وزراء الإعلام في الخليج يتمسكون بصورة أبوية للإعلام

وزراء الإعلام في الخليج يتمسكون بصورة أبوية للإعلام

يشير النقاش المتصاعد حول المحتوى المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي في لقاءات وزراء الإعلام الخليجيين إلى حجم المخاوف من الفوضى التي تسود الفضاء الإلكتروني، لكن نتائج النقاشات لا تفضي إلى حلول عملية تتناسب مع العصر واهتمامات الجيل الرقمي.

مسقط – برزت على طاولة النقاش خلال اجتماع وزراء إعلام دول مجلس التعاون الخليجي قضايا أثارت الجدل، حيث تم بحث “حث الأبناء على أهمية التمسّك بالأخلاق الحميدة”، في صورة أشبه بالوصاية الأبوية غير المتناسبة مع معايير عصر الإعلام والشبكات الاجتماعية.

وبدا لافتا اهتمام وكالة الأنباء العمانية بتناول الجانب “الأخلاقي” في الاجتماع، فيما ركزت وكالة الأنباء الإماراتية على مواكبة التغيرات العالمية المتسارعة التي تمر بها صناعة الإعلام.

واعتبر متابعون أن التطرق إلى مسألة “الأخلاقي” في صناعة تجاوزت حدود الرقابة وحارس البوابة والقيود الأبوية، يبدو انفصالا عن الواقع والجمهور، ففي حال فرض الوصاية الأبوية على وسائل الإعلام المحلية التي يمكن للحكومات السيطرة عليها، لن تجد من يتابعها من الجيل الجديد الذي ينفر من أي محاولة لتلقينه أصول “الأخلاق الحميدة” في عصر الانفتاح الرقمي.

وتعكس النمطية الأبوية رؤية تقليدية للدور الذي يجب أن يلعبه الإعلام في المجتمع كأداة لتعزيز القيم الاجتماعية والثقافية.

ويرى مراقبون أن التمسك بالصورة الأبوية للإعلام يأتي في إطار أوسع لتعزيز الاستقرار والتماسك الاجتماعي، خصوصاً في مواجهة التحديات المعاصرة مثل التطرف والانقسامات. ومع ذلك، يمكن أن تكون للنهج الأبوي تأثيرات سلبية على النقاش العام والحرية الفكرية.

ويؤكدون أنه من الضروري إعادة النظر في النهج الأبوي، خصوصًا في عصر تزايد الوعي بأهمية الحريات العامة. وإذا ما تم تحرير الإعلام وتوفير المزيد من المساحة للحرية الصحفية، ستتاح الفرصة لبناء مجتمعات أكثر شمولية ومرونة، قادرة على التعامل مع التحديات بفعالية أكبر.

وتناول وزراء الإعلام خلال اجتماعهم السادس والعشرين الذي ترأسه عن بعد وزير الإعلام العماني عبدالله بن ناصر الحراصي عددا من الموضوعات المدرجة على جدول الاجتماع، ومنها تطوير إستراتيجية للتوعية بالتعامل مع شبكات التواصل الإلكترونية، وتجنّب مخاطرها التي تؤثر على تربية النشء، وحثّ الأبناء على أهمية التمسّك بالأخلاق الحميدة والمحافظة على الترابط الأسري والهوية الحضارية.

وتطرق الاجتماع إلى ضرورة إيجاد ضوابط مشتركة لمحتوى الإعلام الإلكتروني والإعلانات الرقمية والتراخيص في وسائل التواصل الاجتماعي.

ويشير النقاش المتصاعد حول المواضيع المطروحة خلال اجتماع وزراء الإعلام في دول الخليج كما باقي دول المنطقة طيلة السنوات الماضية، إلى حجم المخاوف التي تبديها السلطات ممّا يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أنه رغم ترسانة التشريعات القانونية لمحاصرة المحتوى الذي تعتبره المجتمعات العربية مسيئا ويتنافى مع قيمها، إضافة إلى الأخبار الكاذبة والتضليل والشائعات، إلا أن هناك حلقة مفقودة مازال القائمون على الإعلام العربي يبحثون عنها للحد من صداع ما يتم تداوله على الشبكات الاجتماعية.

ويشير متابعون إلى أن القضية التي تشغل بال السلطات العربية تتصدر اجتماعات الوزراء العرب في كل مؤتمراتهم ونقاشاتهم الدورية دون أن تكون هناك مخرجات جديدة أو خطة عملية لتنظيم الواقع الافتراضي الخارج عن السيطرة.

ويضيفون أن النقاشات باتت أشبه بالواجب أو الالتزام المفروض على طاولة البحث الوزارية دون جديد في كل مرة، حيث لفت الانتباه عقد اجتماع وزراء الإعلام الخليجيين عن بعد دون لقاء مباشر، وهو ما كان ساريا في فترة الحظر الصحي بسبب موجة فايروس كورونا في السنوات الماضية، ويبدو أنهم استمروا بنفس الطريقة لأنهم لم يجدوا ما يدعوهم إلى اللقاء المباشر في ظل إعادة طرح نفس القضايا ونفس البيانات والحلول الشكلية التي لا تخرج عن إطار العموميات.

التمسك بالصورة الأبوية للإعلام يأتي في إطار أوسع لتعزيز الاستقرار والتماسك الاجتماعي، خصوصاً في مواجهة التحديات المعاصرة مثل التطرف والانقسامات

وكان مجلس وزراء الإعلام العرب في دورته الأخيرة التي عقدت في الرباط قد أقر الإستراتيجية العربية الموحدة للتعامل مع شركات الإعلام الدولية والتي أعدها الأردن الذي اتخذ خطوات قانونية مثيرة للجدل في ضبط مواقع التواصل.

وقرر المجلس تشكيل فريق فني عربي للتفاوض مع شركات الإعلام الدولية برئاسة الأردن وعضوية السعودية والإمارات ومصر والمغرب وتونس والعراق والأمانة الفنية لمجلس وزراء الإعلام العرب واتحاد إذاعات الدول العربية، لوضع خطة عمل وآلية تفاوضية معها.

وتتضمن الإستراتيجية التي حظيت بتأييد عربي في جميع اللجان التي ناقشتها وعرضت عليها، ورقة إستراتيجية وتصورا متكاملا، ومشروع قانون استرشادي عربي موحّد لتنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي وحماية وسائل الإعلام العربية وجمهور المستخدمين، بالإضافة إلى مشروع قانون استرشادي عربي لمنع خطاب الكراهية.

وتأخذ الإستراتيجية عند تطبيقها، وفقا لقرار مجلس وزراء الإعلام العرب، أولويات تطويرها وفقا للمستجدات ومتطلبات التحديث التي يشهدها قطاع الإعلام والاتصال وأدواته الحديثة، إلى جانب مراعاة اللوائح والقوانين الناظمة في الدول العربية، وبما يحقق قاعدة عربية متقاربة تشريعية وضريبية تساعد في حماية المحتوى العربي والمستخدمين العرب وتحقيق الربح الفائت لوسائل الإعلام العربية نتيجة استخدام المحتوى الخاص بها من قبل شركات الإعلام الدولية.

وتبدو التوصيات مثقلة بالمطالب والخطط النظرية العمومية مع غياب إستراتيجية تنفيذية واضحة محددة بخطوات يمكن تطبيقها في كل دولة على حدة.

هناك حلقة مفقودة مازال القائمون على الإعلام العربي يبحثون عنها للحد من صداع ما يتم تداوله على الشبكات الاجتماعية

ويطالب الوزراء بتفعيل دور بعثات دول مجلس التعاون في الخارج ورسم خطة إعلامية تمكّنها من القيام بالمهام المطلوبة منها في إبراز العمل الخليجي التكاملي، إضافة إلى فكرة إنشاء تطبيق مشترك لوكالات الأنباء في الدول الأعضاء يشمل مختلف خدماتها الإعلامية.

وأكد محمد سعيد الشحي الأمين العام لمجلس الإمارات للإعلام على أهمية مخرجات وتوصيات اجتماع وزراء الإعلام في تنفيذ توجهات قيادة دول مجلس التعاون لمواكبة التغيرات العالمية المتسارعة التي تمر بها صناعة الإعلام، وإحداث نقلة نوعية في الإعلام الخليجي بمختلف مجالاته والإسهام بشكل فاعل في المسيرة التنموية التي تشهدها دول المجلس.

وأوضح أن الاجتماع يمثل منصة تعزز العمل الإعلامي الخليجي المشترك، وتخدم مساعي التعاون بين الدول الأعضاء بما فيه تكامل الجهود في تطوير الإعلام الخليجي، وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات.

وناقش الاجتماع عدداً من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك في مجال العمل الإعلامي المشترك بين دول مجلس التعاون، وفي مقدمتها قرار المجلس الأعلى بشأن اعتماد الإطار العام للخطة الإستراتيجية للتعاون الإعلامي المشترك بين دول مجلس التعاون (2023 – 2030)، والتي تهدف إلى رسم أهداف طموحة تعرض التطلعات المشتركة لتحقيق رؤية إعلامية خليجية موحدة، وهي الخطة المرفوعة إلى المجلس الأعلى لقادة دول المجلس من الاجتماع السابق الخامس والعشرين.

وأشار الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي إلى أن المنصات الرقمية تحتاج إلى إيجاد ضوابط مشتركة لمحتوى الإعلام الإلكتروني والإعلانات الرقمية والتراخيص في وسائل التواصل الاجتماعي، كما بات من الضرورة تفعيل دور بعثات دول مجلس التعاون في الخارج، ورسم خطة إعلامية تمكن البعثات من القيام بالمهام المطلوبة منها في إبراز مسيرة العمل الخليجي والتكامل بين دول مجلس التعاون.

وأشار إلى فكرة إنشاء تطبيق مشترك للوكالات الأعضاء بحيث يشمل البث المباشر لمختلف القنوات الإذاعية والتلفزيونية وأرشيف الصور والفيديوهات الخاصة ومتابعة شبكات التواصل الاجتماعي بكل وكالة أنباء، إضافة إلى الأخبار التي تنشرها وكالات الأنباء في الدول الأعضاء.

العرب