تشكل زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الصين فرصة لإحداث نقلة جديدة في العلاقات الثنائية، خصوصا وأن بكين تبدو مهتمة على نحو بعيد بتعزيز حضورها في منطقة الشرق الأوسط في سياق التنافس القائم بينها وبين الولايات المتحدة.
دمشق- يتوجه الرئيس السوري بشار الأسد وعقيلته أسماء إلى بكين الخميس في زيارة رسمية تلبية لدعوة من نظيره الصيني شي جينبينغ.
وهذه الزيارة الأولى للرئيس السوري إلى الصين منذ العام 2004، ويتوقع متابعون أن تؤسس لنقلة جديدة في العلاقات الثنائية بين الطرفين، لاسيما مع اشتداد حالة الاستقطاب الثنائي بين واشنطن وبكين.
وقدمت بكين، منذ اندلاع الصراع السوري في العام 2011، دعما دبلوماسيا مهما لدمشق في المحافل الدولية، لكنها حرصت في الآن ذاته على عدم التدخل بشكل أكبر في النزاع، تجنبا للمزيد من الاحتكاك مع الولايات المتحدة.
ويقول المتابعون إن الوضع اليوم مختلف، فالصين ترنو إلى تعزيز حضورها في الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي كانت تقليديا ضمن دائرة النفوذ الأميركي، وتشكل سوريا بالنسبة إلى بكين أهمية جيوسياسية، فضلا عن كون البنية الفكرية لنظام الأسد تتناغم معها.
وقالت الرئاسة السورية في بيان الثلاثاء “تلبية لدعوة رسمية من الرئيس شي جينبينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية، يقوم الرئيس بشار الأسد والسيدة الأولى أسماء الأسد بزيارة إلى الصين تبدأ الخميس”.
وتشمل الزيارة لقاءات وفعاليات في مدينتي هانغجو وبكين، ويرافق الأسد وفد سياسي واقتصادي.
وذكرت صحيفة “الوطن” السورية المقربة من الحكومة، أن الأسد سيحضر حفل افتتاح الألعاب الآسيوية في هانغجو في 23 من الشهر الحالي.
ويرى مراقبون أن الصين أظهرت في السنوات الأخيرة رغبة في تعزيز التقارب مع دمشق، وهو ما ترجم بشكل واضح في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية وانغ يي إلى العاصمة السورية يوم إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في سوريا في 17 يوليو 2021.
وكان الوزير الصيني بذلك أول المهنئين للرئيس الأسد بفوزه في تلك الانتخابات. وقام الرئيس شي جينبينغ، بإرسال برقية تهنئة إلى الأسد بمناسبة انتخابه قائلاً “إن الصين تدعم بقوة سوريا في حماية سيادتها الوطنية واستقلالها وسلامة أراضيها، وستقدّم كلّ ما تستطيع”.
وأعقبت زيارة المسؤول الصيني إلى دمشق مبادرة طرحتها بكين لتسوية الصراع، تتكون من أربع بنود من بينها “احترام السيادة الوطنية ووحدة الأراضي السورية، من خلال ترك الشعب السوري هو الذي يحدّد مصير بلاده وبشكل مستقل”.
ويقول المراقبون إن الصين التي تواجه محاولات أميركية لمحاصرتها، ستحاول الرد على تلك الخطوات من خلال تعزيز حضورها السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط وبالتأكيد فإن سوريا هي إحدى البوابات.
وقدّمت الصين على مدار السنوات الماضية دعما لدمشق خصوصاً في المحافل الدولية ومجلس الأمن الدولي، فامتنعت مراراً عن التصويت لقرارات تدين دمشق واستخدمت الفيتو إلى جانب روسيا الداعمة بقوة لدمشق، لوقف هذه القرارات.
وبعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا في فبراير، طالبت الأمم المتحدة وغالبية أعضاء مجلس الأمن الدولي بتمديد آلية دخول المساعدات عبر الحدود إلى شمال غرب سوريا من دون إذن الحكومة لمدة سنة على الأقل. واقترحت سويسرا والبرازيل تسوية لمدة تسعة أشهر، لكنّ روسيا استخدمت الفيتو لمنع صدور القرار الذي أيّدته 13 دولة، فيما امتنعت الصين عن التصويت.
الصين قدّمت على مدار السنوات الماضية دعما مهما لدمشق خصوصاً في المحافل الدولية ومجلس الأمن الدولي
وأعلنت الصين بعد الزلزال إرسال مساعدات بقيمة 5.9 ملايين دولار وعمال إغاثة متخصصين في المناطق الحضرية وفرقا طبية ومعدات طوارئ.
وبعد 12 سنة من اندلاع نزاع مدمّر أودى بحياة أكثر من نصف مليون شخص وخلّف الملايين من النازحين واللاجئين ودمّر البنى التحتية للبلاد، تسعى سوريا اليوم إلى الحصول على دعم الدول الحليفة لمرحلة إعادة الإعمار.
وتفرض دول غربية عقوبات اقتصادية، لطالما اعتبرتها دمشق سبباً أساسياً للتدهور المستمر في اقتصادها.
وشهد العام الحالي تغيرات على الساحة الدبلوماسية السورية تمثلت باستئناف دمشق علاقتها مع دول عربية عدة على رأسها المملكة السعودية، واستعادة مقعدها في جامعة الدول العربية ثم مشاركة الرئيس السوري في القمة العربية في جدّة في مايو للمرة الأولى منذ أكثر من 12 عاما.
وتسارعت التحولات الدبلوماسية على الساحة العربية بعد اتفاق مفاجئ بوساطة صينية أُعلن عنه في مارس وأسفر عن استئناف العلاقات التي كانت مقطوعة بين السعودية وإيران.
العرب