إصرار سعودي على أن أزمة غزة يجب ألا تشل الحياة في المنطقة

إصرار سعودي على أن أزمة غزة يجب ألا تشل الحياة في المنطقة

الرياض – أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن تنظيم بلاده لبطولة كأس العالم للألعاب الإلكترونية اعتباراً من العام المقبل، في وقت يسيطر فيه التصعيد في غزة على اهتمام العالم، وخاصة منطقة الشرق الوسط، ما جعل هذا الإعلان يبدو خارج السياق.

وتظهر هذه الخطوة إصرار السعودية على اعتبار أن أزمة غزة يجب ألا تشل الحياة في المنطقة، وأن التعاطف مع الفلسطينيين والدعوة إلى وقف التصعيد العسكري الإسرائيلي في القطاع أمر مهم، لكنه لا يعني أن تتخلى السعودية عن مشاريعها وصفقاتها والسير في تنفيذ خططها الكبرى ضمن مسار رؤية 2030 ومن بينها تنظيم بطولة كأس العالم للألعاب الإلكترونية، والترشح لتنظيم مونديال كرة القدم في 2034.

ولا تريد السعودية أن تضع نفسها تحت ضغط الشعارات والوعود العاطفية والمزايدات، ما يجعل قرارها مرتبطا بمزاج الشارع أو بفئة من الإعلاميين أو المثقفين وضغط المجموعات المتشددة، ولأجل ذلك يتعامل المسؤولون السعوديون مع ما يجري في حدود التصريحات والبيانات دون شعبوية قد تؤثر على خياراتهم المستقبلية، خاصة في موضوع التطبيع مع إسرائيل.

السعودية لا تريد أن تضع نفسها تحت ضغط الشعارات والمزايدات السياسية، ما يجعل قرارها يرتبط بمزاج الشارع

ولئن توقفت الاتصالات مؤقتا بسبب انشغال إسرائيل بالحرب، ولرغبة السعودية في ألا تتأثر صورتها القيادية في المنطقة، فإن الرياض لم تعلن في موقف رسمي عن وقف مسار التطبيع كرد على التصعيد الإسرائيلي رغم أن بيانات وزارة الخارجية السعودية سعت لأن تكون أقرب إلى الفلسطينيين.

ولم تفسح المملكة الطريق للمظاهرات المناصرة للفلسطينيين، ولم تعلن عن وقف أي نوع من الأنشطة الثقافية أو الرياضية، مثلما فعلت دول عربية أخرى كانت قد ألغت مهرجانات ثقافية مثل مهرجان قرطاج السينمائي في تونس، أو أجلت مقابلات كرة القدم كما فعلت دول أخرى.

ويُفهم هذا الفصل ضمن مقاربة أشمل تقوم على سياسة “السعودية أوّلا”، بما تعنيه من حفاظ على مصالح المملكة وخططها وعلاقاتها كأولوية قصوى قبل أي مصالح أخرى حتى لو كانت ذات بعد قومي أو إسلامي أشمل، خاصة أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الفلسطينيون لهجمات إسرائيلية منذ الأربعينات إلى الآن، وقد تعايشوا معها في ظروف أشد مما يجري حاليا، كما تعايش معها العرب دون أن تتوقف حياتهم ومصالح دولهم عندها.

لكن مراقبين يرون أن البرود الذي تؤسس له سياسة “السعودية أولا” قد يؤثر سلبيا على منزلة المملكة القيادية ورمزيتها الدينية في المنطقة، وإن كان الأمر يتعلق بتوجه عربي وإسلامي أشمل يريد أن يتخلص من وقع الشعارات ويخرج من دائرة الحروب من أجل التفرغ للمستقبل، وهذا ما يفسر رغبة المملكة في وقف الحرب في اليمن، والخروج منها بأقل ما يمكن من الخسائر في أسرع وقت، وفتح قنوات التهدئة مع إيران على أمل تبريد جبهات التوتر بين البلدين.

ورغم إظهار الانحياز الواضح للفلسطينيين إلا أن توجه ولي العهد السعودي يعتقد في ضرورة الفصل بين الالتزام بدعم الفلسطينيين من جهة ومصالح المملكة من جهة أخرى، ومن بينها السير في تنفيذ المشاريع الاستثمارية العملاقة التي تربط بلاده بشركات عالمية ليس مهما أن تقف إلى جانب إسرائيل أو تقف على الحياد.

وقال الأمير محمد بن سلمان الاثنين في بيان “إن كأس العالم للرياضات الإلكترونية هي الخطوة الطبيعية التالية في رحلة السعودية كي تصبح المركز العالمي الأول للألعاب والرياضات الإلكترونية”.

والرياضة الإلكترونية جزء من خطة التحول التي وضعها ولي العهد، والمعروفة باسم “رؤية 2030″، والتي تضخ من خلالها الحكومة مئات المليارات من الدولارات لتنويع مصادر الدخل وتقليل اعتماد المملكة على النفط.

وأعلنت مجموعة سافي للألعاب الإلكترونية، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، في العام الماضي عزمها ضخ 142 مليار ريال (37.8 مليار دولار) في مبادرات لجعل المملكة مركزا عالميا للألعاب الإلكترونية.

وبموجب الخطة تسعى المملكة لتأسيس 250 شركة للألعاب محليا، ما يوفر 39000 فرصة عمل، ورفع مساهمة القطاع في إجمالي الناتج المحلي السعودي إلى 50 مليار ريال بحلول 2030.

ويريد المسؤولون السعوديون جعل المملكة “جنة لمطوري الألعاب” مع هدف تصنيع ألعاب جديدة “تروّج للثقافة السعودية والعربية”، وفقا لإستراتيجية الرياضات الإلكترونية الوطنية التي تستهدف إطلاق 30 لعبة تنافسية عالميا يتم إنتاجها في أستوديوهات محلية بحلول عام 2030.

ومن المتوقع أن تنطلق النسخة الأولى من بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية الصيف المقبل، لتحل محل مهرجان “غايمرز 8” لبطولات الرياضات الإلكترونية الممتد لثمانية أسابيع والذي بلغ مجموع جوائزه هذا العام 45 مليون دولار.

وتستكمل بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية بمجموعة متنوعة من الأنشطة والفعاليات التي ستجذب الزوار والسياح إلى الرياض وتحولها إلى عاصمة للألعاب.

ولم يحدد المسؤولون الألعاب التي سيتنافس فيها المشاركون خلال فعاليات البطولة، مشيرين فقط إلى أن الكشف عن التفاصيل سيكون أوائل العام المقبل.

وفي مقابلته الأخيرة مع شبكة “فوكس نيوز” كشف ولي العهد السعودي أنه يُحب ممارسة ألعاب الفيديو في وقت فراغه.

العرب