واشنطن – يدرك الغرب بقيادة الولايات المتحدة أن أوكرانيا لن تخرج منتصرة من الحرب مع روسيا، ومع ذلك وقف ضد المحاولات المتكررة لإحلال السلام منذ الأيام الأولى من اندلاع القتال الذي أطلقته موسكو والذي ينظر إليه كقرار متهور من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وبات واضحاً منذ اندلاع الحرب أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تريد لها نهاية سريعة وسط تكهنات تزايدت وتيرتها مؤخرا بشأن استدراج واشنطن لموسكو للتورط في الحرب التي ستعيد للغرب بريقه وقوته.
ودون مقدمات، أصبحت الحرب في أوكرانيا بمثابة حبل النجاة لقوة عظمى بدأت تظهر عليها أعراض الشيخوخة؛ فالعنصرية والانقسام بين الجمهوريين والديمقراطيين والانسحاب المهين من أفغانستان وفقدان النفوذ في الشرق الأوسط واهتزاز ثقة الحلفاء والانكماش الاقتصادي وغيرها كثير، أمور شجعت الكثيرين على تحدي الهيمنة الأميركية وأصبح الحديث لا يتوقف عن أفول نجم الغرب.
رغم أن الشروط التي تم التفاوض عليها كانت ترضي أهداف أوكرانيا، فإنها لم ترض الأهداف الأميركية
وفي الأسابيع القليلة الأولى من الحرب كان السلام ما يزال ممكنا قبل الخسائر في الأرواح التي لا يمكن تصورها، وقبل تدمير البنية التحتية، وخسارة الأراضي في أوكرانيا، حسب ما يقول الكاتب الصحفي الأميركي تيد سنايدر.
وأضاف سنايدر في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنترست” الأميركية أن ذلك السلام كان ممكنا ثلاث مرات: المرة الأولى، في المحادثات التي جرت في بيلاروسيا، حيث أعلنت روسيا وأوكرانيا بعد ثلاثة أيام فقط من العملية العسكرية الروسية الخاصة إجراء المحادثات، والمرة الثانية في المحادثات التي قدم فيها الجانبان تنازلات كبيرة وتوسط فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت نفتالي بينيت، حيث ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن بينيت قام بزيارة مفاجئة إلى موسكو للقاء بوتين في محاولة للوساطة، والمرة الثالثة في المحادثات التي جرت في إسطنبول في مطلع أبريل العام الماضي والتي كانت أكثر المحادثات تفاؤلا، حيث جرت في ظل شعور الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي بالإحباط في ما يتعلق باحتمال قبول انضمام بلاده إلى الناتو.
وفي المرات الثلاث كان من الممكن إنهاء الحرب بشروط ترضي أوكرانيا. وفي المرات الثلاث كانت أوكرانيا على استعداد للتخلي عن طلب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو). وفي المرات الثلاث كانت واشنطن تعرقل المفاوضات.
هناك إدراكا مبكرا في الغرب السياسي بأن الحرب لن تنتهي بانتصار عسكري لأوكرانيا
ويضيف سنايدر المتخصص في الشؤون الأميركية أنه رغم أن الشروط التي تم التفاوض عليها كانت ترضي أهداف أوكرانيا، فإنها لم ترض الأهداف الأميركية. وطلبت الولايات المتحدة من أوكرانيا الاستمرار في القتال بدلا من التفاوض ووعدتها بتوفير الأسلحة، والتدريب، والمعلومات الاستخباراتية “طالما احتاج الأمر”. وحرب الأيام الثلاثة التي كان ربما يتم وضع نهاية لها في بيلاروسيا وحرب الأسبوع التي أسفرت عن اتفاق تم التوقيع عليه مبدئيا أصبحت حربا مدتها عام ونصف العام الآن.
وتقود الولايات المتحدة عملية دعم أوكرانيا سياسياً وعسكريا واقتصاديا وإنسانيا، وتعمل مع حلفائها على مواصلة الدعم السياسي للحكومة الأوكرانية عن طريق المنظمات الدولية والحلفاء والشركاء، للتأكيد على حقّها المشروع في الدفاع عن أراضيها، وتحديد خياراتها الأمنية وتحالفاتها الإقليمية والدولية.
وأوضح سنايدر وهو كاتب عمود في موقع “أنتي وار. كوم” الأميركي أن الولايات المتحدة دفعت أوكرانيا إلى القيام بهجوم مضاد كارثي، وهي تعلم أنها “لا تمتلك كل التدريب أو الأسلحة -ابتداء من القذائف إلى الطائرات الحربية- التي كانت تحتاجها لطرد القوات الروسية”. وبدلا من ذلك اعتمد مسؤولو الولايات المتحدة على “الشجاعة والبراعة الأوكرانيتين” و”تصوروا قبول كييف للخسائر في الأرواح”.
ويرى سنايدر أن هناك إدراكا مبكرا في الغرب السياسي بأن الحرب لن تنتهي بانتصار عسكري لأوكرانيا، وأنها لن تنتهي بتحقيق الأهداف الضرورية لإرغام روسيا على الانصياع للمطالب الأوكرانية الرئيسية على مائدة المفاوضات. لقد انقضى وقت طويل على اللحظة التي كان يمكن أن تكون فيها أوكرانيا في أفضل وضع “على أرض المعركة لتكون في أقوى وضع ممكن على مائدة المفاوضات”.
لقد كان من الممكن، لو تحقق السلام في إسطنبول، تجنب قتل وإصابة مئات الآلاف في أوكرانيا التي من المحتمل أن تضطر الآن إلى توقيع اتفاق بنفس الشروط -ولكن بصورة أسوأ- مما كان يمكنها توقيعه في إسطنبول.
وستظل أوكرانيا مضطرة إلى ضمان الحيادية، لكنها سوف تفعل ذلك بدون أجزاء من مناطق دونباس وخيرسون، وزابوريجيا على الأقل، التي كان من الممكن الاحتفاظ بها في ذلك الوقت.
ومنذ محادثات إسطنبول، عانت أوكرانيا من فقد عدد كبير من الأرواح وإصابة الكثيرين، وفقد أراض؛ فقط لتوقع اتفاقا كانت على استعداد لتوقيعه في بداية الحرب. تلك هي المأساة. فقد تم خوض كل الحرب لتنتهي بنفس الطريقة التي كان من الممكن أن تنتهي بها بعد أسابيع من الحرب، ولكن ستكون النهاية الأخيرة بشروط أسوأ تتعلق بالأراضي وفي ظل خسارة أكبر في الأرواح بصورة مروعة.
واختتم سنايدر تقريره بالقول إن بداية الحرب كانت خطأ روسيا، أما نهايتها فسوف تكون خطأ أميركيا.
العرب