شكلت الأنباء الواردة عن خلو البلوك رقم تسعة من الغاز صدمة كبيرة في لبنان، حيث كانت هناك رهانات كبرى على اكتشاف احتياطات مهمة في هذه الرقعة، ويرى محللون أن تبخر الرهانات قد يولد المزيد من التوتر في بلد يعاني من وطأة أزمات مركبة.
بيروت – تشعر الطبقة السياسية في لبنان بالصدمة حيال الأنباء الواردة عن عدم العثور على غاز في بلوك تسعة، وهي التي كانت تتنظر الكشف عن احتياطات ضخمة تعزز من خلالها خزائنها.
وقال مصدر مطلع لوكالة رويترز، الجمعة، إنه لم يتم العثور على غاز بعد عمليات الحفر في بلوك 9 جنوب لبنان، ليعزز بذلك ما تم تداوله من قبل وسائل إعلام لبنانية في اليومين الأخيرين، بشأن توقّف شركة “توتال إنرجيز” الفرنسية عن عملية التنقيب في البلوك على عمق 3900 متر حيث لم تجد سوى الماء.
ويرى متابعون أن خلو البلوك من الغاز من شأنه أن يزيد من مضاعفة حدة التوتر في لبنان الذي يشهد أزمات مركبة في ظل صعوبات مالية وفراغ رئاسي مستمر منذ أشهر، ليزداد الوضع تعقيدا نتيجة الأجواء الملتهبة على الجبهة الجنوبية مع إسرائيل، والتي تثير الكثير من المخاوف من اتساع نطاقها الأمر الذي لن يكون لبنان قادرا على تحمل كلفته.
وحرصت القوى السياسية في لبنان طيلة الفترة الماضية على إدارة الصراع في ما بينها، دون أن تسمح للأمور بالخروج عن السيطرة، بانتظار ما ستسفر عنه عمليات التنقيب عن النفط والغاز في البلوك، لتقاسم الحصص في ما بينها.
ولم تصدر وزارة الطاقة والمياه اللبنانية أي توضيح حيال المعلومات الواردة، وكذلك الشركة المعنية، فيما سعى الثنائي الشيعي وبعض المحللين القريبين منهما إلى التشكيك في ما يروج مستدعين مثل كل مرة نظرية المؤامرة.
ويرى متابعون أن الحديث عن “مؤامرة” يبدو غير منطقي، وأن المشككين يستغلون توقيت التسريبات، في محاولة لإيهام الناس بأن هناك خديعة في الموضوع، ربطا بالأزمة المتفجرة في قطاع غزة.
عدم وجود احتياطات من الغاز في بلوك 9 يذكر بخيبة الأمل حيال خلو البلوك 4 من الغاز قبل سنوات ما دفع إلى إغلاقه
وقال النائب قاسم هاشم عضو كتلة “التنمية والتحرير” عن حركة أمل في منشور عبر منصّة إكس، إن “ما أثير حول البلوك 9 يبدو في إطار الضغط على لبنان والتهويل النفسي خاصة وأن الشركة أميركية (أي هاليبرتون المتعهدة لدى توتال)، وقبل الوصول إلى العمق المتفق عليه كانت الإشارة السلبية”، مشيراً إلى أن “المطلوب حفر بئر استكشاف أخرى بالبلوك ذاته وأكثر من ذلك ما دام الإسرائيلي وصل إلى الغاز في البلوك المحاذي فإن منطق الأمور يفترض أن يحتوي البلوك 9 على غاز”.
من جهته زعم الخبير الاقتصادي زياد ناصرالدين في منشور عبر منصّة إكس أن “لبنان يتعرّض في البلوك 9 لخديعة كبيرة، إذ قامت شركة هاليبرتون الأميركية، المتعهّدة لدى توتال، بوقف الحفر على عمق 3900 متر خلافاً للاتفاق الذي يقضي بأن يكون الحفر على عمق 4400 متر، والحجج التي يتذرّع بها لا تقنع أحدا”.
واعتبر ناصرالدين أن هناك “استخداما للغاز اللبناني كوسيلة ضغط لإنقاذ العدو الإسرائيلي، وتوتال معنية بالتوضيح وعدم المشاركة في المؤامرة، خاصة وأن المنطقة على حافة حرب ولبنان غير معنيّ بتوقّف العمل في حقل كاريش”، مضيفاً “الخديعة واضحة ومش مسموح تقطع”.
وجعلت معطيات عدة آمال اللبنانيين كبيرة في البلوك رقم 9، على اعتبار أن المنطقة التي يتم الحفر فيها “بِكر” ولم تتعرض للحفر سابقا، لذا فاحتمال إيجاد النفط أو الغاز من المرة الأولى فيها يتراوح بين 22 و27 في المئة.
وعزز إيجاد النفط في البلوكات المجاورة للبلوك رقم 9 في إسرائيل (كاريش) وقبرص (أفروديت)، الاحتمال بإيجاد كميات أيضا في البلوك اللبناني.
ويرى محللون أن عدم وجود غاز في بلوك 9 يذكر بخيبة الأمل حيال خلو البلوك 4 من الغاز قبل سنوات ما دفع إلى إغلاقه.
وقالت لوري هايتيان مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منشور عبر منصة إكس “بانتظار التصريح الرسمي من شركة توتال إنرجيز ووزارة الطاقة، يبقى السؤالان في حال لم يكن هناك غاز في البلوك رقم 9، ما مستقبل قطاع النفط والغاز في لبنان؟ وهل النتيجة السلبية قد تؤدي إلى الاستسهال بإعلان حرب والتصعيد الكامل؟”.
وبدا رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي متفائلا ببدء عملية التنقيب في البلوك، وذلك في كلمة له خلال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في العشرين من سبتمبر في نيويورك.
خلو البلوك من الغاز من شأنه أن يضاعف من حدة التوتر في لبنان الذي يشهد أزمات مركبة في ظل فراغ رئاسي مستمر منذ أشهر
وقال ميقاتي حينها “اسمحوا لي أن أسجّل ارتياح لبنان لبدء عملية التنقيب عن النفط والغاز في مياهه الإقليمية، ورغبته في لعب دورٍ بنّاءٍ مستقبلاً في مجالات الطاقة في حوض المتوسط”.
وفي أغسطس الماضي، أعلن وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني علي حمية وصول باخرة التنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9.
وقالت شركة توتال إنرجيز الفرنسية إن “البئر الاستكشافية ستسمح لنا بتقييم الموارد الهيدروكربونية، وإمكانات الإنتاج في هذه المنطقة”، مبدية تفاؤلها بوجود ثروات في حقل قانا في البلوك رقم 9.
وتعدّ الشركة الفرنسية المشغّل للرقعة رقم 9 في المياه اللبنانية مع حصّة 35 في المئة إلى جانب شريكتيها إيني الإيطالية 35 في المئة، وقطر للطاقة 30 في المئة.
ووقعت الحكومة اللبنانية عام 2018 عقودا مع تحالف توتال وإيني ونوفاتيك الروسية للتنقيب عن النفط في الرقعتين 4 و9، وذلك قبل أن تنسحب الأخيرة بفعل عقوبات أميركية وأوروبية على قطاع الطاقة الروسي، وانضمت إلى الكونسورتيوم قطر للطاقة في 29 يناير الماضي.
وكانت نتيجة أعمال حفر الآبار الاستكشافية كشفت أن الرقعة 4 خالية من الغاز، وتوقفت الأعمال فيها، في حين أرجئت الأعمال في الرقعة رقم 9 نتيجة النزاع اللبناني – الإسرائيلي، قبل أن يبدأ مسار التنقيب من جديد بعد توقيع الطرفين في 27 أكتوبر 2022 اتفاق ترسيم الحدود البحرية، بعد مفاوضات استمرت لأكثر من عامين برعاية أميركية.
ويقع لبنان ومعه قبرص وإسرائيل ومصر فوق حقل غاز شرق البحر المتوسط الذي تم اكتشافه عام 2009.
وبدأ لبنان الاهتمام بمسألة النفط والغاز منذ عهد الانتداب الفرنسي (1920 – 1943)، إلا أن النزاعات السياسية بين الأطراف اللبنانية المتنافسة وظروف الحرب الأهلية (1975 – 1990) وعدم الاستقرار السياسي حالت دون البدء بعملية التنقيب وتطوير القطاع.
العرب