يبدو أن عام الهدوء النسبي الذي عاشته أطراف “الإطار التنسيقي” للقوى الشيعية قد شارف على نهايته بملفات ساخنة تهدد الأجواء السياسية في البلاد، خصوصاً مع احتمالات أن يعقّد ملف إقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وإعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مقاطعة تياره الانتخابات المحلية المقبلة.
وفتحت قضية إقالة الحلبوسي الباب أمام جميع السيناريوهات في ما يتعلق بالانتخابات المحلية في البلاد والتي من المفترض إجراؤها في 18 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، الأمر الذي يثير عدداً من الشكوك بشأن إمكانية إجرائها في موعدها خصوصاً مع الإشكالات السياسية الأخيرة.
وخلال الساعات القليلة الماضية، احتدمت النقاشات داخل الأروقة السياسية للقوى المختلفة بشأن ملف تأجيل الانتخابات المحلية، على رغم النزعة الواضحة لقيادات رئيسة داخل “الإطار التنسيقي” للقوى الشيعية لإجرائها في موعدها المقرر.
وفيما أعلن “الإطار التنسيقي” التزامه بقرار إنهاء عضوية رئيس البرلمان، أعلن أيضاً التزامه بـ”قرار مجلس النواب بإنجاز الاستحقاق الدستوري المتمثل بإجراء الانتخابات المحلية منتصف الشهر المقبل”. وعلى رغم الاعتراضات على تأجيلها، ربما تدفع أي اضطرابات سياسية مقبلة هذه الأطراف على العدول عن موقفها، خصوصاً في حال اتخاذ زعيم التيار الصدري قراراً بتصعيد الأزمة إلى مستويات أعلى.
معادلة جديدة للسلطة
وتصاعد الحديث عن احتمالات التأجيل أو دمج الانتخابات المحلية بالبرلمانية مع تصعيد الصدر الأخير، إذ تلى دعوته إلى مقاطعة الانتخابات حراك من قبل أتباعه في محافظات عدة طردوا خلاله مرشحين وقاموا بتمزيق صور للدعاية الانتخابية. وشهدت محافظة النجف حوادث عدة لتمزيق صور مرشحين، في حين يشير مراقبون إلى أن هذه الأحداث ربما تتصاعد مع اقتراب موعد الانتخابات. وعلى رغم حسم “الإطار التنسيقي” الجدل بشأن عدم تأجيل الانتخابات، تشير تسريبات إلى أن بعض الأطراف داخل “الإطار” تسعى إلى الدفع بتأجيل الانتخابات لثلاثة أشهر على الأقل، الأمر الذي يبقي الاحتمال موجوداً.
ورأى رئيس المركز “العراقي – الأسترالي” للدراسات أحمد الياسري أن ما جرى في قضية إقالة الحلبوسي “يؤسس لمعادلة سلطة جديدة تتجاوز مساحات التوافق الأميركي – الإيراني الذي تشكلت الحكومة العراقية وفقه”. وتبدو الغاية الرئيسة من كسر “ثنائية واشنطن – طهران”، بحسب الياسري، محاولة “تطويع المناطق السنية بشكل أكبر لمصلحة النفوذ الإيراني”. وأضاف أن “تأزم الأوضاع في المنطقة وعودة حال التأزم في العلاقة بين واشنطن وطهران دفعت الأخيرة إلى محاولة تحصين أوضاعها في العراق بشكل أكبر من خلال إحاطة السلطة في البلاد بأكبر عدد من الموالين أو القريبين منها”. واستبعد الياسري الحديث عن احتمالات تأجيل الانتخابات المحلية المقبلة، مشيراً إلى أن هذا التأجيل “يتنافى مع الخطوات السياسية التي يقوم بها حلفاء طهران”. ويبدو أن “إخلاء ساحة التنافس الانتخابي من غالبية الأطراف غير الخاضعة بشكل تام للنفوذ الإيراني” يمهّد الطريق أمام “سيطرة شاملة لحلفاء طهران والمقربين منهم على كل مجالس المحافظات خلال الانتخابات المحلية المقبلة”.
سيناريوهات تحيط بالأجواء العراقية
وعلى رغم كل تلك المعطيات، إلا أن احتمال أن يثير زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تصعيداً في الشارع العراقي مدفوعاً باستغلال قضية إقالة الحلبوسي ربما يهدد إمكان إجراء الانتخابات في موعدها المقرر منتصف شهر ديسمبر المقبل. وأشار الياسري إلى ثلاثة سيناريوهات تحيط بالأجواء السياسية في البلاد، يرتبط الأول بـ “مضي أطراف الإطار التنسيقي نحو إجراء الانتخابات وانتظار تهدئة الأجواء في ما بعد”، إلا أن هذا السيناريو ربما يصطدم بإمكان أن “يثير الصدر الأجواء السياسية مدفوعاً بالمخاوف من إحكام التيارات الموالية لإيران السيطرة على كل المجالس المحلية في مناطق نفوذه وخارجها”. أما الاحتمال الثاني بحسب الياسري، فيتعلق بـ”اتخاذ هذه القوى خياراً بتأجيل الانتخابات لحين امتصاص غضب الصدر من جهة وتهدئة الأجواء السنية المؤيدة للحلبوسي”، مرجحاً عدم اتخاذ “الإطار التنسيقي” خياراً كهذاً. ولفت إلى أن احتمالات تصعيد التيار الصدري في المرحلة الحالية “ستفرض نفسها على زعيمه”، خصوصاً أن الأخير “كان طوال العام الماضي ينتظر حدثاً يعيده إلى الأجواء”. ولعل ما يمكن أن يدفع التيار الصدري إلى اتخاذ خيار بالتصعيد يرتبط بإقالة حليف الصدر ضمن “التحالف الثلاثي” من منصبه، فضلاً عن أن الخصومة، هذه المرة، مع المحكمة الاتحادية التي كانت تفسيراتها للمواد الدستورية سبباً رئيساً في إبعاد الصدر وحلفائه عن السلطة بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
وتابع الياسري أن السيناريو الثالث يتعلق بـ”إمكان أن يسحب الحلبوسي نواب كتلته، الأمر الذي سيمثّل ضربة إضافية لشرعية البرلمان وإدخال البلاد في أزمة جديدة، بعد أزمة انسحاب التيار الصدري”، مبيناً أن هذا الأمر “سيرفع من احتمال دخول الصدر المباشر على خط الأزمة”. وختم أن ما يجري في العراق يمثّل “لحظة مفصلية وتاريخية تخلو منها الجبهات العراقية سواء في المناطق السنية أو الشيعية من أي جبهات تناوئ أو تشاكس النفوذ الإيراني، عدا بعض القوائم التي انبثقت من الاحتجاجات والتي تقاطع قواعدها الشعبية منذ عام 2018″، مضيفاً أن “تلك الأجواء ترفع احتمال إقدام أطراف الإطار التنسيقي على إجراء الانتخابات في موعدها”.
خيار وارد بالمقاطعة
ويرى مراقبون أن الغاية الرئيسة لاندفاع “الإطار التنسيقي” نحو إجراء الانتخابات المحلية في موعدها، هو السعي لإنهاء أي وجود سياسي أو خدمي للتيار الصدري في مؤسسات الدولة، والذي أضيف له إبعاد الحلبوسي الحليف السابق للصدر، ما يجعل مساحة التنافس في الغالب بين أطراف “الإطار التنسيقي” وحلفائه.
ورأى رئيس مركز “التفكير السياسي” إحسان الشمري أن اقالة الحلبوسي أسهمت بشكل واضح في “إرباك ملف الانتخابات المحلية خصوصاً أن حزبه يعدّ المنافس الأبرز على الساحة السنية وحتى داخل المناطق المشتركة انتخابياً”، مضيفاً أن هذا الإبعاد ربما “يدفع الحلبوسي إلى اتخاذ خيار بالمقاطعة”، الأمر الذي “سيمثّل عامل إحباط كبير لمؤيديه وتجدد شعور الإقصاء الذي يمارسه الائتلاف الشيعي الحاكم ضد القيادات السنية، ما سيضاعف من انخفاض نسبة الاشتراك على مستوى البلاد بالتزامن مع دعوة الصدر أنصاره إلى المقاطعة”. وعلى رغم كون المؤشرات السياسية تدلل إلى إمكان تأجيل الانتخابات المحلية، بحسب الشمري، إلا أن قوى “الإطار التنسيقي” ستعمل على “الاستغلال الأقصى لغياب كل من الصدر والحلبوسي عن مشهدها، خصوصاً أن الأخير بات ينافس حتى في بغداد”، ولعل ما يدفع “الإطار التنسيقي” إلى الإصرار على إقامة الانتخابات في موعدها، هو كون “خصوم الحلبوسي في الأجواء السنية حلفاء للإطار التنسيقي”. ولفت الشمري إلى أن هذه المعطيات “تدفع الإطار لاستغلال تلك الظروف لتوسعة نفوذه”. وختم أن ما يجري يمثّل “استكمالاً لمشروع استحواذ الإطار التنسيقي على الحكومات المحلية بعد السيطرة على الحكومة المركزية في بغداد مدفوعة بتمكنه من إقصاء التيار الصدري من مراكز السلطة”.
وكانت مجالس المحافظات في العراق أُلغيت على خلفية مطالبة المحتجين العراقيين، خلال انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) التي اجتاحت البلاد، إلا أنها عادت، مرة أخرى، من خلال الاتفاق السياسي الذي تشكّلت بموجبه حكومة محمد شياع السوداني عام 2022.
المحكمة خالفت الدستور
في سياق متصل، قال الحلبوسي في أول خطاب بعد عزله، إن المحكمة خالفت الدستور بقرار إبعاده، لافتاً إلى أن القرار الذي اتخذ ليس من حقها. ولفت، في مؤتمر صحافي عقده في بغداد، إلى أن “نواب البرلمان لا يمكنهم تقديم طعن للمحكمة الاتحادية من دون تقديمه إلى البرلمان في البداية”، مبيناً أن المحكمة “لم تراع كل شروط إنهاء عضويتي من مجلس النواب، ولديها قرارات سابقة برد دعاوى مماثلة لإنهاء عضوية نائب قبل مرورها بمجلس النواب”. وتابع “منذ تأسيس المحكمة الاتحادية وحتى قبل الأمس لا توجد أي قضية نظرت بها تخص إنهاء عضوية نائب”. واستشهد الحلبوسي بنص المادة الدستورية التي تنظم عمل المحكمة الاتحادية “المادة السادسة لم تمنح صلاحية بالنظر إلى الاتهامات لرئيس مجلس النواب أو النواب”.
وتنص المادة على أن المحكمة تختص بـ”الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، وينظم ذلك بقانون”.