فرضت الحرب الإسرائيلية على غزة تداعياتها القوية على العراق، مثلما فعلت مع دول عربية وإسلامية عديدة، لكنها في حالة العراق، تجاوزت المواقف الشعبية والرسمية الرافضة للعدوان، لتشمل مواقف ذات بعد عسكري، تتعلق بفصائل مسلحة تقدم نفسها جزءًا من (محور المقاومة) الذي يمتد في دول أخرى بالمنطقة، وتعتبر حركة حماس جزءًا محوريًّا منه.
شهد العراق العديد من المظاهرات والتحركات السياسية، شملت جلسة خاصة لمجلس النواب، واجتماعًا طارئًا للاتحاد البرلماني العربي عُقد في بغداد. ربطت بعض الفصائل مشاركتها المسلحة في الحرب، بالتدخل الأميركي المباشر في العمليات الإسرائيلية، ثم بالهجوم البري على غزة، وقامت فصائل عراقية بشن هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ على مواقع عسكرية يوجد فيها جنود أميركيون، هي قاعدتا فيكتوريا قرب مطار بغداد وعين الأسد غرب العراق وحرير في أربيل، فضلًا عن قاعدة التنف في ريف دير الزور شرق سوريا.
طوفان الأقصى والتداعيات الفورية
أحدثت عملية طوفان الأقصى، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ردود فعل فورية قوية في العراق، واعتبرت الحكومة العراقية العمليات العسكرية التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ضد إسرائيل، “نتيجة طبيعية للقمع الممنهج الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، منذ عهود مضت على يد الاحتلال الإسرائيلي”، فيما تسابق سياسيون عراقيون إلى تأييد تلك العمليات، وخرجت بعد يومين مظاهرات في بغداد والبصرة تبارك هجمات حماس، وتؤكد دعم الفلسطينيين. وقد شملت المواقف العراقية عقد اجتماع خاص لمجلس النواب واحتضان بغداد اجتماعًا طارئًا للاتحاد البرلماني العربي ندَّدا بالهجوم الإسرائيلي، وأكدا التضامن مع الشعب الفلسطيني.
ترافق هذا الزخم الحكومي والبرلماني مع زخم سياسي واضح في الاتجاه ذاته، وكذلك مع فعاليات شعبية، كان من بينها دعوة زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى (تجمع شعبي سلمي) عربي وإسلامي، عند الحدود الفلسطينية من جانب فلسطين ولبنان ومصر والأردن، والبقاء إلى حين فك الحصار عن غزة.
واستخدم رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، بخطابه في (قمة القاهرة للسلام)، يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عبارات شديدة ضد الهجمات الإسرائيلية التي وصفها بـ(الجريمة) و(الإبادة الجماعية) وطالب بوقف فوري لإطلاق النار.
وتتناسب هذه المواقف الفورية مع مزاج عراقي عام مؤيد للقضية الفلسطينية، فالعراق شارك في جميع الحروب العربية الإسرائيلية منذ عام 1948، وكانت له دومًا مواقف واضحة في دعم القضية الفلسطينية، ووقف في كل المراحل ضد عمليات التطبيع العربي-الإسرائيلي منذ أن قاد إجراءات مقاطعة مصر في قمة بغداد، عام 1978، بعد اتفاقية كامب ديفيد.
بعد احتلال العراق عام 2003، كان من أوائل القرارات التي اتخذها الحاكم الأميركي، بول برايمر، إلغاء القرارات السابقة القاضية بمنح الفلسطينيين من لاجئي 1948 صفة مقيم دائم، وفي نفس الوقت تعرض الفلسطينيون في بغداد ومدن أخرى إلى اعتداءات متعددة، تواصلت بعد تسليم السلطة لحكومة عراقية أواسط 2004، وقد أسفرت عن مقتل المئات منهم، فضلًا عن اتهامات بالإرهاب والعلاقة مع نظام الرئيس الراحل، صدام حسين. تسببت هذه المعاملة القاسية بتهجير معظم الفلسطينيين الذين كانوا مقيمين في العراق، وقد شهدت تلك الفترة مشاهد لعشرات العائلات الفلسطينية النازحة من العراق وهي عالقة في المناطق الصحراوية على الحدود مع سوريا والأردن بانتظار السماح لها بدخول أي من البلدين. أسفرت تلك الحملات عن انخفاض عدد الفلسطينيين المقيمين في العراق من أكثر من 40 ألفًا إلى نحو 7 آلاف فقط.
كان ذلك في غالبيته سلوكًا حكوميًّا وميليشياويًّا ارتبط بمظاهر التطهير الطائفي والسياسي الذي شهده العراق طوال السنوات الأولى بعد الغزو الأميركي، وتزايد بحدة خلال الحرب الأهلية الطائفية 2006- 2007، وشمل الفلسطينيين على وفق الاعتبارين، الطائفي والسياسي، وتسبب بتهجير غالبيتهم، وكانت السمة التي طبعت السياسة العراقية هي تردي العلاقات مع المحيط العربي واتهام بعض الدول العربية بـ”تصدير الإرهاب”، مع ابتعاد عن الانشغال بالقضية الفلسطينية، لكن ذلك لم يصاحبه أي محاولات معروفة أو ذات مغزى لإدماج العراق في جهود التطبيع والتسوية السياسية مع إسرائيل، بل إن البرلمان العراقي أصدر، في مايو/أيار 2022، قانونًا بتجريم التطبيع.
وقد تطور الموقف تجاه قضية فلسطين بشكل جوهري بعد إعلان القضاء على تنظيم (الدولة الإسلامية) مع نهاية العام 2017؛ حيث نشطت عشرات الفصائل المسلحة، وأبرزها تلك المرتبطة بإيران، وجرى تأطيرها ضمن الحشد الشعبي الذي تأسس في خضم سيطرة تنظيم الدولة، وأسهم في مواجهته، وحصلت على تسليح ضخم ونفوذ واسع داخل العراق، قبل أن تنخرط غالبيتها في نطاق ما يعرف بـ”محور المقاومة” الذي يضم أيضًا حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن وحركات فلسطينية أبرزها حماس والجهاد الإسلامي، إلى جانب ميليشيات أخرى تتكون من شيعة أفغان وسواهم، تقاتل في سوريا إلى جانب النظام، ويتولى الحرس الثوري الإيراني قيادة هذه التنظيمات والفصائل.
بعد انهيار داعش وجدت الفصائل العراقية المسلحة في القضية الفلسطينية و”محور المقاومة” سببًا للبقاء والاحتفاظ بسلاحها خارج إطار الدولة، فضلًا عن هدف “طرد” القوات الأميركية من العراق، وقد شكَّل هذا النمط العابر للدولة والحدود، تحديًا مستمرًّا للحكومات العراقية منذ العام 2018، حتى بعد إقرار شرعية الحشد الشعبي واعتباره رسميًّا جزءًا من القوات الأمنية، فالفصائل ظلت محتفظة بهيكلها وسلاحها ومواردها المالية، وكذلك بأجنداتها السياسية والعقائدية التي قد تتناقض مع الحكومة المركزية، بما في ذلك الحكومات القريبة من الفصائل مثل حكومة السوداني الحالية.
العراق والرد العسكري في سياق معركة غزة
تمثل الفصائل المسلحة نمطًا من القوى خارج الدولة، تحتفظ لنفسها بخيارات وأجندات ومصادر قوة، خارج الرقابة الحكومية، وقد عبَّر بعضها في مواقف مختلفة عن تطلعات سياسية محلية وإقليمية، مختلفة وربما متناقضة مع التوجهات المعلنة للحكومة.
ويُعتبر بعض من هذه الفصائل جزءًا من تحالف القوى الشيعية المعروفة بالإطار التنسيقي، الذي شكَّل حكومة السوداني قبل أكثر من عام، كما أن قيادات مهمة في الحشد الشعبي الذي يخضع لسلطة رئيس الوزراء، تتزعم فصائل تعمل منفردة، وتحتفظ بقدرات وهياكل خارج الحشد والدولة، وترتبط بشكل وثيق بإيران، وأبرزها (كتائب حزب الله العراق)، الذي يتولى زعيمه (عبد العزيز المحمداوي) أيضًا منصب رئيس أركان الحشد، إلى جانب (حركة حزب الله النجباء)، وكلتاهما على علاقة تنظيمية وعملياتية مع حزب الله اللبناني وشاركتا بفاعلية في الحرب في سوريا، ويندرجان في القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية.
يمكن اعتبار التنظيمين قوى مؤثرة من خارج الدولة، حتى مع وجود ارتباط لهما بالدولة من خلال الانتساب الشكلي للحشد الشعبي والحصول على تمويل حكومي منتظم. وقد تأكد هذا النمط، من خلال سلوك هذين الفصيلين وفصائل مماثلة أخرى، باستهداف القوات الأميركية في العراق وسوريا، في مناسبات مختلفة، رغم اعتراض الحكومة العراقية، وكذلك تأكيد بعض قادتها ولاءهم للمرشد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي. ويبدو أن هذه الفصائل أرادت دفع الحرج عن الحكومة من خلال ابتداع تسميات لتنظيمات غير معروفة ربما تكون مجرد منظمات شكلية وواجهات إعلامية، تتبنى العمليات ضد القوات الأميركية، مثل (تشكيل الوارثين)، و(أصحاب الكهف)، و(لواء الثائرين)، و(لواء ثأر المهندس)، وغيرها. وجميعها -فضلًا عن قوى أخرى- تجتمع في إطار عريض اسمه (المقاومة الإسلامية في العراق) لا تُعرف تفاصيله ولا طبيعة من يشارك فيه، ولا علاقته بالدولة أو الحكومة، وقد أخذ يتبنى مؤخرًا خلال الحرب على غزة العمليات المسلحة ضد القواعد الأميركية.
ويوجد في العراق نحو 2500 جندي أميركي يجري تعريفهم رسميًّا على أنهم قوات غير قتالية تضم مستشارين ومدربين وتقنيين، ينتشرون في ثلاث قواعد: (حرير) في أربيل، (فيكتوريا) قرب مطار بغداد، و(عين الأسد) غرب العراق، والأخيرة يوجد فيها الأميركيون إلى جانب قوات عراقية تمثل الجزء الأكبر من قوة القاعدة.
وربطت بعض الفصائل العراقية مشاركتها في الحرب الحالية على غزة بتحقق أحد أمرين: التدخل الأميركي إلى جانب إسرائيل، والهجوم البري الإسرائيلي، وقد اعتبرت فصائل عراقية أن السبب الأول قد تحقق فعليًّا عقب زيارة الرئيس الأميركي، بايدن، لإسرائيل وتأكيد دعم واشنطن غير المشروط، وقد سبق ذلك بساعات القصف الإسرائيلي للمستشفى الأهلي في غزة والتسبب بمقتل نحو 500 فلسطيني؛ الأمر الذي أحدث غضبًا واسعًا في العراق، فأعلن الناطق بلسان (كتائب حزب الله)، في يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول، أن “الأميركيين شركاء أساسيون في قتل أبناء غزة وبالتالي عليهم تحمل العواقب”، وأنه قد “بدأت عمليًّا المقاومة في العراق بدخول معركة طوفان الأقصى وتوجيه ضرباتها إلى القواعد الأميركية”.
جاء هذا الإعلان بعد يوم واحد من تعرض قاعدة (عين الأسد) في غرب العراق إلى هجوم بطائرتين مسيرتين، قالت القوات الأميركية إنها تصدت لهما، ثم أعقب ذلك هجمات متكررة بالصواريخ والطائرات المسيرة وقذائف الكاتيوشا على قواعد (الحرير) و(فيكتوريا) إلى جانب (عين الأسد) ذاتها، فضلًا عن قاعدة القوات الأميركية في منطقة التنف جنوب شرق سوريا، ويمكن ملاحظة أن وزير الدفاع العراقي، ثابت العباسي، سارع إلى زيارة (عين الأسد) بعد الموجة الأولى من الهجمات، وبدا من تزامن الزيارة مع الهجمات على القاعدة أن الوزير ربما أراد تهدئة ردود الفعل الأميركية، لكن موجة لاحقة من القصف أصابت القاعدة ذاتها، بعد زيارة الوزير، وتبنته نفس الجهة، فيما يمكن اعتباره قرارًا بالتصعيد بغض النظر عن موقف الحكومة.
تبنَّت (المقاومة الإسلامية في العراق) وتشكيل الوارثين المنضوي تحتها هذه الهجمات، فيما أعلن بيان آخر عن تشكيل (غرفة عمليات إسناد طوفان الأقصى) وتضم “تشكيلات المقاومة الإسلامية في العراق للإشراف على العمليات”، وفي جميع هذه البيانات لم يظهر في الصورة فصيل محدد، أو شخصية مركزية، باستثناء البيان الذي أعلنت عنه (كتائب حزب الله).
ويبدو أن إطلاق تسميات عديدة لتشكيلات مختلفة، كثير منها وهمي، هو جزء من إستراتيجية لتشتيت الانتباه، وتعقيد مهمة تقصي آثار الجهات التي تتولى عمليات مهاجمة القوات الأميركية، فضلًا عن إعفاء الحكومة العراقية من الحرج في التواصل مع الولايات المتحدة، على اعتبار أن من يقوم بالهجمات جهات غير معروفة، وليست جزءًا من أي تنظيم معروف، قد يكون جزءًا من النظام السياسي أو الحشد الشعبي.
فرص توسع الحرب وموقف العراق
يمكن لاستمرار الحرب الإسرائيلية على غزة أن يؤثر على دول متعددة في المنطقة، بشكل مباشر، وأبرزها لبنان وسوريا والعراق، وفي جميعها توجد قوى مسلحة مؤثرة ومهمة تندرج تحت تسمية (محور المقاومة) وتمتلك قدرات عسكرية كبيرة، ونفوذ سياسي واسع، وبالتالي فمشاركتها في الحرب ضد إسرائيل كما توعدت، سيعني جرَّ الدول الثلاث إلى الحرب بشكل أو بآخر.
تبدو حالة العراق، أقل حدة من سوريا ولبنان، فهو لا يمتلك حدودًا برية مع إسرائيل، والأرجح أن ينتقل المقاتلون التابعون للفصائل المعنية بالحرب، إلى سوريا ولبنان للقيام بذلك، فضلًا عن الفصائل العراقية المسلحة الموجودة أصلًا في سوريا منذ عدة سنوات للقتال إلى جانب النظام.
وقد راجت في بداية الحرب على غزة صورة للأمين العام لفصيل (كتائب سيد الشهداء) وهو يوجد في مكان قيل إنه (غرفة عمليات في بلد عربي) تبين لاحقًا أنه لبنان، ويضم ممثلين عن مختلف الفصائل في (محور المقاومة) ومنها حركة حماس، لكن المتحدث باسم نفس الفصيل قال لوسائل إعلام عراقية: إن (غرفة العمليات) في جنوب لبنان أنشئت قبل الحرب على غزة، وهي للتواصل بين فصائل المحور، وأكد أن أي مقاتل عراقي لم يشارك حتى الآن في الحرب، ومنها المناوشات المسلحة بين حزب الله وإسرائيل.
ومن الممكن أن يتغير هذا الوضع في حال توسع الحرب إلى لبنان وسوريا، فحينها سيكون محتمًا مشاركة الفصائل العراقية الموجودة في سوريا، إلى جانب فصائل أخرى يمكن أن تنضم إليها، لكن جزءًا مهمًّا من هذه المشاركة سيجري على الأراضي العراقية ضد القوات الأميركية.
يوجد في سوريا آلاف المقاتلين العراقيين يتوزعون على 13 فصيلًا، وينتشرون على محاور ومناطق مختلفة خضعت منذ العام 2012، لسلسلة من التبدلات على مستوى المقرات وعددها وواجباتها، لكنها حافظت من حيث الوجود على عناوينها وعلاقتها مع قوات النظام وارتباطها بغرفة التنسيق المشترك مع الفصائل الأخرى من جهة وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني من جهة أخرى. هذه الفصائل هي:
– لواء أبو الفضل العباس: ويوجد في طريق المطار والقلمون وجنوب دمشق ومنطقة السيدة زينب.
– لواء أسد الله الغالب، ويرابط مع قوات الحرس الجمهوري التابعة للنظام في ريف دمشق وقدسيا.
– كتائب حزب الله العراقي، وتنتشر في مناطق قرب حلب حاليًّا.
– كتائب سيد الشهداء، وتعمل في منطقة الغوطة الشرقية تحت إشراف حزب الله اللبناني.
– فيلق الوعد الصادق، ويوجد في مناطق حلب والقلمون وريف دمشق.
– لواء كفيل زينب، ومناطق وجوده في ريف دمشق وحمص وريف حلب.
– حركة حزب الله النجباء، وتوجد في حلب وريفها ومنطقة القصير وريف حمص وأطراف ريف إدلب.
– قوات الشهيد محمد باقر الصدر (منظمة بدر)، وتعمل مع الفرقة الرابعة في حماه وريف إدلب.
– لواء ذو الفقار، وتوجد في مناطق عدرا والنبك وحمص.
– فوج التدخل السريع، وهو فصيل يقول إنه يقلد المرجع الحائري، وينتشر في مناطق في ضاحية الأسد وطريق الأوتوستراد الشرقي من دمشق.
– لواء الإمام الحسين، وينشط في مناطق قرب دمشق وريف حلب.
– لواء المؤمل، وهو فصيل مسلح يوجد منذ دخوله حول داريا.
– كتائب الثأر، وتنتشر حاليًّا في مناطق بمحيط حلب.
أسهمت هذه الفصائل بطرق مختلفة بدعم النظام، إلى جانب فصائل أخرى بقيادة الحرس الثوري الإيراني، وينسب لبعضها ارتكاب عمليات إبادة وتهجير، وحسب خارطة انتشار هذه الفصائل، فمن المتوقع أن يحافظ بعضها على مناطق وجوده الحالية، ولا ينخرط في الحرب المحتملة مع إسرائيل، لأسباب قد تتعلق بعدم ترك فراغات أمنية يمكن أن تستفيد منها قوات المعارضة السورية في الشمال السوري على وجه الخصوص.
ويمكن أن يقوم مقاتلون من فصائل أخرى بالانتقال إلى سوريا وجنوب لبنان في حال توسع الحرب، لكن تبقى المشكلة متعلقة بالحكومة العراقية، والتداعيات التي سيكون عليها تحملها جراء مثل هذه المشاركة، فضلًا عن استمرار وربما تصعيد القصف ضد القواعد الأميركية.
مبدئيًّا، سيكون من المستبعد أن تحاول الحكومة العراقية منع المقاتلين التابعين للفصائل المختلفة من عبور الحدود نحو سوريا ثم لبنان، لكنها يمكن أن تتلقى اللوم على تساهلها مع خروج مقاتلين ربما يكون بعضهم تابعًا للحشد الشعبي، لمحاربة إسرائيل؛ مما قد يجعلها متورطة بشكل أو بآخر في تلك الحرب.
التداعيات هنا، تتعلق بشكل أساسي بالتدهور المتوقع للعلاقة مع الولايات المتحدة، وما يمكن أن يتسبب به ذلك من متاعب سياسية واقتصادية للعراق، فجميع أموال العراق من مبيعات النفط محفوظة في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بناء على اتفاق سابق مع الحكومة العراقية، ويمكن لواشنطن أن تقوم بتعطيل صرفها وربما حجبها، وحينها ستفشل الحكومة في بغداد تمامًا بتأدية التزاماتها تجاه مواطنيها، وقد تنفجر أزمة سياسية واجتماعية وأمنية في العراق بسبب ذلك.
وليس من المستبعد أن تلوح الولايات المتحدة بالخيار الاقتصادي، فضلًا عن خيارات أخرى في حال استمرار تعرض قواعدها في العراق للهجمات، وسيزداد الأمر تعقيدًا، إذا ما قامت القوات الأميركية بهجمات مسلحة ضد مواقع لفصائل داخل العراق، أو عمليات اغتيال ضد قياداتها، وهو أمر متوقع، وقد يتسبب أيضًا بوضع الحكومة العراقية أمام اختبارات صعبة، شبيهة بما حصل عقب قيام طائرات أميركية مسيرة بقتل الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، في بغداد، مطلع العام 2020.
والأمر الأكثر تعقيدًا بالتأكيد سيحصل في حال امتداد الحرب إلى إيران، فحينها سيكون العراق وسط تقاطع النيران، ولا يمكن تصور بقاؤه بعيدًا عن المواجهة، وربما الفوضى الأمنية التي قد تشمل مهاجمة المقار الدبلوماسية للدول الغربية، واستخدام أراضيه لتنفيذ عمليات قتالية، سواء من قبل إيران أو الولايات المتحدة، ولن يكون مستبعدًا استغلال تنظيمات (إرهابية) الفراغ الأمني الناجم عن مثل هذه التطورات لشن هجمات أو تحقيق مكاسب.