الحركات المسلحة السودانية تعيد تقييم تحالفاتها بسبب خداع البرهان

الحركات المسلحة السودانية تعيد تقييم تحالفاتها بسبب خداع البرهان

الخرطوم – تواجه الحركات المسلحة في السودان مصيرا سياسيا وعسكريا غامضا بعد أن تمسكت بمواقف رمادية وفضلت عدم الانحياز مباشرة لأيّ من طرفيْ الصراع، الجيش وقوات الدعم السريع، ما جعلها تتلقى ضربات مختلفة، آخرها إقالة رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس يحيى من مجلس السيادة، ما يفتح الباب أمام الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام لإعادة تقييم التحالفات.

وقد وجه الهادي إدريس انتقادات لاذعة لقائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقال في بيان له السبت “إن الجبهة الثورية ستسلك طريقا معاكسا لما ذهب إليه الجيش وفلول الرئيس السابق عمر البشير”، ما يدعم إمكانية التقارب سياسيا مع القوى المدنية التي زادت تحركاتها السياسية، ومع قوات الدعم السريع التي تخوض حربا ضارية ضد الجيش.

وأكد رئيس الجبهة الثورية أن قرار إقالته سبقته “حملة إعلامية منظمة من دعاة الحرب وبقايا النظام البائد، وموجهة ضد مواقفي المناهضة للحرب والداعية إلى استعادة السلام والمسار الديمقراطي”.

ورفض الهادي الذهاب إلى بورتسودان التي يوجد فيها ما سمّاه “حكومة الحرب” التي تهيمن عليها الفلول، مؤكدا أن البرهان “اختار الطريق المناهض للثورة وتحالف مع من قسموا البلاد إلى شمال وجنوب ويريدون مزيدًا من التقسيم الآن، وارتكبوا حرب (وارتكبوا جريمة) الإبادة الجماعية في حق الشعوب السودانية الأصلية في أطراف البلاد”.

الإطاحة بالهادي إدريس تكشف أن البرهان لا يمانع في التضحية بقادة الحركات المسلحة إذا لم ينخرطوا في حربه

ويدعم موقف رئيس الجبهة الثورية تكهنات بحدوث تحول لافت في مواقف الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، والتي حافظت على تقارب مع البرهان لتواجدها ضمن هياكل السلطة التي تشكلت عقب ثورة ديسمبر 2019.

وتكشف الإطاحة بالهادي إدريس أن الجنرال البرهان لا يمانع في التضحية بقادة الحركات المسلحة إذا لم ينخرطوا مباشرة في حربه التي يخوضها ضد الدعم السريع.

ويعبر موقف قائد الجيش السوداني عن ارتباك شديد جراء الخسائر العسكرية التي منيت بها قواته في دارفور مؤخّرا، ويبدو أنه كان يعوّل على دور أكبر للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في مساعدته على كسب الحرب وعدم تلقي هزائم متتالية.

وسيطرت قوات الدعم السريع على الفرقة “15 مشاة”، مقر قيادة الجيش في الجنينة بولاية غرب دارفور بعد حصارها لتكون قد أحكمت قبضتها على ثلاث مدن رئيسية، وهي نيالا وزالنجي والجنينة.

وتتجه بعض الحركات المسلحة إلى إعادة النظر في تقديراتها السياسية والعسكرية بعد أن أدركت صعوبة حسم الجيش المعركة لصالحه، وإذا كانت هناك حلول سياسية فمن الأجدى أن تتواجد في خندق القوى المدنية التي تعمل على ترتيب صفوفها بما يدعم الحفاظ على اتفاق جوبا للسلام ويخدم تواجدها في هياكل السلطة مستقبلا.

وشاركت الجبهة الثورية في مفاوضات أجرتها قوى مدنية لتشكيل التحالف المدني الديمقراطي (تقدم) في أديس أبابا مؤخّرا، وكانت الأيام الماضية شاهدة على لقاءات جيدة عقدها الهادي إدريس مع قادة المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير في جوبا.

وقال المتحدث باسم الجبهة الثورية أسامة سعيد لـ”العرب” إن “إقالة الهادي تهدد اتفاق السلام، والجبهة بصدد رفع مذكرة إلى وساطة دولة جنوب السودان وأخرى إلى الدولتين الضامنتين لاتفاق السلام، وهما: الإمارات وتشاد، والشهود على الاتفاق، وهم: مصر وقطر والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، لتدارك الانهيار الكامل للاتفاق وتداعياته الأمنية والعسكرية على السودان والمنطقة”.

وأضاف أن “خرْق البرهان لاتفاق السلام مؤشر خطير على قرب انهياره، وذلك يعد من سمات الأنظمة المتعاقبة في السودان التي تنقض المواثيق والاتفاقيات والعهود. والجبهة تتطلع إلى موقف قوي من الوساطة والضامنين لإنقاذ الاتفاق، وتمرير قرار البرهان دون موقف قوي يعني أنه سيعقبه اتخاذ خطوات بحق جميع أطراف السلام في السودان”.

وأشار سعيد إلى أن الجبهة الثورية لديها موقف واضح يتلخص في ضرورة وقف الحرب والأخذ بالحلول السلمية وإنجاح التفاوض باعتباره الخيار الأمثل لحل الأزمة السودانية، والجبهة ترى أهمية أن تراعي اتفاقات وقف إطلاق النار جذور الأزمة وأسبابها وتؤسس لدولة لها دستور كامل وتنتهي الفترة الانتقالية بالوصول إلى الحكم المدني.

وشدد أسامة سعيد على أن الجبهة الثورية تنخرط في اجتماعات تشكيل جبهة “تقدم” كي تضطلع بدور سياسي ريادي في قيادة الشق المدني بالسودان.

وقد تدفع سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق عسكرية مهمة في إقليم دارفور الحركات المسلحة إلى التخلي عن موقفها الرمادي. وتقاربها مع قوات الدعم السريع يبقى منطقياً في هذه الأثناء، لأن أهدافها التي ترتبط بإيجاد حل جذري للأزمة الراهنة تتماشى مع ما أعلنه قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) مؤخّرا.

وأكد المحلل السياسي السوداني محمد عبدالله ودابوك أن الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا تعيش ضعفا سياسيا جعلها تشاهد تطورات المشهد من دون أن تملك قدرة كبيرة على التأثير فيه، ومواقفها المبهمة أحيانا زادت من مخاوف بعض السودانيين.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “الحركات المسلحة لن تتوحد بشكل كامل خلف معسكر الدعم السريع أو الجيش، لكن سيبقى جزء منها تابعا للطرف الأول وآخر تابعا للمعسكر الثاني أو على مقربة منه، وذلك قد لا يكون له تأثير ملموس على مشهد الحرب أو السلام لأن جزءا مهما من الحركات المسلحة يفتقر إلى الارتباط بالمواطنين السودانيين”.

وتعرضت الجبهة الثورية -التي تشكلت عقب الإطاحة بنظام البشير من حركات مسلحة ومنظمات سياسية- لانقسام، وتضم الآن حركة جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي ويرأسها الهادي إدري، وحركة تجمع قوى تحرير السودان برئاسة الطاهر حجر، ومؤتمر البجا ويرأسه أسامة السعيد، وحركة تحرير كوش برئاسة محمد داوود، والجبهة الشعبية للتحرير والعدالة برئاسة الأمين داوود، والتحالف السوداني برئاسة حافظ إبراهيم عبدالنبي الذي شغل منصب وزير الثروة الحيوانية وأقاله البرهان قبل أيام.

العرب