فرضت أزمة القوة التركية التي دخلت شمال العراق تناقضا في مواقف القوى السياسية العراقية بين مؤيد ومعارض بالتزامن مع اتهامات للحكومة وقوى التحالف الوطني الشيعية باستغلال القضية لشن حملة تأجيج ضد الدور التركي في العراق وخاصة بعد إعلان تركيا سحب قواتها من الموصل. ومثل كل القضايا والأزمات، انقسمت القوى السياسية العراقية وحسب ارتباطاتها الخارجية، باتخاذ مواقف من التدخل التركي الذي ذكر بعض السياسيين أنه موجود في العراق منذ عام 1995 وبين ادعاء الحكومة عدم علمها بهذا التواجد، وهو ما خلق تشويشا جديدا على المواطن العراقي الذي لم يعد يعرف أين الحقيقة في هذا الأمر أو في غيره، خاصة أن الجميع يعلم أن سيادة العراق منتهكة منذ عام 2003 ومنذ سيطرة تنظيم «الدولة» على ثلث مساحة العراق، وأن العراق أصبح ساحة مفتوحة للصراعات والنفوذ والمصالح الدولية والإقليمية وسط عجز الحكومة العراقية عن فرض سيادة البلد على أرض الواقع.
وقد فجرت أزمة العلاقات العراقية التركية، مواقف تجاه تواجد حزب العمال الكردي التركي في العراق بين المساند والمعارض، حيث طالبت الأحزاب الكردية الحكومة منح الشرعية لتواجد الحزب المذكور في العراق نظرا لمساهمته في محاربة تنظيم الدولة ومساعدته العراقيين في حربه ضد التنظيم، وبين مواقف للسنة والتركمان الرافضة لوجوده باعتباره استفزازا لتركيا وتدخلا في شؤونها يوفر لها مبررا للتدخل في الشأن العراقي.
وفي شأن آخر، وضمن محاولات لملمة أوضاع الفعاليات السياسية السنية وتجاوز سلبياتها، قررت لجنة التنسيق العليا للقوى السنية زيادة عدد أعضائها بضم رؤساء لجان وممثلي كتل سياسية ونواب حاليين وسابقين وشخصيات بارزة في المحافظات الست ومدن عراقية أخرى ممثلة للمكون، كما اتخذت قرارا باستبعاد رئيس كتلة الحل جمال الكربولي المتهم بالفساد ونهب المال العام.
ورغم أهمية جمع كلمة هذا المكون لتحقيق جزء من التوازن المفقود في الساحة العراقية حاليا وفي وضع برنامج لانقاذ أهالي المحافظات المبتلاة بسيطرة تنظيم «الدولة» والذين يعيش معظمهم في مخيمات النازحين، فقد قوبل هذا التحرك بانتقادات من قبل كتلة الوطنية التي يقودها أياد علاوي التي اعتبرته ترسيخا للطائفية في العراق التي لا يمكن لأحد، مع الأسف، إنكار وجودها وبقوة على أرض الواقع. وفي تطورات الموقف العسكري والأمني، فقد شهد هذا الأسبوع تصعيدا في شدة المعارك وخاصة في مدينة الرمادي مركز الأنبار التي تفرض عليها القوات الحكومية حصارا شاملا وتشن عليها هجمات من معظم المحاور لمحاولة إزاحة خطوط دفاع تنظيم «الدولة» حيث نجحت في تحقيق تقدم بطيء ولكنه مهم في معركة تحرير المدينة الحيوية التي حاول التنظيم تعويض خسائره فيها بشن هجمات على مناطق أخرى من الأنبار مثل عامرية الفلوجة والبغدادي. كما قام التنظيم بشن أعنف هجوم على مواقع البيشمركه شمال وشرق الموصل مستغلا سوء الأحوال الجوية وانتشار الضباب الكثيف الذي حجب الرؤية عن الطيران الدولي الذي كان يلعب دورا حاسما في افشال هجمات التنظيم في الأحوال الاعتيادية. ومع فشل معظم هجمات التنظيم رغم كثرة استخدام العجلات المفخخة والانتحاريين، إلا أنه ما زال يتمسك بهذا الخيار في شن الهجمات لإعطاء انطباع أنه ما زالت لديه امكانية لشن الهجمات.
وفي المجال الأمني، تصاعدت موجات التفجيرات بالعبوات والسيارات المفخخة في الأحياء السكنية في العاصمة العراقية لتحصد المزيد من أرواح المدنيين الأبرياء، مع تزايد ملحوظ في الاغتيالات والخطف في معظم مدن العراق وخاصة في البصرة التي تسيطر عليها الميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة وفي كركوك التي تطال عناصر عربية وتركمانية فيها حملة اغتيالات يقوم بها مسلحون مجهولون.
أما في الاطار الاقتصادي، فقد انتهى ماراثون مشروع ميزانية 2016 بعد مصادقة مجلس النواب عليه، ليضع حدا لمساومات واستغلال بعض القوى السياسية لها في فرض شروطها وضغوطها على الأطراف الأخرى. وقد برزت الخلافات خاصة بين الكتلة الكردية وقائمة القانون التي يرأسها نوري المالكي والتي أصرت حتى اللحظات الأخيرة على تخفيض حصة الاقليم من 17٪ إلى 13٪ من الميزانية الاتحادية رغم ان التخفيض لا يستند إلى مبررات قانونية. وأبرزت مناقشات مشروع الميزانية قدرة بعض القوى في فرض إرادتها على الآخرين ومن ذلك نجاح قيادة الحشد الشعبي في فرض الميزانية التي أرادتها وهي 3 ترليون دينار بدل ترليون واحد الذي كان مقررا في المشروع، حيث تم استقطاع جزء من رواتب موظفي الدولة والمتقاعدين وتخصيصها للحشد. وتأتي الميزانية الجديدة وسط استمرار الأزمة المالية للحكومة العراقية الناجمة عن استمرار انخفاض أسعار النفط إلى مستويات تهدد قدرتها في الإيفاء بالتزاماتها الحكومية أو مواجهة تكاليف وأعباء الحرب مع تنظيم «الدولة».
مصطفى العبيدي
صحيفة القدس العربي