أعلنت كتائب عز الدين القسام مقتل مجندة إسرائيلية أسيرة وإصابة جندي إسرائيلي أسير آخر، وذلك خلال واحدة من الغارات العشوائية التي تشنها الطائرات الحربية الإسرائيلية على قطاع غزة، وسبق للمقاومة الفلسطينية أن أبلغت عن مقتل نحو 60 من المحتجزين لديها بسبب عمليات القصف الإسرائيلية الكاسحة.
بذلك فإن الدلائل تتزايد على لجوء القيادات العسكرية الإسرائيلية إلى تطبيق «بروتوكول هانيبال» الشهير، الذي ينفرد به جيش الاحتلال الإسرائيلي ولا يُعرف له نظير في أي من جيوش العالم شرقاً وغرباً، ويقوم على قاعدة «جندي قتيل خير من جندي أسير». والإجراء يفوّض مختلف الصنوف العسكرية، من رتبة رقيب إلى رتبة جنرال، باستخدام «كل الوسائل» لقطع الطريق على أسر الجنود، بما في ذلك «شطب أو إصابة الأسير نفسه» لأنّ الأسر «مشكلة وطنية» حسب منطوق البروتوكول. وأما حصيلة تطبيقات هذا التوجيه فقد كانت مقتل جميع جنود الاحتلال، ما عدا جلعاد شاليط الذي نجا بالصدفة فقط، من دون احتساب القتلى من المحتجزين الإسرائيليين في القطاع هذه الأيام.
تجدر الإشارة أولاً إلى أن سيرورة اعتماد البروتوكول في سنة 1986 وتفعيله في مناسبات عديدة لاحقة حتى الساعة، ظلت سرية ومستقلة وعابرة لحكومات الاحتلال على اختلاف ألوانها اليمينية أو اليسارية أو الائتلافية. وحدث أن أحد المشاركين في صياغته التأسيسية كان غابي أشكنازي الذي تبوأ رئاسة أركان جيش الاحتلال، وأحدث المنخرطين في تطويره ليس سوى بيني غانتس وزير الدفاع السابق وزعيم حزب «أزرق أبيض» والعضو الحالي في المجلس الحربي الذي يدير آلة الحرب المتوحشة على قطاع غزة.
والكيان الذي يزعم التمسك بحريات التعبير والرأي والصحافة، ويتفاخر أنصاره هنا وهناك في «العالم الحر» بأنه الواحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، فرض على الدوام رقابة صارمة في كل ما يخص التطرق إلى «بروتوكول هانيبال» في وسائل الإعلام أو لدى المنظمات الحقوقية والقانونية الإسرائيلية ذاتها. أكثر من ذلك، ما يُتاح لعناصر جيش الاحتلال الميدانية أن تطبقه من عناصر البروتوكول ليس سوى النسخ الشفهية، وأما النسخة الأمّ المدوّنة وتعديلاتها فهي منحصرة في شريحة عليا محدودة من كبار قادة الأركان.
كل هذا بالرغم من أن البروتوكول طُبّق مراراً منذ التأسيس بصرف النظر عن طبيعة التعديلات التي أُدخلت عليه: في مزارع شبعا سنة 2000، وكرم أبو سالم وعيتا الشعب 2006، ومعبر بيت حانون 2009، وغزة 2008-2009، والشجاعية (138 شهيداً فلسطينياً) ورفح (190 شهيداً) 2014، إلى جانب الوقائع الأشد دموية في الحرب الوحشية المتواصلة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ضد الأطفال والنساء والشيوخ في القطاع، وبالتالي ضدّ الأسرى الإسرائيليين أنفسهم.
وإذا كانت قلة قليلة تماماً من نشطاء حقوق الإنسان في داخل دولة الاحتلال ذاتها تطلق على البروتوكول تسمية «الخيار الوحشي» فإن هذا المبدأ لا نظير له لدى أيّ من البرابرة على مدار التاريخ، ويبقى وصفة دموية وسافرة تنطوي على العناصر الكفيلة بتشخيص أبشع جرائم الحرب الإسرائيلية.