القاهرة تعتزم الاستعانة بآلية مبادلة الديون لتفادي سداد ودائع الخليج المستحقة على البلاد، نتيجة أزمة شح العملات الأجنبية، والتي بسببها يصعب توفير الكثير من سيولة الدولار اللازمة للوفاء بالمبالغ التي يستوجب دفعها في المدى المنظور.
القاهرة – دفعت عملية صعوبة تدبير العملات الأجنبية، وفي مقدمتها الدولار، ومخاوف تدهور الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي، السلطات المصرية إلى إدراك أهمية وجود نافذة جديدة تمنع نزوح الدولارات المتاحة في حوزتها إلى الخارج، حيث تلوح في الأفق حالة عزوف عالمي عن المخاطرة والاستثمار في أدوات الدين كونها الوسيلة الأسرع لجذب الدولار لبعض الدول.
تتجه مصر نحو اللجوء إلى اتفاقيات مبادلة الديون مع عدة دول مقرضة، خاصة بلدان الخليج التي قدمت مساعدات للبلاد والمحتفظة بودائعها لدى البنك المركزي، بهدف تخفيف أعباء الديون الخارجية للحكومة، وذلك على خطى اتفاقية مبادلة الديون التي وقعتها القاهرة مع بكين أخيرا.
تُعرف آلية مبادلة الديون في ما يتعلق بالودائع بأنها تحويل الودائع المستحقة على الدولة بالعملة الأجنبية إلى العملة المحلية مع توظيفها فى مشروعات تنموية في الدولة المدينة، بينما تكون مملوكة للدولة الدائنة بموافقتها.
تكمن أهمية هذه الآلية بالنسبة للحكومة المصرية في أنها من الأدوات البديلة التي تستعين بها لسداد جزء من الديون، بدلا من إصدار سندات طويلة الأجل ذات عائد مرتفع قد يفاقم أزمة الدين، كما يتم توجيه المتحصل منها لسداد ديون مستحقة.
وبمرور الوقت لا يترتب على مبادلة الديون سداد مدفوعات نقدية مباشرة للدائن، بل يحصل الدائن في مقابل ذلك على أصول قائمة في الدولة التي تلقت القرض أو عبر الحصول على بضائع مهما كان نوعها، أو حسبما يتم الاتفاق.
يبلغ حجم ودائع الدول العربية في البنك المركزي المصري والمزمع إدراجها ضمن “مبادلة الديون” نحو 29.9 مليار دولار، تتوزع بين 15 مليار دولار ودائع دول الخليج متوسطة وطويلة الأجل، و14.9 مليار دولار ودائع لدول الخليج وليبيا قصيرة الأجل.
ووفقا لبيانات البنك المركزي المصري، زاد صافي الاحتياطيات الدولية ليصل إلى نحو 34.97 مليار دولار في نهاية سبتمبر الماضي.
تقترب مصر من الحصول على ودائع جديدة لدعم احتياطيات البنك المركزي من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، تمهيدا لإحياء برنامج صندوق النقد الدولي الموقع العام الماضي.
تبلغ قيمة الودائع التي يجري الحديث بشأنها نحو 5 مليارات دولار، على أن يجري تحويلها فيما بعد إلى استثمارات على مدار عدة أعوام، أي مبادلة الديون.
وثمة اتفاق مبدئي يتضمن تجديد ودائع قائمة للدولتين يحل أجلها العام المقبل، ويتزامن ذلك مع وقت تعاني فيه البلاد من نقص السيولة بالعملة الأجنبية وارتفاع التزاماتها الخارجية، قبل إتمام مراجعة صندوق النقد الدولي المزمع أن تكون في ديسمبر المقبل.
وبلغ إجمالي حجم الودائع الإماراتية في البنك المركزي المصري نحو 10.7 مليار دولار، تتوزع بين 5.7 مليار دولار طويلة الأجل، و5 مليارات دولار قصيرة الأجل، فيما سجلت ودائع قطر نحو 4 مليارات دولار، وودائع السعودية 10.3 مليار دولار، وليبيا 900 مليون دولار.
29.9
مليار دولار حجم ودائع الدول العربية في البنك المركزي المصري المزمع إدراجها ضمن المبادلة
وكي تسرع الحكومة المصرية في تفعيل تلك الأداة، ينبغي عليها إيجاد سعر صرف مرن للجنيه مع وجود سعر صرف وحيد متاح في القنوات الرسمية فقط، لأن القاهرة لا يمكنها التفاوض مع دول الخليج في هذا الصدد، إذ يصعب طرح سعر صرف يتم على أساسه تنفيذ الصفقات.
قال خبير الاستثمار المصري إبراهيم الحدودي إن الحكومة لديها اهتمام بالغ بتحويل الودائع الخليجية إلى استثمارات، والوقت الحالي هو الأنسب لذلك بالتزامن مع الحجم الكبير لهذه الودائع في البنك المركزي.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه ليس من السهولة نجاح هذه الآلية أو تحركها في الاتجاه الذي تريده السلطات المصرية، مع وجود السوق الموازية للعملات في مصر وبسببها تفاقمت الفجوة بين سعر الدولار في البنوك والسوق السوداء (الموازية).
ووقّعت وزارة التعاون الدولي المصرية مذكرة تفاهم في مجال مبادلة الديون مع الوكالة الصينية للتعاون الإنمائي الدولي من دون الإشارة إلى قيمة الاتفاقية، خاصة مع ارتفاع قيمة ديون القاهرة لبكين.
تقدر ديون مصر للصين بنحو 8 مليارات دولار حتى نهاية مارس الماضي، وفقا لبيانات البنك المركزي من إجمالي الدين الخارجي للبلاد البالغ نحو 165.4 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الجاري.
ولدى القاهرة بالفعل برنامجان لمبادلة الديون قيد التنفيذ بقيمة 730 مليون دولار، أحدهما بقيمة 240 مليون دولار مع الحكومة الألمانية، منها 116 مليون دولار وجهت إلى برنامج “نوفي” وبرنامج آخر مع إيطاليا، وسيجري استخدام البرنامجين لتمويل 120 مشروعا إنمائيا في البلاد.
أكد خبير الاستثمار المصري عبدالحميد المطري أن أداة مبادلة الديون مقبولة من جانب حكومات دول الخليج، خاصة أنها تتحول من جانب الديون إلى بند الاستثمارات، لكنها ترغب في تقييم قيمة القوة الشرائية بالمقارنة مع الدولار بشكل عادل.
وتوقع في تصريح لـ”العرب” أن تتوسع مصر في مبادلة الديون كضمانة لأموال الخليج وحماية استثماراتهم، وربما يدفع ذلك البعض إلى منح مصر مساعدات جديدة الفترة المقبلة، وهي في الظاهر ودائع لدى البنك المركزي، لكنها في الواقع استثمارات يقابلها امتلاك أصول أو نسب في مشروعات بالسوق المحلية.
أوضح خبراء مصريون أن دول الخليج لديها الحق في أن ترفض العرض المصري في الوقت الراهن، لأنه يصعب المشاركة في مشروعات بسعر صرف غير حقيقي، وتشترط دول الخليج ضخ أموال الودائع في مشروعات واعدة تحقق أرباحا كبيرة.
وتسعى القاهرة إلى تسريع تفعيل الآلية الجديدة، لأنها تفتح الباب أمام تلقي ودائع جديدة، وتنقذها من اللجوء إلى سوق الديون الدولية التي تواجه فيها البلاد عقبات كبيرة بعد تهديدات بشطبها من مؤشر “جي.بي مورغان” لسندات الأسواق الناشئة.
ويترتب على خروج السوق المصرية من المؤشر عدم ثقة المستثمرين الأجانب في صلابة الاقتصاد المحلي وقدرته على التعامل المرن مع التحديات العالمية، وهي خطوة تؤثر على تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر وتعاملات الأجانب بأسواق المال.
وتخشى القاهرة من خفض تصنيفها الائتماني مجددًا من جانب وكالة فيتش في نوفمبر الحالي، بعد أن قامت وكالتا “ستاندرد أند بورز” و”موديز” بخفض التقييم إلى المنطقة غير المرغوب فيها مؤخرا لاستمرار أزمة نقص العملة الأجنبية وتفاقم مشكلة الديون.
العرب