تركيا تتورط بطائراتها المسيّرة في مذابح ينفذها الجيش المالي ضد الطوارق

تركيا تتورط بطائراتها المسيّرة في مذابح ينفذها الجيش المالي ضد الطوارق

الجزائر- وجه شيوخ وزعماء قبائل تقليديون وقادة الرأي في مجتمع الطوارق بإقليم الأزواد خطابا إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، منددين فيه بالصمت الدولي على الوضع الأمني والسياسي والاجتماعي الذي يتخبطون فيه بسبب عمليات القتل والتهجير التي يقوم بها الجيش المالي، بدعم من قوات مجموعة فاغنر وطيران تركيا. واتهموا تحالف “ليبتاكو – غورما” (يقصد به كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو)، إلى جانب فرنسا والجزائر، بالمساهمة في وصول المنطقة إلى الوضع المأساوي الذي تعيشه.

وذكر الموقعون الثلاثة والعشرون -ومن بينهم محمد آغ إنتالا زيد أغ حمزة وشغيب أغ الطاهير والطاهير أغ إنقدا- على الخطاب الموجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة في نهاية شهر أكتوبر الماضي أن “الحرب التي شنتها الحكومة الانتقالية في مالي ضد الإطار الإستراتيجي الدائم للسلام والأمن والتنمية (تحالف الحركات والتنظيمات الحركية والاثنية) هي حرب شاملة، ترافقها كارثة إنسانية”.

ووجه زعماء المجتمع التارقي أصابع الاتهام إلى المجلس العسكري الحاكم في مالي، وإلى مسلحي مجموعة فاغنر وتركيا، بسبب دعمها للعملية بالطائرات المسيرة التي يُقْصف بها السكان المحليون العزل، ولم يسلم منها الأطفال ولا النساء.

المجلس العسكري الحاكم يمنح مهندسين أتراكا من شركة “بايكار” أوسمة فخرية، ما يشير إلى مدى التعاون والانسجام بين الطرفين

واستعرض موقع ” تاناكرا الإعلامية” (النهضة الإعلامية)، التي تتبنى الدفاع عن قضايا الشعب الأزوادي، العديد من الصور والتسجيلات التي تذكر أن أصحابها هم ضحايا القصف والمجازر العسكرية التي ينفذها الجيش المالي بدعم من فاغنر الروسية وتركيا.

ولفت إلى أنه منذ خروج الفرنسيين وقوات حفظ السلام الأممية (مينوسما) من المنطقة ازدادت الاعتداءات المسلحة على السكان الأزواديين، خاصة خلال هذا الشهر، حيث نفذ الجيش المالي العديد من العمليات المسلحة التي راح “ضحيتها أكثر من 30 مواطنا من بينهم أطفال مدارس”.

وأضاف “قبل أن يبدأ عمليته العسكرية الحالية، هيأ المجلس العسكري الظروف التي سمحت له بارتكاب مجازر في ظلام دامس؛ أي طرد الشهود، مثل فرنسا وبعثة مينوسما التابعة للأمم المتحدة، من الأراضي الوطنية واستخدام الإرهابيين المرتزقة الروس من شركة فاغنر الروسية”.

وذكر الخطاب، الذي وجهت نسخ منه إلى الجزائر وفرنسا، أنه “لم نفكر أبدا للحظة في أن تركيا ستدخل في شراكة مع دولة توظف مرتزقة إرهابيين خارجين عن القانون، لقتل المسلمين في منازلهم من خلال تقديم وسائلها وتقنياتها لمضاعفة معاناة شعب أزواد المضطهد، وأن الآلة التركية هي التي ستفعل ذلك، والتي أودت بحياة أطفالنا”.

وأضاف الأعيان والقادة المحليون بنبرة يملؤها الشعور بالخيبة “نحن سعداء، مثل كل المسلمين، بقدرة تركيا على تصنيع طائرات دون طيار متطورة وذات ظهور ملحوظ على الساحة الدولية، لكن للأسف يتعرض شعبنا الأعزل هذه الأيام لمجازر ترتكبها القوات المسلحة المالية ومرتزقة فاغنر، الذين يغزون منطقة أزواد بسكانها وممتلكاتها وإنجازات النضال السياسي الأزوادي، باستخدام طائرات ‘بايكار’ تركية الصنع، وكل ذلك غير مقبول وغير مفهوم من جانب دولة مسلمة ضد إخوانها المسلمين”.

ولفتوا إلى أن المجلس العسكري الحاكم في سعيه المتهور يمنح مهندسين أتراكا من شركة “بايكار” أوسمة فخرية بعد مذبحة ضد المدنيين الأزواديين، في إشارة إلى مدى التعاون والانسجام بين الطرفين.

وحمّلوا تركيا مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع؛ باعتبارها دولة تعرف ظروف السكان الذين يدينون بالدين ذاته الذي تدين به، ولأن كل أدواتها تُستخدم في ضرب أهداف مدنية لإبادة السكان المسلمين في أزواد وإجبارهم على مغادرة مناطق إقامتهم والتخلي عن ممتلكاتهم.

ويعود صراع الأزواديين إلى خمسينات القرن الماضي، إبان التواجد الاستعماري الفرنسي في المنطقة؛ حيث طالب قادة المجتمع، في عريضة لهم وجهوها إلى الجنرال ديغول، بالاستقلال وعدم إلحاقهم بحكومات المنطقة الجنوبية (مالي والنيجر)، وفي عام 1963 قاموا بأول انتفاضة ضد حكومة موديبو كيتا الشيوعية.

وكفل اتفاق الجزائر المبرم عام 2015، للسلم والمصالحة الوطنية في مالي، نوعا من الاستقلال للأزواديين في الشمال، إلا أن تعدد الأنظمة السياسية الحاكمة في باماكو أدخل الوثيقة في حالة جمود، خاصة في ظل سعي المجلس العسكري الحاكم حاليا إلى التنصل من بنوده.

ودخول مسلحي مجموعة فاغنر وتركيا على خط الأزمة جاء على حساب طموحات ونضالات السكان ليزيد من حالة الاحتقان والغضب، في ظل الصمت والتجاهل الإقليميّيْن والدوليّيْن اللذيْن يلفان وضعيتهم الأمنية والسياسية، خاصة من طرف الجزائر التي تداري الوضع من أجل ضمان عدم تمدد الفوضى إلى إقليمها الجغرافي، وعدم فرض الالتزام بتطبيق الاتفاق الذي ترعاه منذ ثماني سنوات.

زعماء المجتمع التارقي يوجهون أصابع الاتهام إلى المجلس العسكري الحاكم في مالي، وإلى مسلحي مجموعة فاغنر وتركيا

ويبرز الناشط عطية أغ محمد السوقي ضمن مقال له على منصة “تاناكرا الإعلامية”، في تعليق له على “الموقف المخيب” للأتراك تجاه أشقائهم الأزواد، طموح السكان السياسي قائلا “نحن شعب أصيل في المنطقة لدينا الحق في تقرير مصيرنا، ونأمل تفهم نوايانا كما نعرب عنها، دون الاكتفاء بروايات أحادية الجانب، والتي تصفنا بالإرهاب”.

ودعا إلى “توقيف المجازر البشعة التي يرتكبها المجلس العسكري بالتعاون مع فاغنر، والتي راح ضحيتها المئات من الشعب البريء”، وأكد أن الحملة الأخيرة لمالي وفاغنر “لم تقم بتصفية أي إرهابي (…)، بل هي استهداف صارخ للطوارق والعرب”.

وسجلت المنطقة منذ بداية شهر نوفمبر الجاري العديد من العمليات العسكرية التي أوردتها منصات أزوادية على أنها تقتيل وتهجير وقمع للسكان المحليين، وذكرت منها العملية التي تمت الثلاثاء الماضي بواسطة طائرات مسيرة تركية وراحت ضحيتها مجموعة من الأطفال أمام المدرسة بالقرب من المخيم الذي تركته مينوسما في كيدال، فضلا عن غارات أخرى استهدفت اجتماعا لوجهاء المدينة داخل المدينة، كما سقط في المدة نفسها 14 ضحية من بينهم أطفال وأعيان، وأصيب 30 شخصا من بينهم 21 طفلا، بحسب مصادر محلية.

واستؤنفت المعارك الأحد بين الجيش المالي والطوارق في منطقة كيدال التي تشكل رهانا أساسيا للسيادة بالنسبة إلى الدولة المركزية فيما يتحرّك الجيش باتّجاهها، وفق ما أفاد به مسؤولون عسكريون ومسؤولون منتخبون. وأكد كل طرف إحراز تقدم على حساب الآخر خلال الاشتباكات التي تقع، وفقًا لمصادر مختلفة، على بعد عشرات الكيلومترات من كيدال.

العرب