السعودية تصفي حسابها مع وكالة الطاقة الدولية

السعودية تصفي حسابها مع وكالة الطاقة الدولية

الرياض- حمل وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان على وكالة الطاقة الدولية في ما بدا بأنه تصفية حساب مع الوكالة بسبب انتقادها سياسة خفض إنتاج النفط التي تعتمدها السعودية وروسيا وحديثها عن اقتراب الوقت الذي لا يعود فيه العالم في حاجة إلى النفط.

وقال الأمير عبدالعزيز بن سلمان إن الوكالة “تحولت من كونها جهة تنبؤية ومقيّمة للسوق إلى وكالة تمارس الدعاية السياسية، بينما لم يحدث أيّ شيء من الأمور التي سبق أن حذّرت منها”، في إشارة إلى أنها تنطلق في “تنبؤاتها” من موقف سياسي وليس من تقديرات تحليلية لأداء الأسواق وحجم الطلب على النفط.

وأشارت الوكالة الدولية للطاقة الأربعاء إلى أن تخفيضات النفط التي تنفذها السعودية وروسيا داخل أوبك+ ستحدث نقصا كبيرا في الإمدادات العالمية حتى نهاية العام.

◙ القلق ينتاب وكالة الطاقة الدولية نفسها. لكن قلقها يحوم حول غياب الإمدادات الكافية لتلبية ما تعتبره طلبا متسارعا

وأضافت الوكالة في تقريرها الشهري عن السوق أن “مخزونات النفط ستكون عند مستويات منخفضة على نحو غير مريح، مما يزيد خطر حدوث موجة أخرى من التقلبات لن تكون في مصلحة المنتجين ولا المستهلكين، في ضوء الواقع الاقتصادي الهش”.

ووضعت الوكالة نفسها في صف الولايات المتحدة والدول التي تنتقد سياسة خفض الإنتاج، وهو الموقف الذي يزعج السعودية، ويفسر الهجوم على الوكالة من الأمير عبدالعزيز بن سلمان (ابن العاهل السعودي).

لكن وزير الطاقة السعودي أثار الجدل أكثر حين قال هذا الأسبوع عن قرار المملكة وروسيا بتمديد التخفيضات إن الأمر لا يتعلق برفع الأسعار، بل باتخاذ القرارات الصحيحة عندما تتوفر البيانات.

وتصوّر الجميع أن النهج القائم على خفض اتُّخذ لخدمة الأهداف المرتبطة بالأسعار، حيث تحتاج الموزانة السعودية إلى أسعار أعلى من 70 دولارا لبرميل خام برنت. وترجع هذه الحاجة لخطط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الطموحة للإنفاق العام الهادفة إلى تقليل اعتماد بلاده على عائدات النفط.

ويبدو وزير الطاقة السعودي مشاركا لمخاوف العديد من المستهلكين، وهي المخاوف التي أبقت أسعار النفط منخفضة خلال معظم النصف الأول من العام الجاري.

وأشار الوزير في مؤتمر النفط العالمي في كالغاري بكندا، حسب ما نقلت صحيفة “فايننشال تايمز”، إلى أن الغموض يحيط بمدى النمو في أوروبا وبما سيفعله محافظو البنوك المركزية فيما يتعلق بأسعار الفائدة الإضافية وبأداء الاقتصاد الأميركي في سياق ما يحدث على مستوى العالم.

بمعنى آخر، يشعر وزير الطاقة السعودي بقلق بخصوص الطلب في معادلة النفط، مثلما حدد العديد من المحللين الذين أشاروا إلى تفاقم هذه المشاعر خلال الأشهر الثمانية الماضية.

وينتاب القلق وكالة الطاقة الدولية نفسها. لكن قلقها يحوم حول غياب الإمدادات الكافية لتلبية ما تعتبره طلبا متسارعا. ويجب أن تكون حقيقة هذا التسارع مخيبة للآمال بالنسبة إلى الوكالة التي توقعت مؤخرا أن ذروة الطلب على النفط ستحدث قبل 2030. وقالت قبل عامين إن العالم لن يحتاج إلى المزيد من عمليات التنقيب الجديدة عن النفط والغاز بعد 2021.

وقال الأمير عبدالعزيز بن سلمان “من الأفضل دائما اتباع شعاري، وهو ‘أنا أصدّق ما أراه بعيني’. أي عندما يكون الأمر واقعا وليس توقعات. نشكر الله على أن بوسعنا إنتاج المزيد”.

وترى إيرينا سلاف الكاتبة في موقع أويل برايس الأميركي أن توقعات العرض والطلب ليست دقيقة دائما. ويكفي أن “نتذكر كل توقعات النمو الاقتصادي الصيني الهائل التي سجلناها خلال السنة الحالية، والتي كان من الممكن أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار في وقت سابق من العام”.

لكن، رغم تحطيم الطلب الصيني على النفط رقما قياسيا تلو الآخر، إلا أن “السوق ركز على المؤشرات الاقتصادية في البلاد التي أبقت حدا للأسعار لعدة أشهر، مما دفع السعوديين والروس في النهاية إلى اتخاذ نهج أكثر حسما”.

وتعتبر سلاف أن النهج السعودي يمكن أن يكون استباقيا في سياق توقعات نهاية النفط والغاز في هذه المرحلة الانتقالية.

◙ وكالة الطاقة وضعت نفسها في صف منتقدي سياسة خفض الإنتاج، وخاصة أميركا، وهو الموقف الذي يزعج السعودية

وتضيف أنه “إذا كان الطلب على النفط على وشك بلوغ ذروته قريبا، فمن الأفضل للمنتجين الكبار أن يستغلوا مواردهم بأفضل الطرق الآن قبل أن تصل الذروة”.

وانتقد الأمير عبد العزيز بن سلمان وكالة الطاقة الدولية لتوقعاتها بشأن ذروة الطلب على النفط و”النمو المذهل لتقنيات الطاقة النظيفة مثل الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية”.

ونقلت رويترز عنه قوله إن مصداقية المتنبئين تتراجع عندما يحدث هذا. لكن الكثيرين يواصلون استخدام هذه التوقعات لاتخاذ قرارات يمكن أن تؤثر على اتجاهات الطلب على النفط. والمثال الأكثر وضوحا هو سباق الدعم في أوروبا والولايات المتحدة الذي يغذي التحول من النفط والغاز إلى البدائل. كما يتضمن هذا السباق تثبيط استخدام النفط والغاز من خلال الضرائب.

ويستند هذا السباق إلى توقعات، بما في ذلك توقعات وكالة الطاقة الدولية، بأن طاقة الرياح والطاقة الشمسية تعتبر بدائل مماثلة للنفط والغاز بما في ذلك للكهرباء والسيارات. ويتخذ المستثمرون قراراتهم بشأن وجهة أموالهم استنادا على هذه التوقعات.

ولا عجب أن الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو أمين بن حسن الناصر رد على وكالة الطاقة الدولية أيضا، وحذّر بالقول “نحن في حاجة إلى الاستثمار وإلا سنواجه أزمة أخرى تتراوح من المدى المتوسط إلى الطويل وسنعود إلى الوراء فيما يتعلق باستخدام المزيد والمزيد من الفحم والمنتجات الرخيصة الأخرى المتاحة اليوم”.

وليس من المستغرب كذلك أن يفضل وزير الطاقة السعودي أن يتصرف بطريقة آمنة في مثل هذه البيئة السياسية، وخاصة إذا انتشرت ضريبة الكربون على عموم الناس بما يضعف الطلب على النفط بفعالية قصوى.

العرب