عادت العلاقة بين النظام الإيراني والوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى بدايتها في عدم وضوح إمكانية تمسك إيران بالتعهدات والشروط التي وافقت عليها في آخر زيارة لرئيس الوكالة ( روفائيل غروسي) في أذار 2023 ولقائه بالمسؤولين العاملين في الوكالة الوطنية الإيرانية للطاقة الذرية واعلانه بيانا مشتركاً قررت فيه إيران السماح لمفتشي الوكالة الدولية بتفتيش ثلاث مواقع يعتقد بانها تشكل نشاطاً نووياً وهي ( توركو أباد ورامين وماريفان) وتعزيز دورها الميداني بتركيب أجهزة المراقبة ومتابعتها الخاصة بتخصيب اليورانيوم في منشأتي ( فوردو ونطنز) وإعادة تركيب الكاميرات في ورش أجهزة الطرد المركزي بمدينة ( اصفهان)، في هذا الوقت كانت الولايات المتحدة الأمريكية تجري لقاءات وحوارات غير مباشرة مع إيران عبر وساطة قطرية عُمانية للتوصل إلى صفقات محددة تتعلق بإطلاق سراح محجوزين أمريكان من أصول إيرانية وإمكانية أحياء خطة العمل المشتركة الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني.
هذه اللقاءات افضت إلى موافقة إيران على إطلاق سراح المحجوزين لديها مقابل السماح بإطلاق قسم من أموالها المجمدة في كوريا الجنوبية والعراق بقيمة 17مليار دولار والمعاونة في دعم مفاوضات إيران مع البنك الدولي في الحصول على 7 مليار دولار، واتفاق لخفض التصعيد يحدد قيام إيران بتخفيض اليورانيوم المخصب عن 60٪ والتباطئ في عملية تراكم اليورانيوم عالي التخصيب والامتناع عن تركيب أجهزة طرد مركزي متقدمة جديدة في منشأة فوردو ، مقابل ان تمتنع الإدارة الأمريكية عن فرض عقوبات عن بيع النفط الإيراني وتسويقه عبر منافذ عديدة ومنها ما يخص المشتريات الصينية.
ورغم نجاح صفقة السجناء واستمرار العلاقة غير المباشرة بين أمريكا وإيران والتي ساهمت في تقويض عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعدم إلتزام إيران بخطة العمل المشتركة ومعاهدة الانتشار النووي عبر تمسكها بسياسة ( الخداع والتقدم) مستغلة سوء إدارة أزمة البرنامج النووي من قبل الإدارة الأمريكية باعتمادها ( المبادرات الدبلوماسية) التي عززت البنية التحتية النووية لإيران وزادت من قدرتها وإنجازاتها وحققت نسبة بتخصيب 60٪ من اليورانيوم المخصب تجاوزت ( 42) كغم وعملت على تخزين ما يكفي من المواد الخاصة باليورانيوم عالي التخصيب وتوسعت في صناعة أجهزة الطرد المركزي ووصلت الى(4) الأف جهاز، وهي بذلك تكون قد خالفت ما اتفق عليه عبر اللقاءات مع مسؤولي الوكالة الدولية التي لم يكن لديها سوى قدر ضئيل من المعرفة حول عملية تصينع أجهزة الطرد المركزي ولم تتمكن من مراجعة وتفتيش المواقع النورية التي تم تحديدها في زيارة رئيس الوكالة لإيران، مع تجديد امتناع المسؤولين الإيرانيين في حزيران 2023 عن إيصال المفتشين الى كاميرات المراقبة في أصفهان وعدم جاهزية الكاميرات في منشأتي نطنز فوردو.
اتبعت إيران سياسة واضحة في تعاملها مع المسؤولين الامريكان بعد أن رأت ان الرئيس جو بايدن يسعى لتحقيق انجاز سياسي يُحسب له في الانتخابات القادمة بإطلاق سراح السجناء وهي السياسية التي مكنت إيران أقتصادياً وأهلتها سياسياً، وتعامل النظام الإيراني مع هذا التوجه الأمريكي لدرء أثار أي عملية لتصعيد الأزمة مع واشنطن وتحقيق غاياته وفق المنظور السياسي الذي خطه المرشد علي خامنئي باعتماد (مرونة الابطال) لمعالجة الأزمات الداخلية التي يعاني منها المجتمع الإيراني ورفع العقوبات الاقتصادية والحصول على بعض من الأموال المجمدة وتحقيق مكاسب نووية تعزز البنية التحتية لإنتاج أسلحة نووية في الوقت المناسب والحد من الضغوط التي يمارسها مجلس محافظي الوكالة على إيران، وهذا سيؤدي إلى تغيير في معايير الأهداف السياسية وتعزيز التقدم الذي تريده إيران.
لكن هذه السياسة المزدوجة الأمريكية و الدبلوماسية السرية في التعامل مع النظام الإيراني والتخادم السياسي بينهما أثر بشكل كبير على طبيعة القرارات التي تريد المجموعة الأوربية اتخاذها لإزدواجية المعايير الأمريكية في مجمل الحوارات والصفات التي تجريها مع النظام الإيراني، وهذا ما ساهم في اتخاذ قرار أوربي بتمديد فترة العقوبات التي وردت في القرار 2231 والخاص باتفاقية البرنامج النووي الإيراني عام 2015 والتي تنتهي في 18 تشرين الأول 2023 والمتعلقة برفع العقوبات التي تستهدف الأشخاص والكيانات الضالعة في البرنامج الصاروخي وبرنامج الأسلحة النووية الإيرانية وأي أسلحة أخرى.
وأمام هذه القرار الأوربي قامت إيران بتاريخ 17 أيلول 2023 بسحب اعتمادات (8) من مفتشي الوكاله الدولية للطاقة الذرية من الجنسية الفرنسية والألمانية، مما حدى بالاتحاد الأوربي إلى إصدار بيان أشار فيه أن القرار الإيراني يعطل قدرة الوكالة عن القيام بأنشطة التحقق الخاصة ضمن خطة العمل المشتركة في حين اعتبر الناطق الرسمي بوزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني (ان قرارنا بشأن مفتشي الوكالة سيادي ويستند إلى القرارات الدولية واتفاقية الضمانات الشاملة وتواصل الجمهورية الإسلامية تعاونها الإيجابي في إطار الاتفاقيات مع التأكيد على ضرورة حيادية الوكالة وان اي ضغوط سياسية ستؤدي إلى نتائج عكسية).
جاء القرار الإيراني رداً على البيان الذي اصدرته الوكالة الدولية بتاريخ العاشر من أيلول 2023 بدعوة إيران للتعاون الفوري مع الوكالة في تفسير وجود آثار يورانيوم عثر عليها في مواقع غير معلنة.
تبقى عملية التجاذب في العلاقة بين إيران والوكالة الدولية رهينة التوافقات والمصالح الدولية الإقليمية والسعي للحفاظ على مواقع وركائز الدول الكبرى في منطقة الشرق الاوسط، في ظل السياسة السرية التي تتبعها الإدارة الأمريكية وتمسكها بحوارات ولقاءات مع أيران لوقف التصعيد وإنجاز أهداف أمريكية وتحقيق غايات إيرانية.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية