تجدد الصراع على النفوذ بين “الجيش الوطني السوري” المعارض، ومجموعات مرتبطة بـ”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) تحاول التمدد في مناطق سيطرة “الجيش”، للاستحواذ على معبر الحمران، أهم المعابر التي تربط بين الشمال السوري وبين مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، من أجل الحصول على مكاسب مالية وعسكرية وتعزيز حضورها في ريف حلب الشمالي.
وأطلق “الجيش الوطني السوري”، الذي يضم أغلب فصائل المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي، عملية ضد فصائل ومجموعات تدور في فلك “هيئة تحرير الشام”، التي تفرض سيطرة مطلقة على الشمال الغربي من سورية، وتحاول وضع قدم ثابتة في ريف حلب الشمالي حيث مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية.
اندلاع الاشتباكات
واندلعت الاشتباكات فجر أمس الثلاثاء، على محوري دابق ونعمان في ريف حلب الشمالي، حيث حشد “الجيش الوطني السوري” تعزيزات من منطقتي مارع والباب، بهدف اقتحام مواقع في بلدة كلجبرين.
وسيطر “الجيش” أمس على العديد من القرى منها: البوزانية، شعينة، والصابونية، والضاهرية على محور الغندورة. وأدت هذه الاشتباكات إلى إغلاق عدة مدارس في المنطقة، وأغلب الطرقات التي تربط بين المدن والبلدات والقرى في شمال وشمال شرقي حلب.
من جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الانسان، أنه وثّق مقتل 11 عنصراً جراء الاشتباكات العنيفة، مشيراً إلى أن بلدات صوران واحتيملات ودابق شهدت نزوح مئات المدنيين إلى الأراضي الزراعية، وسط اشتباكات عنيفة وانقطاع الطرقات من إعزاز إلى جرابلس.
وتأتي هذه الاشتباكات بعد مناوشات بين الطرفين بدأت قبل أكثر من أسبوعين، لم يستطع “الجيش الوطني السوري” حسمها لمصلحته، بينما لم يتدخل الجيش التركي الموجود في المنطقة في الاقتتال الدائر.
هشام اسكيف: العملية لضبط الأمن والمجموعات المنشقة غير المنضبطة
وأصدر مكتب العلاقات العامة في “الفيلق الثاني” في “الجيش الوطني السوري” بياناً، أمس الثلاثاء، اتهم فيه “هيئة تحرير الشام” بمواصلة هجماتها بشكلٍ مباشر وغير مباشر على منطقتي “درع الفرات” (ريف حلب الشمالي) و”غصن الزيتون” (عفرين وريفها)، لـ”إثارة الفوضى والفتنة والقتال البيني متذرعة بجملة لا تنتهي من الذرائع المكشوفة”.
وأشار إلى أن “الهيئة استغلت وجود مجموعات منشقة عن الجيش الوطني السوري في منطقتي الباب وجرابلس، لتنفيذ عمليات أمنية كالخطف والاغتيال أو عمليات عسكرية كالهجوم على نقاط الرباط والمنافذ التجارية والإنسانية ومقار الجيش”.
وبيّن المكتب أن هدفه من العملية التي بدأها “الجيش الوطني السوري” أمس الثلاثاء هو “ضبط الأمن والحدود وتأمين عمل الإدارات الأمنية والمدنية، ومنع العبث بأمن المواطنين أو تضييق سبل عيشهم، عبر سياسة الاحتكار والنهب الممنهج لصالح الأجهزة الأمنية والشركات الاحتكارية في تنظيم هيئة تحرير الشام”.
وفي السياق، أكد عضو مكتب العلاقات العامة في “الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني السوري”، هشام اسكيف، في حديث مع “العربي الجديد”، أن العملية “لضبط الأمن والمجموعات المنشقة غير المنضبطة”.
وأشار إلى أن “هذه المجموعات تتبع وتأتمر بأمر هيئة تحرير الشام”، مضيفاً: “ليس لدينا شك بأن هذه المجموعات سبب مهم من أسباب عدم انضباط الأمن في ريف حلب الشمالي، لأنها تسعى بشكل مستمر لخلق الفوضى وافتعال الأحداث والكثير من الأمور التي كانت تحدث ليست بعيدة عنها”. ويُتهم “تجمع الشهباء”، الذي يضم “حركة أحرار الشام – القطاع الشرقي”، و”لواء التوحيد”، ومجموعات في “حركة نور الدين الزنكي”، إلى جانب “الفرقة 50″، بالولاء لـ”هيئة تحرير الشام”.
وائل علوان: هيئة تحرير الشام تريد الحصول على مكاسب مادية عبر السيطرة على معبر الحمران
وتشير الوقائع إلى أن السيطرة على معبر الحمران الذي يربط منطقة سيطرة “الجيش الوطني السوري”، مع مناطق سيطرة “قسد”، وتمر من خلاله المحروقات من الشمال الشرقي من سورية إلى شمالها وشمالها الغربي، وهو أساس الصراع الدائر في ريف حلب الشمالي والمرشح للاتساع.
ويدر هذا المعبر المهم ملايين الدولارات على الجهة التي تتحكم به من جانب مناطق فصائل المعارضة السورية، ولطالما شهد ريف حلب الشمالي صراعات من أجل السيطرة عليه.
وكان “تجمع الشهباء” وافق في مارس/آذار الماضي على تسليم عائدات معبر الحمران المالية إلى وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، لنزع فتيل اقتتال دموي بعد ان سيطر فصيل “أحرار الشام – القاطع الشرقي” على هذا المعبر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
إلى ذلك، أدى الاقتتال الدائر إلى ارتفاع أسعار المحروقات والفحم الحجري المخصّص للتدفئة إلى مستويات غير مسبوقة، في شمال غربي سورية. وبيّنت مصادر محلية أن سعر الطن الواحد من الفحم الحجري المخصّص للتدفئة ارتفع أكثر من 50 دولاراً، وأصبح الطن الواحد بـ185 دولاراً، بعد أن كان بـ130 دولاراً.
صراع على النفوذ
ووضع الباحث في مركز “جسور” للدراسات وائل علوان الصراع الدائر في ريف حلب في سياق “الصراع على مناطق نفوذ استراتيجية”، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”: “هيئة تحرير الشام تريد الحصول على مكاسب مادية عبر السيطرة على معبر الحمران”.
وتابع بالقول: “الهيئة أيضاً تريد أن يكون لها خطوط تماس مباشرة مع قوات سوريا الديمقراطية لتفرض نفسها لاعباً أساسياً في أي استحقاقات عسكرية شمالي حلب وفي شرق الفرات، وتعزز بذلك أوراقها التفاوضية على المستويين الداخلي والخارجي”.
وأوضح علوان أن لدى الهيئة في ريف حلب الشمالي أوراق قوة ونقاط ضعف، مضيفاً: “لديها حلفاء في مناطق سيطرة الجيش الوطني وقوات تابعة لها كانت أدخلتها أخيراً تحت ذريعة مساندة العشائر ضد قوات قسد”.
وأوضح أن الهيئة “تستثمر في الخلافات داخل فصائل الجيش الوطني”، مضيفاً: “هذه فرص تجيد الهيئة استغلالها، خصوصاً أنه ليس هناك مشروع وطني تجتمع عليه هذه الفصائل في مقابل مشروع الهيئة”. ولكن علوان أشار إلى أن الهيئة “تواجه رفض الجيش التركي المنتشر في ريف حلب أي تمدد لها في ريف حلب الشمالي”.