ضعف ممانعة العراق للنفوذ الخارجي يجعله موضع صراع شرس بين جارتيه الكبيرتين إيران وتركيا، حيث يحاول الأتراك اللّحاق بالإيرانيين الذين سبقوهم لتأسيس نفوذ واسع في الداخل العراقي، لكنّهم أساؤوا السيرة والسلوك في البلد وأوجدوا فيه ثغرات تنموية كبيرة تحاول تركيا اليوم النفاذ من خلالها إلى الساحة العراقية.
بغداد – تُوجّه جهات تركية أصابع الاتهام نحو إيران بممارسة ضغوط على الحكومة العراقية بهدف تعطيل استئناف تصدير النفط العراقي المنتج في محافظة كركوك عبر خط الأنابيب المتجّه من المحافظة صوب ميناء جيهان بولاية أضنة جنوبي تركيا.
وتحاول أنقرة التملّص من المسؤولية عن تعطيل التصدير عبر خط أنابيب كركوك – جيهان بموجب قرار كانت قد اتّخذته بعد صدور حكم عن غرفة التجارة الدولية بتغريمها مبلغ 1.5 مليار دولار على خلفية تصديرها نفط كردستان العراق دون موافقة بغداد.
لكنّ اتّهامها لإيران يُخرج إلى العلن دخولها في صراع أوسع نطاقا ضدّها على النفوذ داخل العراق لا يستثني مناطق جنوب البلاد الموطن الرئيسي للشيعة العراقيين وحيث تحظى إيران بنفوذ واسع تحرسه قوى سياسية شيعية وفصائل مسلّحة.
وتأمل تركيا النفاذ إلى تلك المناطق التي تحوي المنابع الرئيسية للنفط العراقي من بوابة التنمية، بحسب ما تظهره تحرّكات السفير التركي ورجال أعمال أتراك في محافظات جنوب العراق.
واتّهم رئيس مركز أبحاث سياسة وإستراتيجية الطاقة في تركيا أوزكوهان آكينر، إيران بعرقلة إعادة تشغيل خط أنابيب كركوك – جيهان سعيا لنقل نفط الشمال العراقي بالصهاريج صوب محطاتها ومصافيها، مؤكّدا استعداد أنقرة لإعادة تصدير الخام العراقي عبر الخط المذكور.
وترافق هذا الاتّهام مع الإعلان عن اجتماع مسؤولين في قطاع النفط بالحكومة العراقية للمرة الأولى مع ممثلين عن رابطة صناعة النفط في كردستان إبيكور لبحث استئناف التصدير عبر خط كركوك – جيهان.
وأوقفت تركيا تصدير النفط من شمال العراق عبر أراضيها في مارس الماضي، متحججة بعوائق تقنية نجمت عن الزلزال الذي ضرب مناطقها مطلع السنة الحالية. وقال وزير الطاقة التركي في أكتوبر الماضي إن خط الأنابيب بات جاهزا للتصدير، لكن مسؤولين عراقيين كبارا في قطاع النفط قالوا إن سلطات بلادهم لم تتلق أي إخطار رسمي من تركيا بشأن جهوزية الخط.
وقال آكينر خلال برنامج عرضه تلفزيون رووداو الكردي العراقي إنّ “المشاكل السياسية تؤثر على القرارات الاقتصادية، وحتى الآن لم يكن للعراق موقف صريح حول استئناف تصدير نفط إقليم كردستان، فيما تركيا مستعدة لذلك”.
وبشأن وجود دور محتمل لإيران في تعطيل إعادة تشغيل خط الأنابيب، قال الخبير التركي في مجال الطاقة إنّ “مصلحة إيران تكمن في عدم تصدير نفط إقليم كردستان إلى الخارج عبر تركيا. وهي تعمل منذ فترة طويلة على نقله عبر الصهاريج إلى مصافيها ومحطاتها”، مضيفا أن “حكومة الإقليم قامت باستثمارات واسعة وتركيا تهتم بهذه الاستثمارات، لكن إيران تريد الحصول على النفط، ولا تريد أن تشهد المنطقة استثمارا”.
ووصف آكينر البحث عن بديل لتركيا لتصدير النفط العراقي بأنّه “مؤامرة”، معتبرا أنّ “الطريق الوحيد الذي يخلو من المشاكل لتصدير نفط العراق هو ميناء جيهان”، ومحذّرا من أن التصدير عبر لبنان أو سوريا أو الأردن ينطوي على مخاطر كبيرة نظرا لعدم توفر الأمن بسبب التوتّرات القائمة في المنطقة.
ويؤكّد كلام رئيس مركز الأبحاث التركي ما يجري التداول بشأنه داخل الأوساط السياسية والاقتصادية العراقية حول وجود مطامع لتركيا في النفط العراقي، لكنّ ما تضمّنه من اتّهامات لإيران لا يخلو بدوره من حقائق بشأن استخدام طهران لحلفائها في العراق في عمليات سرقة وتهريب النفط ومشتقاته.
وفي أبريل الماضي، كشف مسؤول إيراني بالخطأ عن حجم المشتقات النفطية المهرّبة بشكل يومي من العراق نحو بلاده. وكان محمد حيدري، المسؤول المحلّي في مدينة قصر شيرين التابعة لمحافظة كرمانشاه غربي إيران، يتحدّث آنذاك لوكالة فارس الإيرانية عن النشاط التجاري في المعابر الحدودية بين بلاده والعراق عندما تطرّق بشكل عرضي إلى دخول أكثر من 300 شاحنة محملة بالوقود من إقليم كردستان العراق إلى إيران يوميا.
وجاءت الصدمة مضاعفة من ضخامة الرقم بالنظر إلى أن جزءا كبيرا من المشتقات المهرّبة ليس منتجا محليا في داخل العراق، بل مستورد من الخارج بجزء من عوائد بيع الخام. وعلى الطرف المقابل تطمع تركيا في الحصول على حصّة من الثروة النفطية العراقية، وهو ما ظلت تحصل عليه فعلا من خلال تصدير نفط كردستان العراق عبر خط كركوك – جيهان خارج سلطة شركة سومو الحكومية المخولة قانونا بتصدير النفط العراقي.
◙ بعيدا عن مناطق الشمال العراقي القريبة من حدودها، تمتدّ طموحات تركيا في المنافسة على النفوذ في العراق إلى الجنوب أين يتركّز النفوذ الإيراني
ولم يمنع ذلك من دخول تركيا كمنافس جدّي على النفوذ في محافظة كركوك الغنية بالنفط، مستغلّة الصراع الشديد على المحافظة بين عدّة مكوّنات عرقية وقومية من ضمنها المكوّن الكردي الذي يطالب بضمّ المحافظة إلى إقليمه، والمكون التركماني الذي تحاول أنقرة ممارسة الوصاية عليه بهدف استخدامه في إيجاد موطئ قدم لها في كركوك.
ولا يتردّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في التدخّل في ذلك الصراع العراقي الداخلي، مدّعيا أن لبلاده حقوقا تاريخية في المناطق العراقية. وتوجّه في وقت سابق بالخطاب للزعيم الكردي العراقي مسعود بارزاني بالقول “من أين لك الحق حتى تقول إن كركوك لي.. هل لديك تاريخ في كركوك.. ماذا تفعل هناك وأنت تعرف جيدا من هم الأحق بكركوك”.
وبعيدا عن مناطق الشمال العراقي القريبة من حدودها، تمتدّ طموحات تركيا في المنافسة على النفوذ في العراق إلى مناطق جنوب البلاد حيث يتركّز النفوذ الإيراني لأسباب دينية وطائفية. وتحاول أنقرة استغلال عامل افتقار تلك المناطق للتنمية التي تحوّلت إلى مطلب شعبي وشعار مرفوع في الاحتجاجات الشعبية العارمة التي شهدتها تلك المناطق خلال السنوات الأخيرة.
وتجلّت المطامح التركية في زيارة قام بها السفير التركي لدى العراق علي رضا غوناي بصحبة وفد من رجال الأعمال والمستثمرين الأتراك، مطلع الأسبوع الجاري، إلى محافظتي النجف وكربلاء جنوبي العاصمة العراقية بغداد. وأثناء وجوده في النجف، قال غوناي في منشور على منصة إكس “نحن في مقام أهل البيت برفقة رجال الأعمال”، مضيفا “شركاتنا مستعدة لدعم تنمية النجف”.
العرب