قلب التحول المفاجئ للحوثيين من محادثات السلام إلى الهجمات الصاروخية التي تستهدف إسرائيل ما بدا أنه ارتداد عن العنف ولجوء إلى لغة الحوار.
وقال الباحث الأمريكي آشر أوركابي في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” إنه قبل أقل من شهر، بدا الأمر كما لو أن جماعة الحوثي على وشك التوصل إلى اتفاق سلمي مع المملكة العربية السعودية والحكومة الجمهورية اليمنية المعترف بها دوليا.
وأدى هدوء القتال النشط في اليمن إلى اعتقاد البعض بأن جماعة الحوثي المسلحة قد هدأت وأنها مستعدة للجلوس على الطاولة الدبلوماسية، وتمثيل مصالح سكان اليمن الشماليين. كما أثار تطبيع العلاقات السعودية الحوثية مزيدا من التشكيك في الروابط المزعومة بين الجماعة المتمردة وإيران.
لكن في تناقض صارخ، بعد هجمات غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، سمحت قيادة الحوثيين بإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة متعددة في اتجاه المنطقة الجنوبية لإسرائيل.
ويقول أوركابي إن الانضمام إلى حرب بعيدة وإنفاق موارد ثمينة في الوقت الذي تعاني فيه البلاد مما تصفه الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية من صنع الإنسان في العالم قد يبدو وكأنه سلوك قيادة متوهمة. ومع ذلك، فقد تم القيام به في الواقع بحسابات باردة ويحمل عواقب إقليمية مخيفة أكثر بكثير من عدد قليل من الصواريخ.
ومع استمرار الحرب في اليمن منذ الهجوم الحوثي الأول على العاصمة صنعاء في عام 2014، ازداد استياء السكان من الوضع الإنساني البائس وتقييد السفر والحكم الصارم. وشعار الحوثيين “الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود والنصر للإسلام” لا يفعل الكثير لتحسين الحياة اليومية لليمنيين. ومع تراجع شعبيتهم وشرعيتهم، اتجه الحوثيون إلى طاولة المفاوضات مع المملكة العربية السعودية، وهم على استعداد ظاهريا للتفاوض على وقف إطلاق النار وإنهاء الصراع، بحسب الكاتب.
وفي 7 تشرين الأول/أكتوبر، وفر هجوم “حماس” الذي يصعب فهمه في إسرائيل هدية سياسية للحوثيين، حيث خرج ملايين المتظاهرين إلى الشوارع في جميع أنحاء الشرق الأوسط، احتفالا بحماس ودعوا إلى مزيد من العنف ضد إسرائيل. وألقى عبد الملك الحوثي خطابا متشددا، مستشعرا الاحتجاج الشعبي المتزايد وفرصة لتعزيز صورة جماعته المعادية لإسرائيل، محذرا الولايات المتحدة وإسرائيل من دخول الحوثيين المحتمل في الحرب مع إسرائيل.
وبمشاهدة مئات الآلاف من المتظاهرين في الشارع، الذين تجمعوا لأسباب لا علاقة لها بالسياسة اليمنية، رأت قيادة الحوثيين فرصة لحشد الرأي العام لصالحهم. وبدلا من مجرد الاستمرار في ترديد شعارها الذي يدعو إلى “الموت لإسرائيل”، اختارت المؤسسة العسكرية الحوثية إعلان الحرب على إسرائيل، وإطلاق الصواريخ على مدينة إيلات الساحلية جنوبا، وعلى الأرجح المواقع النووية الإسرائيلية حول مدينة ديمونة.
وبهذا القرار، بحسب الكاتب، ربما يكون الحوثيون قد تمكنوا من إحياء شعبيتهم الضعيفة في اليمن وانسحبوا من جانب واحد تقريبا من مفاوضات السلام مع السعودية. ولن يروا بعد الآن الحاجة إلى التوصل إلى تسوية سياسية مع خصومهم، بعد أن قاموا بتحول في اتجاه العلاقات العامة لتحسين حظوظهم السياسية المتدهورة. وكان إعلان الحوثيين الحرب ضد إسرائيل، في الواقع، إعلان انتصار ضد قوات المعارضة في اليمن، والتي لا يمكن لأي منها الآن منافسة الجماعة التي صورت نفسها على أنها محارب مقدس ضد إسرائيل.
ومن خلال مهاجمة إسرائيل والدخول في الصراع إلى جانب حماس وحزب الله، أعلن الحوثيون رسميا عن انتمائهم إلى إيران. ويتم تدريب وكلاء إيران المسلحين لغرض واحد “وهو زعزعة استقرار الحكومات، وإغراق المنطقة في اضطرابات ودمار دائمين” بحسب الكاتب.
ويرى أوركابي أنه ليس هناك شك في أن قوات الحوثيين ستستمر في إطلاق الصواريخ على إسرائيل، مدركة أنه حتى الفرصة البعيدة لضربة ناجحة ستزيد من مكانة جماعتهم في المنطقة بشكل كبير. ومع ذلك، فإن خطر صعود الحوثيين وتشددهم لا يقتصر على الأراضي الإسرائيلية والسعودية. ويطل الجزء الذي يسيطر عليه الحوثيون من اليمن على نقطة الاختناق البحرية المهمة لمضيق باب المندب. ويبلغ عرضه تسعة وعشرين كيلومترا فقط في أضيق نقطة له، وهو رابع أكثر الممرات المائية ازدحاما في العالم، حيث يربط بين البحر الأحمر والمحيط الهندي.
وفي ختام تقريره يقول أوركابي إنه سيكون لإعلان الحوثيين الحرب ضد إسرائيل تداعيات محليا وإقليميا وعالميا. وسيتم إعلان النصر في الحرب الأهلية في اليمن، حيث لعب الحوثيون أقوى أوراقهم في مهاجمة إسرائيل والاستفادة من المشاعر الشعبية الصاخبة التي تحتفل بموقف حماس. فقد اكتسبت إيران ووكلاؤها اليد العليا في المنطقة، مع القدرة على نشر الفوضى وعدم الاستقرار، وكل ذلك باسم خوض حرب ضد إسرائيل. وقد دفع الحوثيون أنفسهم إلى مركز المشاحنات الدبلوماسية في المنطقة. وقد يكون تركيز العالم على غزة الآن، لكن الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الحوثيون حولت التهديدات المحتملة في منطقة الشرق الأوسط الأوسع إلى مخاطر حقيقية وأجبرت العالم على تركيز الانتباه عليها. ومع ذلك، فقد بدأ للتو رؤية تداعيات هذه الأخطار.