المدينة، لكن جذور المشكلة لم تحسم بعد، ويبدو أن التحركات السياسية الحالية ليس لديها خطة إستراتيجية للتطبيع في كركوك؛ إذ لا تزال الحلول الأمنية هي المتحكمة بملف الأزمة، عبر الدفع بمزيد من القوات الأمنية وإقامة الحواجز ومنع للتجمعات الجماهيرية. ويرى أنصار الحزب الديمقراطي الكردستاني أن التهدئة الراهنة تمثل “انتكاسة لحضورهم في كركوك”، بينما يستعيد منافسهم الاتحاد الوطني الكردستاني نفوذه المحلي هناك، بسبب التقارب المتزايد مع الفصائل المسلحة الموالية لإيران. ولا تنوي قوى متنفذة في الإطار التنسيقي طرح صيغة للحل الحاسم في المحافظة، لكنها تريد فقط ضمان التهدئة إلى حين موعد إجراء الانتخابات المحلية، في حال أجريت نهاية العام الحالي(8).

لعبة النفوذ والتدافع الإقليمي

وجدت كركوك نفسها، وتحديدًا بعد عام 2017، في دوامة صراع إقليمي للسيطرة عليها؛ إذ تعد كركوك نقطة التقاء لمشروع خط الغاز الإيراني المراد توصيله إلى سوريا، وخطها الواصل بين حقل “بارس الجنوبي” وتركيا، إلى جانب أهمية كركوك لإيصال النفط الإيراني إلى البحر الأبيض المتوسط، عبر تفعيل خط أنابيب كركوك-بانياس، ونظرًا لمخاوف طهران من ملف الطاقة العراقي الذي اعتبرته جزءًا من أمنها القومي، أوكلت إلى مكتب العمليات الخارجية في الحرس الثوري-قوة القدس، مهمة الإشراف عليه، وعلى ملف المناطق المتنازع عليها بين حكومتي بغداد وأربيل، وفي مقدمتها سهل نينوى وكركوك وسنجار. مع إعلان حكومة إقليم كردستان العراق نيتها لتصدير الغاز للأسواق العالمية، بدأ المكتب المذكور تنفيذ خطة لعزل كركوك عن الإقليم، تهدف لدعم المعارضة السياسية لأربيل، وتوسيع مسارات التضييق على الإقليم (9).

إن الدور الإستراتيجي الذي تمارسه إيران في شمال العراق، دفع بها إلى إيلاء محافظة كركوك قيمة أمنية كبيرة، والتدخل في صياغة خطط انتشار الفصائل المسلحة الموالية لها هناك، وتنسيقها مع الأدوار التي يلعبها حزب العمال الكردستاني، وتحديدًا في مقتربات طوز خورماتو وأمرلي، من أجل وضع اليد على الحزام الجغرافي الذي يربط محافظة كركوك بمناطق الموصل وسنجار والحدود السورية، والتحرك بحرية أكبر بمواجهة التزاحم التركي؛ مما عزز من القيمة الإستراتيجية لكركوك في المنظور الأمني الإيراني؛ إذ تكفي الإشارة إلى أن قائد قوة القدس السابق، قاسم سليماني، لعب دورًا مهمًّا في السيطرة على كركوك عام 2017، عندما قاد الفصائل المسلحة عبر محور كركوك الجنوبي 10. سبق ذلك عدة رسائل تحذيرية أرسلها سليماني لبارزاني بضرورة التراجع عن خطوة الاستفتاء.

وتمكنت إيران، عبر علاقاتها الوثيقة مع حزب العمال الكردستاني، من التحول نحو إستراتيجية أكثر تخصصية في شمال العراق، ولم يقتصر دورها على الإشراف على كركوك والفصائل الموجودة فيها فحسب، وإنما يتمثل أيضًا في تأمين الطريق البري الرابط بينها وبين مخمور والقيارة وتلعفر وسنجار باتجاه الحدود السورية؛ حيث تنتشر قوات حزب العمال الكردستاني والفصائل المسلحة الموالية لإيران، وذلك لتأمين عمليات نقل المقاتلين والأسلحة إلى سوريا، فضلًا عن تأمين عمليات تجارة المخدرات والتهريب والتجارة العابرة للحدود، عبر مناطق سنجار والإدارة الذاتية الكردية شمال شرق سوريا، نحو تركيا وأوروبا، وشكلت هذه العمليات مدخلًا لحصول إيران على ملايين الدولارات، في الوقت الذي تخضع فيه لعقوبات أميركية مشددة، كما أنها أفرغت الإجراءات العسكرية التركية من فعاليتها، وهي معضلة يتوقع أن تستمر تركيا بمواجهتها في المرحلة المقبلة.

أما على صعيد الدور التركي، فلم تكن التطورات الأخيرة التي شهدتها كركوك بعيدة عنها؛ إذ دعا الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى الابتعاد عن أية ممارسات من شأنها تغيير التركيبة الديمغرافية لمدينة كركوك، من أجل الحفاظ على السلام في المنطقة، وقال أردوغان في حديث للصحافيين على متن الطائرة أثناء عودته من زيارة رسمية لمدينة سوتشي الروسية، الاثنين الماضي: إن “كركوك هي موطن التركمان ومنطقة تعيش فيها الثقافات المختلفة بسلام منذ مئات السنين ولن نسمح بزعزعة أمنها ووحدة أراضيها”، وأضاف أن “أي فعل يلحق الضرر بتركيبة كركوك يعني إلحاق خلل بوحدة العراق”، داعيًا وزير خارجيته، هاكان فيدان، ورئيس جهاز المخابرات، إبراهيم كالن، إلى ضرورة متابعة ملف كركوك عن كثب (11).

وفي ذات السياق، جاءت تصريحات وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، خلال زيارته إلى طهران، في 3 سبتمبر/أيلول 2023، لتعكس حجم الاهتمام التركي بالتطورات الأخيرة في كركوك، وقال فيدان، إن بلاده تطالب السلطات العراقية بوضع حد لوجود حزب العمال الكردستاني في كركوك، وأضاف أن تركيا تتابع “بحزن وقلق ما يحدث في كركوك التي تعد الوطن الأم للتركمان الذين يشكلون أحد العناصر الرئيسية والمؤسسة للعراق”، وأكد أن “السلام والاستقرار في كركوك يؤثران على السلام والاستقرار في العراق بأسره، ونرى كركوك رمزًا لثقافة التعايش السلمي” (12).

يمكن القول بأن كركوك تحظى بمركزية مهمة في الإستراتيجية التركية شمال العراق؛ إذ يمثل شمال العراق الحزام الجنوبي الأهم في إستراتيجية الأمن القومي التركي، وتؤثر التفاعلات فيه بشكل مباشر على الداخل التركي، وتحاول تركيا جعل هذه الحزام، وتحديدًا نينوى وكركوك، بعيدًا عن أي توترات أمنية أو صراعات سياسية، ولعل هذا ما يبرر انتشارها العسكري الواسع في شمال العراق؛ إذ يحكم التوجه التركي حيال العراق بالمرحلة الحالية متغيرات أساسية عدة منها، تطويق مشكلة سنجار والحد من تهديداتها الأمنية، والحفاظ على مكانة أربيل في السياسة العراقية، واحتواء الخلاف الحالي في كركوك، والأهم توفير بيئة ملائمة لإنجاح “مشروع طريق التنمية” مع العراق.

يُذكر أن كركوك حاضرة بقوة في الثقافة والتاريخ التركي، وعادة ما تشغل حيزًا مهمًّا في الخطاب السياسي التركي الموجَّه للعراق، فعلى إثر شمول كركوك باستفتاء إقليم كردستان العراق في عام 2017، صرح زعيم الحركة القومية، دولت بهتشلي، بأن “الموصل وكركوك لنا” 13. وهي فكرة سبق وأن أكدها الرئيس التركي الأسبق، تورغوت أوزال، في عام 1993، قبل اغتياله بعشرة أيام عندما قال: “الموصل وكركوك لنا، والعالم يعلم بذلك، وسنأخذها” 14. إذ تعتبر أنقرة، وعلى لسان مسؤوليها، كركوك مدينة تركمانية وأنها “خط أحمر”، وسبق أن طالبت بإسناد منصب المحافظ لشخصية تركمانية 15.

إن مستوى الاهتمام التركي بكركوك يتوقع أن يشهد تصاعدًا في الفترة المقبلة؛ حيث إن نظرة بسيطة لطبيعة الدور التركي في العراق خلال العقدين الماضيين، تشير إلى ثبات موقف أنقرة عند التعاطي مع الأحداث المستجدة في كركوك، ومع فوز الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بولاية جديدة، يمكن أن نشهد تعاظم الاهتمام بالمكون التركماني بالمحافظة الذي تحرص تركيا على إبقائه قويًّا ومتماسكًا، في ظل طموح الأكراد بالعودة للمحافظة، أو رغبة العرب وقوى الإطار التنسيقي باستمرار الوضع الراهن؛ إذ تؤشر عملية الدخول المبكر للرئيس أردوغان على خط الأزمة الراهنة في كركوك، حرص تركيا على عدم بروز أي متغيرات من شأنها أن تهدد الوضع السياسي للتركمان في المحافظة.

تداعيات الأزمة

مما لا شك فيه أن التداعيات التي يمكن أن تنتجها أزمة كركوك، لا تقتصر على الداخل العراقي فحسب، وإنما تمتد لتشمل العديد من الملفات الخارجية ذات الصلة بالعراق، وذلك على النحو الآتي:

  1. أظهرت الأزمة هشاشة الاتفاقات السياسية التي تُعقد بين مكونات العملية السياسية، وبصورة أدق بين الأطراف السياسية المشكِّلة لحكومة السوداني، وتأثير ذلك على خلق أزمات جديدة، قد ينجم عنها انسحاب الحزب الديمقراطي الكردستاني من العملية السياسية، في إعادة إنتاج لأزمة عام 2013، عندما انسحب الأكراد من الحكومة، بسبب انقلاب ائتلاف دولة القانون الذي يقوده المالكي، على الاتفاقات السياسية.
  2. لا يزال الوضع الاجتماعي في كركوك يشهد حالة عدم استقرار ملحوظة، وذلك على صعيد عمليات التغيير الديمغرافي التي تجري بين الحين والآخر. فعلى الرغم من انتهاء الحرب على تنظيم “داعش”، وتجاوز الخلافات التي نتجت بسبب استفتاء إقليم كردستان العراق، إلا أنه لم تُبذل جهود واضحة لتطبيع الوضع الاجتماعي في المحافظة، وهو ما برز واضحًا في التطورات الأخيرة.
  3. يشهد الوضع الأمني في كركوك تداخلًا معقدًا، وذلك بسبب وجود أعداد كبيرة من القوات الأمنية والحشود العسكرية والعشائرية، ومثل هذا الوجود ينعكس سلبًا على الواقع الأمني بالمحافظة، خصوصًا أن الأكراد الموجودين بالمحافظة، ينظرون لهذا الوجود على أنه مهدد لهم، في ظل عدم وجود قوات “البيشمركة”، وما عزز من القناعة الكردية بهذا السياق، هو وقوع قتلى وجرحى أكراد في أعمال العنف الأخيرة التي شهدتها المحافظة.
  4. لا تزال التركيبة السياسية التي تتحكم بمفاصل الإدارة المحلية في كركوك تشهد غيابًا واضحًا لوجود الحزب الديمقراطي الكردستاني، في مقابل استئثار واضح من قبل المكون العربي المدعوم من قبل فصائل مسلحة بإدارة شؤون المحافظة، وإن استمرار هذا الوضع من شأنه أن يؤزِّم حالة الاستقرار السياسي في كركوك، وتحديدًا على مستوى إجراء الانتخابات المحلية المقبلة، دون أن تكون هناك حلول سياسية تنهي حالة الإقصاء السياسي.
  5. تحاول كل من تركيا وإيران إنتاج وضع سياسي وأمني يخدم طموحات كل منهما في كركوك، فإيران أدت دورًا مهمًّا في ترسيخ سيطرة الفصائل المسلحة الموالية لها على المحافظة، عبر العديد من السياسات التي استهدفت إضعاف أي فرصة لعودة الحزب الديمقراطي الكردستاني للمحافظة، وكان آخرها دعم عملية تشكيل حشد كردي بالمحافظة، كضد نوعي يحجِّم من تأثير وقوة “البيشمركة” في حال عودتها، أما تركيا فتدرك تمامًا أن استمرار إيران بهذه السياسات قد ينهي أي فرصة لها في كركوك، فحتى المكون التركماني أصبح جزء منه مرتبطًا بسياسة الفصائل المسلحة بالمحافظة، عبر تشكيل حشود تركمانية تتبع لهيئة الحشد الشعبي، ومن ثم فإن استمرار هذا التدافع الإيراني-التركي في كركوك، سينعكس سلبًا على أي جهود داخلية لفرض الاستقرار فيها.

خاتمة

حاول السوداني منذ توليه رئاسة الوزراء العام الماضي، انتهاج سياسة جديدة للتعامل مع أربيل، تمحورت أبرز ملامح هذه السياسة، بتطبيع العلاقات مع أربيل كمرحلة أولى، ومن ثم معالجة الملفات الخلافية كمرحلة ثانية، مستغلًّا وجود الحزب الديمقراطي الكردستاني طرفًا رئيسًا في تشكيلته الحكومية، وكذلك الدور الذي لعبه الحزب في تمرير كابينته الوزارية، إلا أن رغبة السوداني اصطدمت بمتغيرات داخلية وخارجية، بدأت تجد لها مساحة للعمل في كركوك.

إن التغيرات الكبيرة التي أصابت كركوك بعد عام 2017، أصبحت تؤدي دورًا كبيرًا في تقرير مستقبل المحافظة، وهو ما برز واضحًا في التطورات الأخيرة التي شهدتها؛ إذ لم تعد الأزمة محصورة بإطارها السياسي فحسب، بل أصبحت أزمة شاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وأمنية، كما أصبح لها امتدادات إقليمية تؤدي دورها الفاعل في تحديد مسار القوى الإقليمية المؤثرة بالداخل العراقي، وتحديدًا إيران وتركيا، اللتين بدأتا بممارسة سياسة “تقويض/دعم” الأكراد بمختلف الجبهات، وتحديدًا في سوريا والعراق.

إن الواقع الذي تشهده كركوك اليوم يحتاج مشروعًا سياسيًّا متكاملًا لحلها. والأهم من ذلك، فإن استمرار التعاطي مع كركوك كمنطقة متنازع عليها، سيجعل منها بيئة مرشحة للصراع في أي وقت، ولابد من إعادة تشكيل صورة جديدة عنها في التفكير السياسي العراقي، كمنطقة استقرار سياسي وأمني وضامنة للتنوع الاجتماعي. فبعد مرور 20 عامًا على الغزو الأميركي للعراق، لا تزال الكتل السياسية تدور في إطار ذات الحلول الآنية للأزمة، كما أن المادة 140 من الدستور لم تعد متوائمة مع الواقع الحالي للمحافظة، وهي الأخرى بحاجة للتعديل، نظرًا للتداخلات المعقدة التي تعيشها كركوك بالوقت الحاضر.