شبهة الخضوع لدوائر النفوذ السياسي تلاحق القضاء العراقي

شبهة الخضوع لدوائر النفوذ السياسي تلاحق القضاء العراقي

إصدار المحكمة الاتحادية العراقية لقراراتها في أوقات معينة، وتناسُق تلك القرارات مع توجّهات سياسية دون أخرى، يثير الشبهات بشأن استقلاليتها وابتعادها عن تأثيرات دوائر النفوذ، ويذكي الهواجس من تحوّلها إلى أداة فاعلة لتصفية الحسابات واستبعاد الخصوم.

بغداد – أثار صدور قرار المحكمة الاتّحادية العراقية باستبعاد محمدّ الحلبوسي من عضوية مجلس النواب في أوج حملة إعلامية مكثفة تعرّض لها خلال الفترة الأخيرة، الأسئلة مجدّدا بشأن مدى استقلالية المحكمة ومناعتها ضدّ أي تأثيرات جانبية واعتبارات سياسية.

وبدا القرار الذي أدى إلى استبعاد السياسي السنّي المرموق من رئاسة البرلمان، وكأنّه تتويج لعملية “قصف” إعلامي مركّز شنته وسائل إعلام تابعة لأحزاب وشخصيات سياسية شيعية وسنيّة وتضمّن سيلا من التهم للحلبوسي بالفساد واستغلال السلطة، ولم يستثن الطعن في وطنيته من خلال اتهامه بالعمل ضد المصالح العليا للبلاد والتخابر مع جهات خارجية.

وأثارت القضية حفيظة منتقدي المحكمة الاتّحادية الذين غالبا ما يستندون في انتقاداتهم لها إلى وقائع برزت فيها شبهة التسييس بشكل واضح، ومن ذلك قرارها سنة 2010 بشأن الكتلة البرلمانية الأكبر والذي يوصف بـ”التاريخي” بالنظر إلى تأثيره العميق في مسار العملية السياسية في العراق وتوجيهها وجهة نجمت عنها أضرار كارثية للبلد وشعبه.

وكان السياسي المخضرم إياد علاوي قد حصل في الانتخابات التشريعية التي أجريت في تلك السنة على العدد الأكبر من مقاعد البرلمان واستحق بذلك الحصول على امتياز تشكيل الحكومة، لولا تدخل المحكمة وإصدارها فتوى بأن صاحب الكتلة الأكبر هو من يستطيع أن يجمع أكبر تكتّل تحت قبة البرلمان في أول جلسة له بعد الانتخابات، ما جعل نوري المالكي يفوز بولاية ثانية على رأس الحكومة، وهي ولاية شابها فساد كبير وتهالكت خلالها مؤسسات الدولة بما في ذلك المؤسسة الأمنية، وانتهت سنة 2014 بسيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من أراضي العراق الذي دخل في تلك السنة في حرب مدمّرة ضدّ التنظيم تكبّد خلالها خسائر مادية وبشرية لا يزال إلى اليوم يعاني تبعاتها.

ودعا وزير الخارجية العراقي الأسبق هوشيار زيباري إلى تشريع قانون جديد لتشكيل المحكمة الاتحادية. وقال في تعليق عبر منصة إكس “قلناها ونقولها بأن المحكمة الاتحادية غير دستورية وتسيس قراراتها لتصفية حسابات سياسية داخلية وخارجية باسم القضاء والعدالة”.

وأكّد زيباري العضو في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني أنّ “الوقت حان لتشريع قانون جديد لتشكيل المحكمة وفق ما جاء في الدستور لأنها أصبحت تطغى على القرارات التنفيذية والتشريعية”، متسائلا “أين هو مبدء الفصل بين السلطات”.

وتحذّر شخصيات سياسية عراقية ممّا تسميه “تغوّل” المحكمة الاتّحادية بسبب كونها أعلى سلطة قضائية في البلاد وقرارتها غير قابلة للطعن.

وترى أنّ مأتى الخطر الكبير هو أن يتمّ اختراق مؤسسة بمثل تلك الصلاحيات من قبل أصحاب النفوذ السياسي، لتتحوّل بذلك إلى سلاح بأيديهم يستخدمونه ضدّ خصومهم ومنافسيهم.

ويقول البعض إنّ تأمّل أهمّ القرارات التي اتّخذتها المحكمة الاتحادية العراقية طيلة السنوات الأخيرة يبيّن أنها سارت في اتّجاه واحد يصبّ في مصلحة الشخصيات والأحزاب والفصائل الأكثر نفوذا وتحكّما في مقاليد السلطة، على حساب خصومها ومنافسيها.

وعلى سبيل المثال أبطلت المحكمة في أكتوبر سنة 2016 قرارا كان قد اتّخذه رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي بإلغاء مناصب النواب الثلاثة للرئيس وقررت إعادتهم إلى تلك المناصب.

وكان من بين هؤلاء النواب الثلاثة نوري المالكي الذي يكون بذلك قد استفاد للمرة الثانية من قرارات المحكمة التي كان يرأسها آنذاك صديقه مدحت المحمود.

ويمكن أن ينطبق الأمر على قضية الحلبوسي الذي دخل خلال الفترة الأخيرة في خلافات حادّة مع أبرز مكونات الإطار التنسيقي المشكّل من أحزاب شيعية والذي يعتبر الطرف الأبرز في تشكيل الحكومة الحالية.

وتقول مصادر سياسية عراقية إنّ الخلافات بدأت مع مطالبة الحلبوسي الذي يرأس حزب تقدّم بتنفيذ وعود كان قد حصل عليها من خلال تحالفه مع الإطار عندما كان الأخير يصارع التيار الصدري على تشكيل الحكومة.

وتشرح ذات المصادر أنّ الحلبوسي هدّد بالعودة إلى تحالفه الأصلي الذي كان قد دخل فيه بعد الانتخابات الماضية ويضم إلى جانب الحزب الديمقراطي الكردستاني تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر العدو اللدود لأحزاب الإطار وقياداته.

وعلى هذه الخلفية لم تستبعد مصادر عراقية أن يكون القرار القضائي الأخير ضدّ زعيم حزب تقدم جزءا من عملية تصفية حسابات سياسية معه، خصوصا وقد سبق وأنّ تعرّض للترهيب من قبل ميليشيا شيعية مسلحة استهدفت منزله بالصواريخ.

واتّهم أحمد الحاج رشيد، النائب السابق في البرلمان العراقي، جهات عراقية نافذة بالعمل على إزاحة أي شخصيات سنية أو كردية هامة من المناصب القيادية في السلطة حتى لا تتحوّل إلى رموز لمكوناتها وهو ما ينطبق، حسب رأيه، على الحلبوسي الذي حصل على ولاية ثانية على رأس البرلمان.

المحكمة الاتّحادية العراقية تستبعد محمدّ الحلبوسي من عضوية مجلس النواب في أوج حملة إعلامية مكثفة تعرّض لها

وقال في حديث نقلته مواقع إخبارية عراقية إنّ قرار الحلبوسي وحزبه الدخول في تحالف ثلاثي مع الصدر وبارزاني أدى إلى إحداث شق في البيت الشيعي، وهو الأمر الذي يعاقب عليه زعيم حزب تقدم في الوقت الحالي.

وأكّد الحاج رشيد أن الحلبوسي كان على علم بما سيحدث له، لكنّه لم يتوقّع أن يحدث في الوقت الحالي لأنّه كان يعتبر أن الإطار التنسيقي وحكومة محمد شياع السوداني مازالا بحاجة إليه.

واعتبر أن إزاحة الرجل جاءت مبكرا نظرا لانتفاء الحاجة إليه بعد أن تمّ إنجاز قانون للموازنة لمدة ثلاث سنوات وإدخال تغييرات على المفوضية العليا للانتخابات وتعديل القانون الانتخابي.

ومن جهته انتقد سامان سوران، الخبير في العلاقات الدولية، المحكمة الاتحادية قائلا “قامت هذه المحكمة بالكثير من الأعمال ضد الأكراد أحدها إلغاء قانون النفط والغاز، وبعض القضايا الأخرى التي ليست من اختصاصها”.

وتساءل في حديث لموقع كردستان 24 لماذا تتخذ المحكمة قرار استبعاد الحلبوسي في هذا الوقت بالتحديد قبل انتخابات مجالس المحافظات ما يمثل استهدافا لزعيم مكون وازن؟ مؤكّدا وجود غرض سياسي وراء ما قامت به المحكمة.

العرب