مستوى جديد من التصعيد بين تونس والاتحاد الأوروبي: سنكشف الحقائق

مستوى جديد من التصعيد بين تونس والاتحاد الأوروبي: سنكشف الحقائق

تونس – دفع وزير الخارجية التونسي نبيل عمار بالتصعيد مع الاتحاد الأوروبي إلى مستوى جديد بإعلانه عن إرجاع أموال أوروبية كانت قد منحت لتونس على دورها في مكافحة الهجرة غير النظامية، ملوّحا بكشف الحقائق ردّا على تسريب الأوروبيين تفاصيل الاتفاق بين البلدين.

وقال الوزير “ردَدْنا إليهم أموالهم وقلنا لهم حذار من مواصلة التمويه ونشر الوثائق المسربة فإننا إذا عدتم عدنا لكم بكشف المزيد من الحقائق التي ليست في مصلحتكم”.

ويظهر كلام عمار أن ردّ فعل تونس المتمثل في إعادة الأموال الأوروبية لا يتعلق فقط بأن الرقم “هزيل” ولا دور له في تحسين الوضع المالي للبلاد، وإنما هناك أيضا نقاط خلاف تتعلق أساسا بأسلوب التعامل مع تونس والضغط عليها بتسريب وثائق ذات صلة بالاتفاق أو اتفاقات سابقة حول استعادة المهاجرين التونسيين الذين لم يسوّوا وضعياتهم القانونية.

ويرى مراقبون أن التلويح بكشف “المزيد من الحقائق” يؤكد أن تونس بدورها تمتلك وثائق ترد بها على التسريبات وتواجه بها الحملة التي توظف مواضيع حقوق الإنسان في الضغط عليها وإجبارها على تنفيذ خطط تتناقض مع مصالحها مثل عروض التوطين مقابل الدعم المالي.

وجاء رفض العرض المالي بعد حملة أوروبية مزدوجة على تونس بشأن ملف المهاجرين غير النظاميين، وجمعت بين اتهامات دبلوماسية بالتقصير في التصدي لمهربي البشر، وأخرى حقوقية تتهمها باستهداف المهاجرين والدفع بهم إلى الحدود مع ليبيا والجزائر في ظروف صعبة، معتمدة تقارير غير موضوعية لإدانة الموقف الرسمي التونسي.

ووقعت تونس مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي في منتصف يوليو الماضي تشمل تمويلات بأكثر من مليار يورو على المدى الطويل لمكافحة موجات الهجرة غير النظامية وإنعاش الاقتصاد ودفع عملية التنمية، من بينها 150 مليون يورو لدعم موازنة الدولة و100 مليون يورو لخفر السواحل.

وفي سبتمبر الماضي أعلنت المفوضية الأوروبية عن تمويل طارئ بقيمة 127 مليون يورو موجهة إلى تونس ضمن خطة أوسع لمجابهة الوضع في لامبيدوزا الإيطالية بسبب تدفقات المهاجرين.

واحتجت تونس ضد البطء في الإيفاء بالتعهدات المالية، وحذر عمار مما سماه “ممارسة التمويه والتضليل” من قبل مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

وقال المحلل السياسي التونسي نبيل الرابحي إن “هناك مغالطة من الاتحاد الأوروبي بخصوص الـ60 مليون يورو، وهو مبلغ أرسلته أوروبا ضمن مخطط التصدي لجائحة كورونا ومتفق عليه سابقا من الطرفين، لكن تزامنا مع توقيع مذكرة التفاهم بشأن الهجرة تم تحويل هذا المبلغ”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الاتحاد الأوروبي ليس وحدة سياسية متماسكة كما يصوّر لنا، وكل دولة تدافع عن مصالحها؛ فمثلا إيطاليا تدافع عن تونس لأنها أكبر دولة متضررة من ظاهرة الهجرة غير النظامية، بينما هناك تلكؤ من قبل فرنسا وألمانيا”.

وأوضح الرابحي أن “تونس اليوم استعادت سيادتها وقراراتها الوطنية، وإما أن تكون هناك صداقات شراكة واضحة أو لا، ونحن لسنا حراس حدود، بل حراس لأنفسنا”.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد أعلن بدوره قبل أيام أنه يرفض العرض المالي الزهيد (60 مليون يورو لدعم موازنة الدولة) الذي قال الاتحاد الأوروبي إنه سيحوله إلى تونس، في خطوة تظهر أن قيس سعيد غير راض عن تعامل الأوروبيين مع بلاده، وأن موضوع العرض المالي ليس هو المشكلة الوحيدة وإنما يخفي خلافات أكبر بين الطرفين.

ويتضمن إعلان قيس سعيد عن رفض العرض المالي الأولي رسالة مفادها أنه ليس في موقف ضُعْف، وأن الأزمة المالية التي تعيشها البلاد لا تعني التنازل أو القبول بالأمر الواقع، لكن دون التخلي عن اتفاق الشراكة الشاملة، أو التراجع عن التزامات تونس في مواجهة مهربي البشر.

وقال وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي السابق فوزي بن عبدالرحمن إن “هناك مقادير مالية في مذكرة التفاهم وهي عبارة عن نوايا وتحتاج إلى عمل مشترك بين تونس والاتحاد الأوروبي”.

ودعا في تصريح لـ”العرب” إلى “ضرورة معالجة أزمة الهجرة غير النظامية في أسبابها العميقة، بالمشاركة مع دولتيْ الجوار ليبيا والجزائر”.

وكان من المقرر أن يزور وفد من المفوضية الأوروبية تونس لمناقشة بنود المذكرة لكن الرئيس سعيد طلب من وزارة الخارجية إبلاغ الجانب الأوروبي بتأجيل الزيارة، وهو ما يؤشر على برود العلاقة بين الطرفين.

وأشار وزير الداخلية التونسي كمال الفقي، في فيديو نشر على صفحة وزارته في فيسبوك، إلى أن قيس سعيّد “طلب التأجيل من أجل تدارس النقاط التي يجب التفاوض حولها في شأن الاتفاق”.

ولئن استبعد الفقي وجود “خلاف” مع الاتحاد الأوروبي في هذا الملف، فقد شدد على أن هذا “الاتفاق حديث.. ولم يرَ النور بعد”.

وفي منتصف سبتمبر الماضي منعت تونس وفدا من البرلمان الأوروبي من دخول أراضيها، في موقف يظهر أن الرئيس التونسي يرفض بشكل قاطع التدخل الخارجي في مسألة حقوق الإنسان ويعتبره تدخلا يمسّ بالسيادة الوطنية سواء أكان من الوفود السياسية والبرلمانية أم من الجمعيات الحقوقية.

وما أثار غضب التونسيين أن الوفد أوحى، في تصريح أدلى به أحد أعضائه، بأن الزيارة التي تتيح الاتصال بالجمعيات والسياسيين والنقابيين هي جزء من اتفاق الشراكة الذي تم توقيعه مؤخرا بين تونس والاتحاد الأوروبي.

وكان من المقرر أن يتوجّه هذا الوفد المؤلف من خمسة نواب، بينهم ثلاثة فرنسيين، إلى تونس العاصمة “لفهم الوضع السياسي الحالي بشكل أفضل” وتقييمه بعد توقيع الاتفاق.

وقال الفقي إن هذا الوفد “لا يمثل البرلمان الأوروبي. هم أربعة نواب يعملون بشكل مستقل انخرطوا في الحملة الموجهة ضد السلطات التونسية”.

وشدّد وزير الداخلية التونسي على أن النواب الأربعة “غير مرغوب في وجودهم على الأراضي التونسية”.

العرب