إنذار الجدعان للشركات الأجنبية يثير الشكوك في مستقبل الخطة الاستثمارية للسعودية

إنذار الجدعان للشركات الأجنبية يثير الشكوك في مستقبل الخطة الاستثمارية للسعودية

التعجّل السعودي في “سوْق” المستثمرين إلى المملكة بالإنذارات بدل جلبهم إليها بالإغراءات يمثل انعكاسا لعيب جوهري في رؤية 2030 يتمثل في استسهال الإصلاح والتعجلّ في تنفيذه بالقفز على معيقات موضوعية تتمثّل خصوصا في ما تحمله المملكة من تراكمات ثقيلة اقتصادية وثقافية ودينية ومجتمعية مترتّبة على عقود طويلة من اتّباع سياسات تقليدية ومحافظة.

الرياض- قوبلت تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان بشأن تمسّك المملكة بالموعد النهائي المحدد للشركات الأجنبية لنقل مقارها الإقليمية إلى الرياض بنوع من التجاهل تجلّى في غياب ردود الفعل، سواء من قبل المستثمرين وأصحاب الشركات المهتمة بالاستثمار في السعودية، أو من قبل المراكز والوجهات الاستثمارية الخليجية التقليدية التي تسعى المملكة لمنافستها على المكانة التي اكتسبتها على مدى عقود في مجال جلب الاستثمارات وتوطين المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال والخبرات والكفاءات المتطورة على أراضيها.

ووجّه الجدعان ما يشبه الإنذار إلى الشركات الأجنبية، مؤكّدا تمسّك بلاده بالموعد النهائي المحدد لتلك الشركات لنقل مقارها الإقليمية إلى العاصمة الرياض قبل يناير القادم، ومحذّرا إياها من خسارة تعاقداتها مع الحكومة السعودية في حال عدم التزامها بالموعد.

ورأى مختصون في شؤون المال والأعمال أنّ عدم تفاعل المراكز الخليجية المخضرمة مثل دبي مع “الإنذار” لأصحاب الشركات يعود لثقتها بمتانة وضعها كوجهات استثمارية بفعل ما وفّرته على مدى عقود من العمل الدؤوب من ظروف ملائمة على مستوى البنى التحتية والهياكل التشريعية والتنظيمية ما أكسبها رصيدا من الثقة لدى طيف واسع من الشركاء عبر العالم، ووفّر لها قدرا من الحصانة ضدّ المنافسة على مكانتها حتى ولو كانت من قِبل عملاق اقتصادي ومالي من حجم السعودية.

أما المستثمرون وأصحاب الشركات فيواصلون، بحسب المختصين، دراسة الاستجابة للقرار السعودي المطروح عليهم منذ سنة 2021 بمعزل عن أيّ إنذارات سعودية ووفقا لمقاييسهم الخاصة الخاضعة لموازين الربح والخسارة والتي تراعي عدّة عوامل ما تزال غير محسومة بالنسبة إليهم مثل مدى ملاءمة القوانين السعودية والتقدّم الفعلي لعملية الإصلاح في المملكة ونجاحها في إحداث تغيير فعلي عميق في عقلية المجتمع الذي خضع مطوّلا لتأثيرات منظور ديني متشدّد كان معتمدا بشكلي رسمي كمرجع للدولة.

كما تشمل تلك المقاييس مدى تقدّم جهود السعودية في إشاعة حالة من الاستقرار من حولها، خصوصا وأنّ الصراعات الدائرة في المنطقة خارجة عن إرادتها وقدرتها على التحكّم فيها بدءا بالحرب في السودان ومرورا بالصراع الدامي في غزة وإسرائيل والذي يمكن أن يمتد إلى لبنان، ووصولا إلى الأزمة في اليمن والتي لم تضمن المملكة إلى حدّ الآن خروجا آمنا منها رغم أنها طرف رئيسي فيها.

ولا يبدو أنّ السعودية بصدد تحقيق حالة الهدوء التام من حولها رغم مبادرتها قبل سنوات لطيّ صفحة خلافها مع قطر، والقيام لاحقا بإنهاء التراشق مع تركيا ثم التصالح مع إيران على أمل أن ينعكس ذلك على الحرب في اليمن وهو ما لم يتحقّق إلى حدّ الآن.

ويصف المختصّون الأسلوب الذي اعتمدته السعودية لنقل مقار الشركات الأجنبية إلى عاصمتها بـ”الخشن” لأنّه يعتمد الإجبار ووضع المعنيين أمام الأمر الواقع بنيّة “سَوْق” شركاتهم إلى أراضيها، بينما الأسلوب المعتمد عالميا يقوم على التحفيز والإغراء بتعظيم الامتيازات والمكاسب وفرص الربح للمستثمرين فضلا عن توفير البيئة الملائمة لعملهم واستقرارهم، وهي بيئة تشمل مروحة واسعة من المعطيات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية وحتى الأمنية.

ويعزون ذلك إلى نوع من العجلة طبعت عملية تطبيق رؤية السعودية 2030 التي ألزم بها ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان بلاده دون مراعاة لظروفها الاستثنائية وحجم التراكمات الثقيلة التي تحملها على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ويرون أنّ نموذج الدول التي حققت قفزات نوعية في ظرف عقد واحد من الزمن يصعب تطبيقه على السعودية لأن تلك الدول لم تكن مجبرة على إنجاز منعطفات حادة ثقافية ودينية واجتماعية كتلك التي يحاول الأمير محمد القيام بها حاليا.

وكانت السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، قد أعلنت في فبراير 2021 عن خطط لوقف التعاقد مع الشركات التي لا تقع مقارها الإقليمية في المملكة بحلول الأول من يناير 2024 للمساعدة في خلق فرص عمل محلية بما يلائم خطط التنويع الاقتصادي الطموح وفي ظل تنامي المنافسة الإقليمية.

وقال الجدعان لوكالة رويترز لدى سؤاله عما إذا كان موعد يناير قائما “إن الموعد ليس جديدا وسيتم تطبيقه”.

وتستخدم الشركات الأجنبية منذ سنوات دولة الإمارات العربية المتحدة المجاورة كنقطة انطلاق لعملياتها الإقليمية، بما في ذلك عملياتها في المملكة العربية السعودية.

وكانت الشركات تتوقّع تمديد الموعد المذكور بهدف منح المزيد من الوقت لدراسة النقاط التي تثير مخاوفها من الانتقال إلى السعودية.

وتشمل تلك المخاوف الإطار التنظيمي بما في ذلك الضرائب في ظل توقّعات بأن تقوم الحكومة السعودية بتوسيع الوعاء الضريبي لزيادة مواردها خارج المحروقات.

◙ أسلوب “سَوْق” الشركات إلى السعودية خشن ويناقض أسلوب الجلب القائم على إغراء المستثمرين وتحفيزهم

إلى ذلك ما تزال بعض الدوائر الاقتصادية تثير الشكوك في متانة الاقتصاد السعودي واستقراره رغم أرقامه الإيجابية التي يراها هؤلاء ظرفية ومعرّضة بشدة للتقلّبات، حيث من المتوقع أن يتباطأ اقتصاد المملكة بشكل حاد في 2023 بسبب انخفاض إنتاج النفط وأسعاره، بعد أن شهد العام الماضي ارتفاعا ساعد المملكة على تحقيق أول فائض مالي لها منذ ما يقرب من عقد من الزمن.

وتتوقع السعودية الآن عجزا حتى عام 2026 على الأقل وفقا لأحدث بيان أولي للميزانية صدر في سبتمبر الماضي، وهي ميزانية تُعزز الإنفاق بشكل كبير لكنها تظل حذرة بشأن تقديرات الإيرادات.

وبشأن تردّد أصحاب الشركات ورؤوس الأموال في توطين شركاتهم في السعودية، أظهر تقرير سابق لـ”المجلس الأطلسي” أنّ مخاوف هؤلاء تشمل إمكانية أن تغيّر السعودية من أهدافها وتطلب المزيد من الحضور التنفيذي في أعمال الشركات أو تضمين معايير أكثر صرامة في المستقبل.

وقالت محررة التقرير ستيفاني هوشير علي إنّ عددا من الشركات “استسلمت” بالفعل لشرط نقل مقراتها إلى الرياض لكنها ما تزال رغم ذلك تقوم بتقييم الثغرات مثل عدد المديرين التنفيذيين والموظفين الذين يجب أن يعملوا من المقر الرئيسي في السعودية، وما هي النسبة المئوية للمواطنين السعوديين الذين يجب تعيينهم والآثار الضريبية التي ستترتب عليها.

العرب