في ظل انشغال المصريين بما يجري في غزة من تصعيد إسرائيلي، وفي ظل غضب داخلي من فكرة التوطين في سيناء، قامت الحكومة المصرية بتمرير زيادات في أسعار البنزين، وهي خطوة قد تكون مقدمة لإجراءات جديدة يمكن وصفها بأنها قاسية على المواطنين.
القاهرة – مرّرت الحكومة المصرية زيادة جديدة غير متوقعة في أسعار المحروقات الجمعة، ووظفت انشغال المواطنين بتطورات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وما يرتبط بها من حديث متواتر بشأن أولوية تأمين الحدود المصرية، لاتخاذ القرار الذي جرى تنفيذه بعد ساعات من نشره في الجريدة الرسمية، ما يشي بأن الحكومة اطمأنت كثيرا إلى عدم وجود ردة فعل سلبية تؤثر على تطبيق القرار.
وارتفعت أسعار البنزين بنسبة تصل إلى 14.3 في المئة، وهي الأعلى من حيث القيمة منذ تحرير سعر الوقود قبل حوالي ثلاث سنوات، في ما أبقت الحكومة المصرية على أسعار السولار كما هي، “حرصاً على محدودي الدخل” الذين يستفيدون منه.
وأقرت الحكومة زيادة واحدة على أسعار البنزين هذا العام في مارس الماضي وأخرى للسولار في مايو الماضي، وقررت لجنة التسعير للمنتجات البترولية المعنية بمتابعة وتنفيذ آليات تطبيق التسعير التلقائي للمشتقات النفطية بشكل ربع سنوي، عدم إدخال تعديلات على أسعار الوقود في اجتماعها السابق، ما دفع البعض لتوقع أن تبقى الأسعار بلا تعديلات إلى حين انتهاء انتخابات الرئاسة المقررة في ديسمبر المقبل.
واستفادت الحكومة من الأجواء الأمنية والسياسية في المنطقة لاتخاذ إجراءات صعبة دون ردة فعل قوية رافضة لما تذهب إليه سياساتها، مع تراجع الاهتمام بالسباق الانتخابي الرئاسي، وتصاعد الاهتمام بالأوضاع الاقتصادية مقارنة بما كانت عليه قبل اندلاع الحرب في غزة، كما أن وجود تهديد وجودي جهة الشرق مع الحديث عن توطين فلسطينيين في سيناء كان طاغيا لدى دوائر مصرية عديدة.
وتدرك جهات حكومية أن تحديد مواعيد لمراجعة أسعار الوقود يجعل المواطنين على استعداد لتقبل أيّ زيادات جديدة، حال كانت هناك زيادات مماثلة في أسعار النفط العالمية، ما ساعد اللجنة على رفع أسعار الوقود في ثماني مناسبات سابقة منذ قرار تحرير سعر الوقود، ولذلك نجحت الحكومة في توظيف سياسة التوقع المسبق لارتفاع الأسعار، ما يخفف دوما من حدة الصدمة الشعبية.
ولا يعني الصمت وامتصاص صدمة الارتفاعات في أسعار بعض السلع والخدمات الرضاء عن الأوضاع الداخلية، وأن تراكم المشكلات وزيادة حدة الصعوبات المعيشية قد يفرز مواقف احتجاجية لاحقا وإن كانت هناك أخطار داهمة على الحدود.
وقال رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي (معارض) إيهاب منصور إن الأزمات الخارجية التي تحيط بمصر توازيها مشكلات داخلية ترتبط بالأوضاع المعيشية تأثر بها بعض المواطنين بشكل مباشر، ما يجعل التعويل على تمرير القرارات الصعبة دائما في غير محله، لأنه يضاعف شعور الناس بأنهم أمام حكومة تخفق في مواجهة الأزمات ولا تقوم بدورها في التخفيف من حدتها.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن زيادة أسعار المحروقات في وقت تتزايد فيه معدلات التضخم يشي بأن الحكومة لا تشعر بالأعباء الملقاة على المواطنين، وارتكانها على عدم زيادة السولار باعتبار أن ذلك يخفف عن محدودي الدخل ليس دقيقا مع ضعف أدوات الرقابة على الأسواق، ومن ثم قد يتأثر هؤلاء بزيادة أسعار البنزين.
وأشار إلى أن الحجج التي تسوّقها الحكومة بعدم وجود موارد توظف لدعم السلع والخدمات الرئيسية ليس دقيقا أيضا، فالمشكلة تكمن في ضعف أداء الحكومة وغياب قدرتها التخطيطية وعدم استغلال بعض الموارد الموجودة بصورة جيدة.
وأرجعت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية السبب في زيادة أسعار البنزين إلى أنها خطوة لتقليل الفجوة السعرية بين تكلفة توفير البنزين وسعر بيعه في السوق المحلية، وتثبيت سعر السولار، على الرغم من زيادة الفجوة السعرية بين كلفة توفيره وسعر بيعه في السوق المحلية جاء حرصًا على الصالح العام لما له من تأثير إيجابي على وسائل نقل الركاب والبضائع.
ويتوقع مراقبون أن تذهب الحكومة باتجاه المزيد من تنفيذ السياسات الاقتصادية المرتبطة بشروط صندوق النقد الدولي للحصول على دفعة جديدة من القرض الذي وقعته منذ عام بقيمة 3 مليارات دولار، وبينها تحديد سعر مرن للعملة المحلية.
وقال الخبير الاقتصادي علي الإدريسي إن زيادة أسعار الوقود هذه المرة متوقعة لأن الحكومة حددت في موازنتها الحالية بـ80 دولارا للبرميل الواحد من البترول، فيما قفزت الأسعار العالمية لتصل إلى 90 دولاراً، مع توقعات بأن تصل الزيادة إلى أكثر من 150 دولارا للبرميل حال تمدد الصراع في المنطقة.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة تجاوزت هذه المرة النسبة المقررة في ما يتعلق بالزيادة المنصوص عليها في قانون إنشاء لجنة التسعير التلقائي التي لا تتجاوز 10 في المائة، وأن ذلك يرجع إلى زيادة أسعار النفط الفترة الماضية، متوقعًا أن تعقب قرارات أسعار الوقود إجراءات أخرى على مستوى تخفيض قيمة الجنيه مع اقتراب المراجعتين الثانية والثالثة للحصول على دفعة أو أكثر متأخرة من قرض صندوق النقد قبل نهاية العام الجاري.
ولم يصرف الصندوق سوى 347 مليون دولار قيمة القسط الأول من القرض البالغ 3 مليارات دولار، وتعطل صرف القسط الثاني منذ مارس الماضي بسبب عدم التزام القاهرة بسعر صرف مرن للعملة، وثبات سعر الدولار عند مستوى 30.95 جنيه في البنوك الرسمية منذ أبريل الماضي، مقابل نحو 45 جنيهاً في السوق الموازية أو السوداء، بزيادة تبلغ نحو 45 في المئة.
ولفت الإدريسي إلى أن زيادة أسعار الوقود مقدمة لإجراءات جديدة يمكن وصفها بأنها قاسية على المواطنين، وأن الحكومة بدأت تتهيأ لذلك عبر مجموعة من القرارات المرتبطة بالتفاوض مع دول خليجية لضخ ودائع جديدة في البنوك تصل قيمتها إلى 6 مليارات دولار، والحصول على وديعة صينية قيمتها مليار دولار تقريبا، وعودة مبادرة استيراد السيارات من الخارج، مع توقعات بطرح شهادات ائتمانية جديدة بالبنوك المصرية بالدولار خلال الفترة المقبلة.
وتبدو الحسابات الاقتصادية بشأن جدوى تأخير القرارات الصادمة للمواطنين مُقدمة على الحسابات السياسية مع تراجع الحديث داخليا عن انتخابات الرئاسة المصرية وتوقعات إدخال تعديلات على الحكومة الحالية أو تغييرها بشكل كامل عقب إجراء الانتخابات، ما يفضي إلى تحميلها تبعات سياسية للقرارات الحالية.
العرب