دخل الفرقاء السياسيون بين غرب ليبيا وشرقها في مرحلة جديدة من الصراع حول إدارة أموال إعمار مدينة درنة والمناطق المنكوبة شرق البلاد عقب الفيضانات الناجمة عن إعصار “دانيال”، في وقت تتصاعد فيه التحذيرات من إمكانية إعاقة الانقسام السياسي القائم جهود إعادة البناء.
درنة (ليبيا) – بدأت في ليبيا الاستعدادات الحثيثة لإطلاق مشروع إعادة إعمار مدينة درنة ومنطقة الجبل الأخضر بعد الأضرار الجسيمة التي لحقتهما نتيجة كارثة العاصفة المتوسطية “دانيال”، وذلك في ظل تنافس حاد بين حكومتي طرابلس وبنغازي على اتخاذ المبادرات وقيادة مسارات العمل على تجاوز الأزمة.
وفيما أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة تخصيص مبلغ ملياري دينار (446.4 مليون دولار) لصالح صندوق إعمار مدينتي بنغازي ودرنة، الذي سيتولى الإشراف على برنامج إعادة إعمار البلديات المنكوبة جراء العاصفة، رجحت بعض الأطراف المتخصصة أن تصل تكاليف البرنامج إلى 7 مليارات دولار، وأشارت إلى وجود مخاوف جدية من إهدار الجزء الأكبر من الأموال التي سترصد لإعادة الإعمار في سياقات ظاهرة الفساد المستشري التي تواجهها البلاد ولا تستثني أي مجال بما في ذلك الأعمال الخيرية والإنسانية والاجتماعية.
وفي إشارة إلى قلق المجتمع الدولي بشأن غياب التنسيق بين سلطات غرب البلاد وشرقها، دعا الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا عبدالله باتيلي تلك السلطات إلى إجراء تقييم مشترك لحاجيات الاستجابة العاجلة وإعادة البناء، وأن يرتقي القادة السياسيون إلى مستوى اللحظة وأن يعملوا يدا في يد من أجل تجاوز آثار المأساة.
وأضاف باتيلي أنه اجتمع بأعضاء من لجنة الشؤون السياسية في مجلس الدولة الاستشاري، واستمع إلى تقييمهم للأبعاد الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والسياسية لكارثة درنة. وتابع أنه أعرب عن أسفه لأن التنسيق بين المؤسسات في الشرق والغرب لم يكن على مستوى التضامن غير المسبوق الذي أبداه الليبيون من كافة المناطق تجاه إخوانهم وأخواتهم في درنة وغيرها من مدن شرق ليبيا التي اجتاحتها الفيضانات، مشددا على ضرورة أن تجتمع السلطات في الشرق والغرب من أجل إجراء تقييم مشترك لحاجيات الاستجابة العاجلة وإعادة البناء.
◙ مجلس الدولة الذي يتكون من فلول المؤتمر الوطني أكد رفضه لقرار البرلمان اعتماد ميزانية لمواجهة آثار الفيضانات
وكان مجلس الدولة الذي يتكون من فلول المؤتمر الوطني العام المنتخب في العام 2012، أكد رفضه لقرار البرلمان اعتماد ميزانية لمواجهة آثار السيول والفيضانات التي ضربت مناطق بشرق البلاد وإعادة إعمار مدينة درنة، وقال إنها من صلاحيات السلطة التنفيذية ولا يحقّ له التفرّد، في خطوة من شأنها أن تثير خلافات بين الطرفين قد تعيق مشروع إعادة الإعمار.
وقبل ذلك، صوّت مجلس النواب على إقرار ميزانية طوارئ بقيمة 10 مليارات دينار ليبي لمعالجة آثار الفيضانات في المناطق المتضررة، وشكّل لجنة يقودها رئيس البرلمان، وتضم محافظ مصرف ليبيا المركزي ومندوبا عن القيادة العامة للجيش الليبي يختاره الجنرال خليفة حفتر، على أن تتولى فتح حساب في مصرف ليبيا المركزي تودع فيه المخصصات أو المعونات المحلية والدولية، والإشراف على صرفها للأغراض المخصصة لها، كما تم تكليف لجنة تشريعية لإعداد مشروع قانون إنشاء صندوق إعمار ليبيا، يعرض على المجلس في الجلسات القادمة لاعتماده.
وحول الأولويات المعنية بأي مشروع قادم لإعادة الإعمار، أكد عضو مجلس الدولة منصور الحصادي على ضرورة تقسيم أولويات العمل في مدينة درنة المنكوبة إلى ما قبل وقوع الكارثة وما بعده، وأما “المرحلة الآنية فتنقسم إلى عدة نقاط وهي الإنقاذ، الانتشال، التعرف، التوثيق، الدفن، والتهيئة، وتقديم الخدمات الأساسية، واستدامة وصول المياه، الغذاء، الدواء، مستلزمات الأطفال، والكهرباء، الاتصالات، والاهتمام بالفئات الضعيفة؛ (الأطفال، النساء، الكبار، المعاقين)، مع العمل بشكل علمي بالتعاون مع المنظمات الدولية المختصة لعودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة، ومرحلة التأهيل والبناء ومواجهة الأضرار والإعمار، وإنشاء جهاز خاص بذمة مالية مستقلة وميزانية مستقلة، ويصدر بقانون، لضمان حقوق درنة، ومكتب تنفيذي للجهاز من أهالي درنة من ذوي الخبرة والنزاهة، والاستعانة بالخبرات الدولية في التنفيذ والاستشارات والإشراف، مع وضع خطة وإستراتيجية للتأهيل والإعمار مع خارطة إعمار واضحة بمراحل ووعاء زمني. إلى جانب حماية التأهيل والبناء والإعمار من الفساد. وإبعاد درنة عن التجاذبات السياسية”.
ويرى مراقبون محليون أن الثقة مفقودة بين مختلف مواقع القرار في البلاد، ولاسيما بين حكومتي الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها والحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، ومجلسي النواب والدولة وقيادة الجيش، وأن أي خطوة على طريق إعادة الإعمار ستواجه بصعوبات وخلافات وعراقيل سواء من هذا الطرف أو ذاك.
ويشير هؤلاء إلى أن سلطات طرابلس ترغب في الانفراد بمشروع إعمار درنة والجبل الأخضر والاستفادة من ذلك في فتح جسور للتواصل مع المؤسسات الاجتماعية ومع الشارع البرقي المعروف بموالاته لمجلس النواب وقيادة الجيش. بينما تسعى الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب لتأكيد شرعيتها المحلية بإدارة مشاريع إعادة البناء وحل مشاكل السكان وتجاوز مخلفات الكارثة بميزانية مستقلة تتكون من الأموال المرصودة من قبل البرلمان أو التي سيتم جمعها خلال المؤتمر الخاص بالمانحين الذي دعا رئيسها أسامة حماد إلى تنظيمه بمدينة درنة في العاشر من أكتوبر القادم، والذي يعتبر تحديا كبيرا لسلطات شرق البلاد، خصوصا وأن الحكومة التي تباشر عملها من بنغازي غير معترف بها من المجتمع الدولي، وبالتالي فإنه من الصعب إبرام أي تعاقدات معها.
وأكد حماد خلال لقائه رفقة رئيس لجنة إعادة الإعمار والاستقرار في ليبيا حاتم العريبي مع ممثلي الشركات المصرية بليبيا، على ضرورة بدء الإعمار في مدينة درنة وضواحيها عقب الانتهاء من عمليات البحث والإنقاذ، مشددا على ضرورة التعجيل بالمشاريع في المدينة لما لها من أهمية في تقديم الخدمات للمواطنين في المناطق المنكوبة.
وفيما أوضح المتحدث باسم قيادة الجيش أحمد المسماري أن العاصفة “دانيال” دمرت شبكة الطرقات وحطّمت الجسور التي تربط شرق درنة بغربها، ونحو 70 في المئة من البنية التحتية، أكدت تقارير محلية أن درنة تحتاج إلى إعادة بناء لأغلب الوحدات السكانية والمؤسسات الإدارية والوظيفية، وإلى توفير السكن اللائق لحوالي 40 ألفا من السكان الذين اضطروا إلى النزوح عنها بسبب الأضرار التي لحقت بالأملاك العامة والخاصة.
◙ الثقة مفقودة بين مختلف مواقع القرار في ليبيا وأي خطوة لإعادة الإعمار ستواجه بصعوبات وخلافات وعراقيل سواء من هذا الطرف أو ذاك
وتراهن حكومة الدبيبة على الاستفادة من شرعيتها أمام المجتمع الدولي للحصول على قروض ومساعدات مهمة، وهو ما تبين بالخصوص من خلال الإعلان عن تلقي وزارة المالية ردا من البنك الدولي في ما يتعلق بالشق المستعجل ويقضي بتخصيص قيمة مالية وفريق لتقييم الأضرار بالمناطق المتضررة.
ومن جانبه، كشف المتحدث باسم الحكومة محمد حمودة أن وزير المالية أصدر مراسلة خاطب فيها عدة جهات دولية كالبنك الدولي والبنك الأفريقي والبنك الأفريقي للتنمية والبنك الإسلامي طالب فيها بتكليف لجنة تعتمد آلية متقدمة للتقييم العاجل للأضرار جراء الفيضانات التي ضربت مدينة درنة ومنطقة الجبل الأخضر. وبتيسير تلقي الحوالات المصرفية، والمساعدة على إنجاز دراسة إدارة الصناديق. ومن بينها صناديق إعادة الإعمار التي تحتاج أي إجراءات بخصوصها إلى نقاشات أوسع على مستوى السلطات في ليبيا وكذلك على مستوى البنك الدولي.
وإذا كانت مدينة درنة هي الأكثر تضررا من كارثة العاصفة بسبب الفيضانات الناتجة عن انفجار سدّيها الرئيسيين، فإن مدنا أخرى شهدت أضرارا بشرية ومادية من بينها سوسة وشحات والبيضاء. وأبرز رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي أن كارثة الفيضانات التي ضربت شرق ليبيا أكبر من قدرات البلاد “التي أرهقها التدخل الخارجي والانقسام السياسي”، وشدد في رسالة للمجتمع الدولي من خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك على أن البلاد تحتاج إلى إعادة الإعمار عبر تنظيم مؤتمر دولي، ودعم عالمي في كل مراحل الإنقاذ والتحقيق والإعمار، وغيرها.
وبحسب أوساط مطلعة بالعاصمة طرابلس، فإن المانحين الدوليين أعربوا عن استعدادهم لتوفير التمويلات اللازمة لإعادة إعمار درنة، لكن شريطة أن يتم ذلك برعاية مشتركة مع خبراء الأمم المتحدة وممثلين عن الدول المشاركة في خطط البناء والصيانة وجبر الأضرار.
العرب