تكثف بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من جهودها للوصول إلى حلول توافقية وقابلة للتطبيق بين الفرقاء الليبيين لضمان إجراء انتخابات طال انتظارها، فضلا عن تشكيل حكومة موحدة، وسط توجه أممي إلى إقناع البرلمان ومجلس الدولة بالاجتماع مجددا لبحث نقاط الخلاف بين الطرفين حول قانونيْ الانتخابات.
طرابلس – تتجه ليبيا نحو حوار سياسي جديد، بينما يحتدم الجدل حول ملف الانتخابات المرتقبة بعد مصادقة مجلس النواب في الثاني من أكتوبر الجاري على قانوني الاستحقاقين التشريعي والرئاسي الصادرين عن اللجنة المشتركة 6+6 في السادس من يونيو الماضي، لاسيما في ظل استمرار الخلاف مع مجلس الدولة، وظهور مؤشرات على أنه لا آفاق واضحة لأي توافق على تشكيل حكومة كفاءات مصغرة ومؤقتة تبسط نفوذها على مختلف مناطق البلاد وتتولى إدارة الشأن العام في ما تبقى من المرحلة الانتقالية والإشراف على تنظيم المواعيد الانتخابية.
وأعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الانتهاء من المراجعة الفنية للقوانين الانتخابية الليبية، ودعت إلى تسوية سياسية للقضايا الخلافية المتبقية، وهو ما يفتح باب التأويلات باتجاه العمل عل تنظيم حوار سياسي جديد يضاف إلى سلسلة المسارات المتعددة التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية.
وأكدت البعثة في بيان لها، الخميس، على أهمية التزام جميع الأطراف، وخاصة القادة الرئيسيين، بحسن النية، كما أشارت إلى وجود قضايا خلافية تحتاج إلى تسوية سياسية، مثل إجبارية جولة ثانية للانتخابات الرئاسية والارتباط بين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، مؤكدة أن هذه القضايا تتطلب تسوية وطنية وحوارا بنّاء، مشجعة القادة السياسيين والعسكريين والأمنيين على تحمل مسؤولياتهم لضمان أن يستفيد جميع الليبيين من حقوقهم السياسية وأن تنتهي الترتيبات الانتقالية من خلال انتخابات وطنية سلمية، وأن الشعب الليبي يستحق الاستقرار والتقدم، والدعم الدولي مهم لتحقيق الهدف، وفق نص البيان.
وبحسب مراقبين ليبيين، فإن المبعوث الأممي عبدالله باتيلي وجه رسالة سلبية خلال لقائه الأربعاء، مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، ونائبيه موسى الكوني وعبدالله اللافي من خلال دعوته “جميع القادة الليبيين إلى إيجاد حلول وسط، والاتفاق على القضايا الخلافية المتبقية المتعلقة بإجراء انتخابات شاملة وسلمية تمهد الطريق لاستقرار وازدهار دائمين”، وهو ما يشير بوضوح إلى أن موضوع الانتخابات لا يزال بحاجة إلى مفاوضات ومشاورات ووساطات واجتماعات من أجل توافقات قد تجيء وقد لا تجيء.
ويرى المراقبون أن ما ورد على لسان باتيلي ليس جديدا، وإنما هو جزء من مخطط تديره قوى داخلية وخارجية بهدف الدفع بالانتخابات إلى أجل غير مسمى، ومنع الناخبين الليبيين من الاتجاه نحو صناديق الاقتراع لاختيار من يرونهم صالحين لقيادة البلاد نحو الأمن والاستقرار واستعادة وحدتها وسيادتها وقدرتها على تحصين قرارها الوطني وتأمين مقدراتها، إذ يبدو واضحا أن المستفيدين من الوضع الحالي لا يزالون في حاجة إلى المزيد من الوقت للبقاء في السلطة والاستفادة من الامتيازات وعقد الصفقات مع أطراف إقليمية ودولية تسعى بدورها لضمان انتخابات مأمونة النتائج ولا تفاجئ هذا الطرف أو ذاك بفوز أطراف مناهضة لمصالحها في بلد يراهن الكثيرون على استغلال ثرواته الطائلة وموقعه الإستراتيجي المهم.
وكان باتيلي أكد الأسبوع الماضي في خطاب توجه به إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أن العملية الانتخابية تشكل جوهر ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وأشار إلى أنها ينبغي أن تستند إلى قوانين انتخابية قابلة للتنفيذ، مردفا أن الأمر اليوم بات ملحا للغاية، وأكثر من أي وقت مضى، بأن يتكاتف القادة الليبيون من أجل التوصل إلى تسويات سياسية بشأن القضايا الانتخابية وغيرها من القضايا الآنية والاتفاق على خارطة طريق قابلة للتطبيق لتعزيز وحدة ليبيا وسيادتها وازدهارها وبالتالي الاستجابة للدعوات المشروعة للشعب الليبي.
وشددت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على ضرورة أن تكون تلك الحلول توافقية وقابلة للتطبيق بهدف ضمان إجراء عملية انتخابية سلسة، وإحلال سلام واستقرار مستدامين في ليبيا، وعبرت عن التزامها بالعمل مع كافة الأطراف الليبية من أجل التوصل إلى حلول وسط، بما في ذلك حول تشكيل حكومة موحدة، مشيرة إلى أنها ستجري بالتشاور مع الجهات الرئيسة ذات الصلة قراءة للقوانين الانتخابية بهدف تقييم مدى قابليتها للتطبيق، وستشارك نتائج المراجعة مع عموم الليبيين.
ويتهم المؤيدون لمجلس النواب المبعوث الأممي بالعمل على عرقلة الاستحقاقات الانتخابية، وبالدوران في فلك طريق السكة حيث مكتب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة الذي شدد في مناسبات عدة على أنه لن يترك منصبه إلا لحكومة منتخبة، وهو ما يشير بوضوح إلى أن البند الوارد في اتفاق لجنة 6+6 حول تشكيل حكومة جديدة لن يتحقق على أرض الوقع، كما أن خطوات صالح وفريقه التي تهدف إلى تنفيذ ذلك البند تبدو وكأنها تسير نحو الفراغ.
ورجحت أطراف ليبية أن يعود باتيلي إلى مبادرته التي أعلن عنها في فبراير الماضي، عندما اقترح تشكيل لجنة توجيهية رفيعة المستوى لليبيا، تهدف إلى جمع كل الجهات الليبية الفاعلة بما فيها ممثلو مؤسسات سياسية وشخصيات سياسية مهمة وزعماء قبائل ومنظمات من المجتمع المدني وجهات أمنية ونساء وشباب.
وقد خاطب عضو مجلس النواب الليبي علي التكبالي كل ناخب ليبي يشعر بالظمأ للحظة الاستحقاق، بالقول “لن تبلغ البئر يا عطشان. باتيلي يتكلم بعد إصدار القوانين الانتخابية عن توافق عام ليبقى الدبيبة في المشهد، كلهم مثل بعض، وبعد أن وعينا الحياة عرفنا أن الساسة الأجانب يخافون حتى الاقتراب من الحقيقة”، وفق تعبيره.
ومن جانبه انتقد عضو مجلس الدولة الاستشاري سعد بن شرادة أداء البعثة الأممية في ليبيا والدول المتداخلة وموقفها من الحل، معتبرا أنها لا تريد انتخابات ولا ترغب في استقرار ليبيا، وهو ما بات مطروحا على أكثر من صعيد في الداخل الليبي، حيث بات هناك اعتقاد سائد بأن المبعوثين الدوليين أثبتوا دائما أنهم ينفذون أجندات الدول الكبرى ويلعبون على توازنات القوى الداخلية المؤثرة، وأن ما يهمهم هو إدامة الأوضاع على ما هي عليه إلى حين توفر الظروف التي تلائم أصحاب المصالح.
وأوضحت أوساط ليبية مطلعة لـ”العرب” أن “باتيلي يتجه إلى إقناع رئيسي مجلسي النواب والدولة بالاجتماع من جديد في القاهرة أو الرباط لبحث نقاط الخلاف بين الطرفين حول قانوني انتخاب رئيس الدولة ومجلس الأمة”.
وأضافت أن “أغلب الفاعلين الأساسيين في طرابلس غير مهتمين بالخطوات التي قطعها مجلس النواب وخاصة من حيث المصادقة على القانونين، وغير مستعدين لمناقشة مشروع تشكيل حكومة جديدة، وقد نقلوا الموقف إلى المبعوث الأممي وسفراء الدول الغربية بالخصوص، وقد حاول رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الإشارة إلى ذلك خلال لقائه المبعوث الأميركي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند والوفد المرافق له عندما تحدث عن حرص المجلس على الوصول إلى تسوية سياسية شاملة تفضي إلى انتخابات يرضى بنتائجها الجميع”.
◙ مصادر أكدت لـ”العرب” أن أغلب الفاعلين الأساسيين في طرابلس غير مهتمين بالخطوات التي قطعها مجلس النواب
وفي السياق، أبرز رئيس مجلس الدولة الاستشاري والقيادي الإخواني ضرورة الوصول إلى قوانين انتخابية تساهم في استقرار البلاد بدل الانزلاق في صراعات مسلحة، وفق تقديره، في إشارة واضحة إلى تبنيه خيارات تيار الإسلام السياسي القريب من رئيس دار إفتاء طرابلس الصادق الغرياني وأمراء الحرب وقادة الميليشيات وثوار فبراير المتشددين الذين يرفضون السماح بتمرير أي قانون يتيح لقائد الجيش المشير خليفة حفتر وممثل النظام السابق سيف الإسلام القذافي بالترشح للاستحقاق الرئاسي.
وكانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أعربت عن تطلعها إلى توافق الأطراف السياسية على استكمال متطلبات إنجاز العملية الانتخابية وتمهيد الطريق أمام المفوضية لتحمل مسؤولياتها في الجاهزية الفنية العالية التي تتمتع بها للبدء في وضع القوانين الانتخابية موضع التنفيذ، وأكدت أنها لا تخضع أو تتبع أو تمثل أي سلطة سياسية كانت، ولا شأن لها بالتجاذبات السياسية الدائرة بين أطرافها، وذلك في إشارة إلى الأصوات التي ارتفعت مؤخرا بعبارات تنتقد من خلالها مصادقة مجلس النواب على قانوني الانتخابات.
بدورها أكدت اللجنة المشتركة مع مجلس الدولة 6+6 أن القوانين التي صادق عليها البرلمان هي النهائية التي أجرت عليها بعض التعديلات ووقعت عليها بنصاب قانوني، وبذلك تصبح نافذة، وأضافت أن التعديلات التي أجريت على النسخة المعتمدة في اتفاق أبوزنيقة بالمغرب “لم تمس جوهر الاتفاق، ولا الأساس الذي بنيت عليه”.
وفي محاولتها تفسير الدوافع الأساسية لإقرار مبدأ إلزامية تشكيل حكومة جديدة، لاحظت اللجنة أن الشرط نفسه موجود باتفاق جنيف في صورة تعهد أدبي لم يتم الالتزام به، حتى لا تكون ميزة لمرشح عن آخر، ولمنع استغلال موارد الدولة لدعم أي مرشح دون غيره.
وبذلك، تجد لجنة 6+6 نفسها في صف مجلس النواب وبعض أعضاء مجلس الدولة والأحزاب والناشطين في مواجهة السلطات التنفيذية في طرابلس الممثلة في المجلس الرئاسي والحكومة ورئيس مجلس الدولة والمقربين منه والبعثة الأممية ومن يقفون معها على طريق الدعوة إلى حوار جديد سيحتاج إلى لجان أخرى وبرؤية مختلفة سيكون من أولوياتها ضمان استمرار الوضع الحالي إلى 2025 على الأقل.
العرب