تتصاعد الأصوات الداخلية والدولية المتمسّكة ببقاء حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة في ليبيا لسنتين إضافيتين، وذلك حتّى تجاوز مرحلة الانقسام السياسي القائمة بين شرق ليبيا وغربها، واستكمال المسار بإجراء انتخابات شاملة تجمع الليبيين تحت مظلّة حكومة موحّدة.
طرابلس – بات من شبه المؤكد أن حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها ستستمر في إدارة شؤون الحكم من العاصمة طرابلس حتى العام 2025، وهو ما تفسّره أوساط سياسية بالتطورات المحلية والإقليمية، وبوجود توافق بين الفرقاء الأساسيين على إبقاء الأوضاع على ما هي عليه إلى حين تحقيق الظروف الملائمة لتجاوز المراحل الانتقالية في اتجاه سلطة منتخبة من الشعب وقادرة على ضمان الاستقرار العام من خلال بسط نفوذها على كامل مناطق البلاد.
وقالت مصادر مطلعة لـ”العرب” إن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفّي يدفع بمقترح الإبقاء على حكومة الوحدة لمدة عامين قادمين، وأن هذا المقترح يجد دعما دوليا وخاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول العربية المؤثرة في المشهد الليبي.
وأضافت المصادر أن رئيس مجلس الدولة الاستشاري محمد تكالة تقدم بدوره بمقترح في هذا الاتجاه مع العمل على إجراء تعديل وزاري.
هناك توافقات جدية بين رئاسة حكومة طرابلس والقيادة العامة للجيش في بنغازي على تأجيل الانتخابات
وتابعت أن تكالة نقل هذا المقترح عن السلطات التركية على إثر زيارته الأخيرة إلى أنقرة، وأن هناك توجها لإجراء مشاورات من أجل تنظيم انتخابات برلمانية في الربع الأخير من 2024 وتأجيل الانتخابات الرئاسية إلى ربيع أو خريف 2025.
وبحسب ذات المصادر، فإن تكالة يسعى إلى عقد اجتماع مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بالعاصمة المغربية الرباط للنظر في إمكانية إدخال تعديلات على الحكومة المنتهية ولايتها ومنحها فرصة الاستمرار في أداء مهامها إلى العام 2025.
ورجح مراقبون محليون أن يكون القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر قد تطرق إلى هذا المقترح خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو، لاسيما أن ابنه صدام حفتر كان قد تباحث في نفس الموضوع مع المستشار السياسي لحكومة الوحدة إبراهيم الدبيبة خلال اللقاءات التي جمعت بينهما مؤخرا.
وبحسب المراقبين، فإن الموضوع كان مطروحا بقوة على الساحة السياسية، ولكن في إطار ضيق، ووجد مبررات اجتماعية وإنسانية مهمة بعد فاجعة 11 سبتمبر الماضي التي ضربت مدينة درنة بسبب انهيار السدين الرئيسيين وفيضان السيول الذي جرف الآلاف من السكان المحليين وتسبب في خسائر مادية غير مسبوقة.
وكان عضو مجلس النواب حمد البنداق أكد أن “حكومة الدبيبة تسعى للبقاء حتى 2025″، وأضاف أن “ذلك في ظل عدم إمكانية إجراء الانتخابات أو إجراء تغيير سياسي خلال هذه الفترة”، مردفا أن “الانتخابات لن يتم إجراؤها حتى يتم جمع السلاح وتشكيل حكومة واحدة تشرف على الانتخابات وتوحيد المؤسسة العسكرية”.
ويجد الإبقاء على حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة لمدة عامين آخرين دعما من عدد من القوى الغربية الفاعلة كواشنطن وباريس، وذلك نتيجة التحولات السياسية المهمة التي تشهدها منطقة الساحل والصحراء وخاصة في ظل استمرار الصراع المسلح في السودان، وانقلاب النيجر، وتمدد النفوذ الروسي في المنطقة، حيث تخشى تلك القوى أن تنعكس التحولات الإقليمية على نتائج الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة في ليبيا، لاسيما أن لموسكو حلفاء جديين ينافسون على خوضها والفوز بها.
ويجمع المتابعون للشأن الليبي على وجود توافقات جدية بين رئاسة حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس والقيادة العامة للجيش الوطني في بنغازي على تأجيل الاستحقاقات الانتخابية إلى أجل غير مسمى، حيث أن كل طرف منهما يشعر بالارتياح للوضع الحالي طالما أنه يمارس سلطته في محيطه ويحصل على نصيبه من إيرادات النفط والغاز.
وكان الدبيبة أكد في أغسطس الماضي خلال اجتماع لمجلس الوزراء أنه “لن تكون هناك مرحلة انتقالية جديدة، ولا حكومات موازية، لدينا هدف واحد ومحطة واحدة عنوانها الانتخابات، ونحن مستمرون في مهمتنا الوطنية حتى الوصول إلى الهدف المنشود”، مشيرا إلى أن “القوة القاهرة التي أفشلت الانتخابات في عام 2021 هي القوانين غير القابلة للتنفيذ”، وفق تقديره.
ورغم وجود تيارات معارضة لحكومته بالمنطقة الغربية، إلا أن الدبيبة نجح في ضمان ولاءات مهمة وخاصة من الميليشيات المسلحة المسيطرة على الأرض، وفي استبعاد عدد من خصومه السياسيين، أبرزهم القيادي الإخواني خالد المشري الذي أطيح به من رئاسة مجلس الدولة بالتوافق المباشر مع حزب العدالة والبناء الذي يمثل الجناح السياسي لجماعة الإخوان في ليبيا، وجيء ببديل عنه وهو القيادي الإخواني كذلك تكالة الذي يعد اليوم من أهم المنادين بالإبقاء على حكومة الوحدة إلى العام 2025.
ويرى محللون أن الدبيبة تجاوز خلال الشهرين الماضيين امتحانين مهمين، وهما قضية “التطبيع” بعد الكشف في أغسطس عن لقاء وزيرة الخارجية آنذاك نجلاء المنقوش مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين في روما، وكارثة درنة والجبل الأخضر التي ردتها التحقيقات الأولية إلى سياسات الإهمال والتقصير المعتمدة من قبل السلطات الحكومية، وهو ما يساعده على الاستمرار في الحكم، فيما لا يخفي مناصروه قناعتهم بأنه باق في مكتبه، وأن كل المؤشرات تدل على ذلك، وتنفي بالمقابل وجود أي إمكانية سواء لتشكيل حكومة جديدة كما اقترحت لجنة “6+6″، أو لتنظيم انتخابات برلمانية في أوائل العام 2024.
العرب