وعلى الرغم من وضع القرار خريطة طريق لعملية الانتقال السياسي في سورية، استناداً لبياني جنيف وفيينا، ودعوته الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لعقد مفاوضات بشكل عاجل بين ممثلي النظام السوري والمعارضة، بشأن مسار الانتقال السياسي، ورغم استعجاله بدء هذه المفاوضات مطلع الشهر المقبل بالتزامن مع وقف إطلاق النار، غير أن تفاصيل القرار بدت وكأنها تبنٍّ للرؤية الروسية للحلّ، وتخلٍّ واضح من قبل الدول الغربية وفي المقدّمة الولايات المتحدة عن المعارضة السورية، الأمر الذي يجعل من تطبيق مخرجات قرار مجلس الأمن الدولي، أمراً شبه مستحيل، إضافة إلى مساهمته في زيادة وتيرة الصراع في سورية.
وأغفل القرار أهم شرط من شروط البدء بعملية سياسية، وهو مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي شدّدت المعارضة على عدم قبوله في المرحلة الانتقالية. كما كانت معظم الدول التي تعرف باسم “أصدقاء سورية” تؤكد عدم قبولها الأسد في المرحلة الانتقالية، إلا أن القرار جاء من دون أي ضمان دولي بأن الأسد سيرحل خلال المرحلة المقبلة.
ورغم تأكيد القرار على إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تُمنح سلطات تنفيذية كاملة، فإنه، في ظل عدم التطرق لمصير الأسد، فتح الباب أمام تأويلات كثيرة، سواء بين أطراف التفاوض السورية أو بين الدول المتدخلة بالشأن السوري، وخصوصاً أن هذا البند اشترط أن يعتمد تشكيل هيئة الحكم على الموافقة المتبادلة بين طرفي التفاوض، مع كفالة استمرارية المؤسسات الحكومية. وجاء كلام رئيس الحكومة التركية، أحمد داود أوغلو، خلال تعقيبه على القرار الدولي، بمثابة وضع الأصبع على الجرح، عندما قال حرفياً “نحن مقبلون على مرحلة حساسة جداً فيما يخص حل الأزمة السورية، عقب تبني مجلس الأمن الدولي قراره بالإجماع. أود أن أقولها بكل صراحة، إنّ حل الأزمة السورية يكمن في تنحي الأسد عن السلطة لصالح حكومة شرعية. ولا يمكن لأية خطوة تضمن استمرار النظام الفاقد للشرعية، أن تأتي بالأمن والاستقرار إلى سورية”.
ويظهر التخلي الأوروبي والأميركي عن القضية السورية لصالح الروس، واضحاً من خلال إشارة القرار إلى “جدوى اجتماع الرياض”، من دون أن يتبناه، على الرغم من كونه أحد مخرجات اجتماعات فيينا، التي بدا فيها واضحاً الخضوع الأميركي للشروط الروسية. كما يظهر أيضاً عبر تركه الباب مفتوحاً أمام المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لتشكيل وفد المعارضة للتفاوض، وذلك حين طلب منه القرار ضرورة الأخذ بالحسبان مؤتمري القاهرة وموسكو (للمعارضين الشكليين المحسوبين على النظام)، الأمر الذي يجعل إمكانية ضم أطراف غير مقبولة لدى المعارضة ضمن الوفد الذي سيفاوض النظام غير مستبعد كحزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي، وهيثم مناع وقدري جميل. وكي لا يكون هناك أي لبس في ما جاء بالقرار 2254 لناحية تجاهل توحّد المعارضة السورية في الرياض، وتشكيلها وفداً مفاوِضاً يمثل المعارضة حقاً، شاء وزير الخارجية الأميركية جون كيري أمس السبت أن يفصح عن نوايا بلده من خلال اتصال أجراه مع رئيس الائتلاف الوطني خالد خوجة، قال بعده المتحدث باسم الوزارة، جون كيربي، إن كيري “بحث مع خوجة ضرورة حصول اجتماع واسع وشامل للمعارضة السورية”، أي تجاهل الاجتماع الذي حصل بالفعل في السعودية. أكثر من ذلك، حمل الاتصال ضغطاً على خوجة، من أجل “سماح المعارضة للمنظمات الإنسانية بالعمل دون معوقات”.
وتم التأكيد ضمن القرار على ما جاء في ورقة فيينا حول إجراء انتخابات حرّة بعد 18 شهرا من بدء المفاوضات بناء على دستور جديد ينتهي العمل عليه خلال 6 أشهر. وهو أمر يستبعد أن ينجح في ظل إغفال مصير الأسد، وفي ظل البند الذي أكّد على وقف إطلاق النار، وفوّض الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بمهمة تقديم اقتراحات لمراقبة قرار وقف إطلاق النار خلال شهر من تاريخ إصدار القرار من مجلس الأمن الدولي. كما تم تفويض بان باقتراح إجراءات “حسن نية” خلال شهر من إصدار القرار، الذي استثنى تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) و”جبهة النصرة” وتنظيمات أخرى، دون أن يحصر تلك التنظيمات، الأمر الذي يحمي النظام من قصف المعارضة ويعطيه ولحلفائه ذريعة باستمرار قصف مناطق المعارضة بحجة قصف تنظيمات إرهابية. ومن شأن الخضوع للشروط الروسية بهذا الشكل في قرار مجلس الأمن، أن يعزّز الفكرة السائدة لدى بعض مكونات الشعب السوري، بعدم جدوى الحل السياسي، وهو ما قد يعزّز، تلقائياً، التطرّف، ويزيد من شعبية التنظيمات التي سيتم استهدافها على أنها “إرهابية”.
من جهة ثانية، فإن ذريعة قصف التنظيمات الإرهابية ضمن مناطق المعارضة، تجعل من المستحيل تطبيق البند الذي طالب بوقف الأعمال العسكرية ضدّ المدنيين على الفور، بما فيها استخدام الأسلحة العشوائية والطيران الحربي، إذ تسمح هذه الثغرة للنظام بقصف المدنيين في مناطق المعارضة بتهمة الإرهاب، وهو ما تفعله روسيا أصلاً من 30 سبتمبر/أيلول الماضي.
ودعا القرار إلى العمل على عودة اللاجئين، وفوض كلا من النرويج والكويت وألمانيا والأمم المتحدة بالدعوة إلى مؤتمر دولي في فبراير/شباط عام 2016 تستضيفه العاصمة البريطانية، لندن. أما الأخطر من كل ذلك ربما لناحية الخضوع للشروط الروسية، فهو ما يتعلق بلائحة المنظمات الإرهابية. فبموجب لقاء فيينا، تولت الأردن جمع أسماء المنظمات الإرهابية بحسب ما تراه 17 دولة، وقدمت اللائحة بالفعل يوم الجمعة في نيويورك، ليأتي الرفض عنيفاً من الإيرانيين والروس، لكونها اشتملت على تنظيمات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وفيلق القدس. بناءً عليه أتى التنازل الغربي لطهران ولموسكو، فتم شطب المنظمات الإرهابية من القرار الدولي، والأسوأ من ذلك، تم تأليف لجنة رباعية لوضع لائحة جديدة، تميل الكفة فيها بالكامل لصالح روسيا، بما أن هذه اللجنة تضم روسيا وإيران والأردن وفرنسا. فإذا كانت روسيا وإيران صقران في معسكر نظام الأسد، فإنّ الأردن في المقابل، أقرب إلى معسكر موسكو من معسكر الثورة بالتأكيد. كذلك حال فرنسا التي تخلت، منذ هجمات باريس في نوفمبر، عن أولوية إزاحة الأسد من السلطة، مقابل أولوية “محاربة الإرهاب”، وهو ما أعرب عنه بوضوح وصراحة رئيس الحكومة مانويل فالس قبل أيام.
واختصر رئيس الائتلاف السوري، خالد خوجة، الموقف من القرار باعتباره “بمثابة تقويض لمخرجات اجتماعات قوى الثورة في الرياض، وتمييع للقرارات الأممية السابقة المتعلقة بالحل السياسي في سورية”، وذلك في تعليق على صفحته الشخصية على موقع “تويتر”. في المقابل، وصف عضو الهيئة الاستشارية في الائتلاف الوطني خالد الناصر قرار مجلس الأمن 2254 كمن “يدسُّ السُّمَّ في الدَّسم”، مضيفاً إن القرار “يُقرُّ جنيف ويلتفُّ على هيئة الحكم (الانتقالية) ودور الأسد، ويجعلُ موسكو والقاهرة كمؤتمر الرياض، ودي ميستورا وصياً على المعارضة (السورية)”.
عبسي سميسم
صحيفة العربي الجديد