اختلف دور “حزب الله” في ضوء علاقته بإيران قبل عام 2011 عن دوره بعد هذا التاريخ، فقبل التظاهرات العربية كان الحزب عنصراً رئيساً ضمن ما سمته إيران “محور المقاومة” في المنطقة، لا سيما في مواجهة إسرائيل، إذ وظفت إيران “حزب الله” كأداة للضغط على إسرائيل. وأسهمت هجمات الحزب على القوات الإسرائيلية في “المنطقة الأمنية” التي أعلنتها إسرائيل في جنوب لبنان بتحقيق انسحاب إسرائيلي من تلك المنطقة في مايو (أيار) 2000، كما أطلق الحزب صواريخ إيرانية على بلدات ومدن شمال إسرائيل خلال حرب يوليو (تموز) 2006 مع إسرائيل، وأضر بسفينة حربية إسرائيلية بصاروخ صيني من طراز C-802 مضاد للسفن من النوع الذي اشترته إيران بكميات كبيرة من الصين في التسعينيات.
ووفقاً للحكومة الإسرائيلية حينها، خزن “حزب الله” منذ حرب 2006 أكثر من 130 ألف صاروخ معظمها من إيران، بعضها قادر على الوصول إلى تل أبيب من المراكز السكانية في وسط إسرائيل من جنوب لبنان. ويقول متخصصون إسرائيليون إن إيران نقلت أيضاً لـ”حزب الله” القدرات المضادة للسفن والمضادة للطائرات.
وشكل الحزب إلى جانب إيران أداة للضغط على إسرائيل في تلك الفترة، فقد خاض حروبه بأسلحة إيرانية الصنع وأخرى استوردتها إيران من الصين، واستخدم أسلحة مضادة للدبابات وآلافاً من صواريخ الكاتيوشا. وعلى رغم أن إيران لم تكن طرفاً مباشراً في الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل، فإنه طالما كان لنتائج الحرب تداعيات بالنسبة إلى وضع طهران الإقليمي، فالحرب، إلى جانب المتغيرات الإقليمية كإطاحة حركة “طالبان” في أفغانستان (2001 – 2002)، وسقوط نظام صدام حسين (2003)، وانسحاب إسرائيل وسوريا من لبنان (2000 و2005 على التوالي)، عززت مكانة إيران ودعمت سعيها إلى توسيع نفوذها الإقليمي، بخاصة في ظل غياب عربي في تلك المناطق، في الوقت ذاته كانت شعبية الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله والرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد في الشارع العربي مؤشراً شعبياً على نفوذ إيران.
وحاولت إيران و”حزب الله” تصدير صورة موقف المدافع الإقليمي عن القضية الفلسطينية، كما وظفت طهران الحرب بين الحزب وإسرائيل في سياق صراع أوسع مع الولايات المتحدة، والتماهي مع سعيها إلى تحدي مجلس الأمن الدولي في ما يتعلق بمشروعها النووى وصدور قرار المجلس رقم 1696 لعام 2006، والذي ينص على أن تتخذ دون تأخير التدابير التي طلبها مجلس محافظي الوكالـة الدولية للطاقة الذرية في قراره GOV/ 2006/ 14، والتي لا بد منها لبناء الثقة بالغرض السلمي الخالص ببرنامجها النووي وتسوية المسائل المعلقة، وأن تعلق إيران جميع أنشطتها المتصلة بالتخصيب وإعادة التجهيز، بما في ذلك البحث والتطوير، على أن يخضع ذلك للتحقيق من قبـل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لذا يدفع كثير بأن حرب يوليو 2006 تمت بدفع من إيران من أجل تشتييت الانتباه عن مناقشة برنامجها النووى في تلك الأثناء، الذي كان على أجندة قمة مجموعة دول الثماني في ذلك العام.
دور “حزب الله” منذ 2011
في عام 2012 تحدث حسن نصرالله علانية عن تلقي “حزب الله” دعماً مالياً وعسكرياً ومعنوياً من إيران دون أية مصادر أخرى، وذلك منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية. واستكمالاً لتصريحه أكد قيام الحزب برد فعل حيال توجيه أي هجوم عسكري ضد إيران، معتبراً أن إيران دفعت ثمناً لدعمها كلاً من لبنان وفلسطين.
ويتلقى الحزب التمويل الإيراني لجناحه العسكري، فضلاً عن تمويل أنشطته الاجتماعية، ويذكر أن التمويل يراوح بحيث ينخفض حين لا تكون هناك عمليات عسكرية. وبفضل التمويل تمكن الحزب من تأسيس آلة إعلامية تدعم خطابه وسياسات إيران، مثل قناة “المنار” الفضائية التي تتلقى الإسهام الأكبر من إيران. وفى عام 2016 أعلن نصرالله صراحة تمويله من إيران، إذ قال “نحن ليس لدينا مشاريع تجارية، وليس لدينا مؤسسات استثمارية تعمل من خلال البنوك، ونحن وعلى المكشوف وعلى رأس السطح نقول موازنة (حزب الله) ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران”.
جدير بالذكر أن مقدار تمويل إيران للحزب تأثر في ظل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي طبق سياسة الضغط الأقصى على إيران، إذ أعاد فرض العقوبات الأميركية بما جعلها تعاني الحصول على الموارد المالية بنتيجة سياسة تصفير النفط التي طبقها. وألقت سياسة الحد الأقصى تبعاتها على الميليشيات التابعة لإيران، ومنها “حزب الله” الذي تأثر بضعف التمويل الإيراني في تلك الفترة.
ومنذ عام 2011 كان لـ”حزب الله” نشاط إقليمي واسع في دعم سياسات إيران التدخلية في الدول التي تفككت مؤسساتها وتعرضت لأزمات مثل سوريا واليمن والعراق.
كما لعب الحزب دوراً في مساندة إيران في تقديم الدعم المالي والعسكري، وتوفير أسلحة وتدريب لجماعة الحوثي في اليمن، فضلاً عن القتال إلى جانب قوات بشار الأسد في سوريا، حيث تمكن من استعادة مدينة القصير السورية الحدودية بمجرد دخوله الحرب، لكنه مع ذلك تلقى خسائر فادحة، كما حاول اجتياح مدينة القلمون بين دمشق ولبنان، لأنها ممر رئيس لإمداد الأسلحة للمقاتلين ضد الأسد، كما شارك الحزب في معركة تحرير حلب وقتل أحد قيادييه في معركة درعا. وتشير بعض التقديرات إلى أنه قتل في معارك سوريا نحو 850 مقاتل من “حزب الله”.
موقف القوى المعادية
أما عن موقف إسرائيل والولايات المتحدة من الحزب فلم تتحرك الولايات المتحدة ضده عسكرياً، لكنها دائماً ما تمتنع عن انتقاد الضربات الجوية التي قامت بها إسرائيل داخل سوريا ضد الشحنات المشتبه في نقلها أسلحة إيرانية إلى “حزب الله”. ويرد الحزب عادة على تلك الغارات، ففي عام 2015 هاجم حافلة عسكرية إسرائيلية قرب منطقة الحدود الثلاثية اللبنانية – الإسرائيلية – السورية، مما أسفر عن مقتل جنديين إسرائيليين، دون أن يتطور الحدث إلى تصعيد.
ومنذ الحرب السورية حددت إسرائيل خطوطها الحمراء في ما يتعلق بتهديدات محتملة لها، وتتثمل تلك الخطوط في الحيلولة دون تعزيز وضعية “حزب الله” في سوريا بما يمنحه نقطة مراقبة إضافية لمهاجمة إسرائيل. وعملت واشنطن وتل أبيب مع المسؤولين الروس لمحاولة إقناعهم بالحد من وجود “حزب الله” وإيران في سوريا. من جانب آخر، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الكيانات الإيرانية المشاركة في دعم الحزب والكيانات المرتبطة به. وينظر الكونغرس في تشريعات إضافية، بما في ذلك القراران 3329 و1595، لقطع وصول “حزب الله” إلى النظام المالي العالمي عبر فرض عقوبات على البنوك التي تتعامل معه.
وأخيراً وفي إطار الحرب الإسرائيلية الدائرة في قطاع غزة، في أعقاب عملية “طوفان الأقصى”، تماهى موقف الحزب مع الموقف الإيراني الذي يمكن استنتاجه من خطاب نصرالله الذي توخى تبرئة إيران من الضلوع في العملية التي شنتها حركة “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ومما يدل على تماهي “حزب الله” مع إيران وسياستها الإقليمية، مطالبة نصرالله في خطابه حول غزة بمقاطعة إسرائيل وقطع إمداد النفط عنها وهي المطالب نفسها التي دعا إليها المرشد الإيراني علي خامنئي منذ أيام وكررها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أثناء كلمته أمام القمة العربية – الإسلامية الطارئة بالرياض في الـ11 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري.
وفي إطار علاقة إيران بـ”حزب الله” منذ التأسيس، حتى الاعتماد المتبادل وخدمة مصالح الوكيل والراعي، تتجلى تداعيات تلك العلاقة على الأزمات الداخلية الممتدة لبعض الدول العربية نتيجة ربط مصالحها بمصالح إقليمية بفعل روابط نسجتها طهران مع النخب في تلك الدول.