فوضى سلطة البرهان تتقاطع الآن مع البعثة الأممية

فوضى سلطة البرهان تتقاطع الآن مع البعثة الأممية

الخرطوم – كشف الطلب الذي تقدم به السودان لإنهاء مهمة البعثة السياسية للأمم المتحدة عن رغبة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في إفشال الجهود التي يمكن أن تسهم في وقف الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي تمددت إلى مناطق مختلفة بسبب مراوغات البرهان.

وأبلغ وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق الأمم المتحدة طلب بلاده “إنهاءً فوريًّا” للبعثة السياسية للمنظمة، والتي تحمل اسم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس).

وبرر الصادق موقف بلاده بأن البعثة كان هدفها مساعدة الحكومة الانتقالية بعد ثورة ديسمبر، وأن أداء البعثة في تنفيذ أهدافها كان “مخيّبا للآمال”، مؤكدا في الوقت ذاته التزام حكومة السودان بالتعامل بشكل بنّاء مع مجلس الأمن الدولي والأمانة العامة.

ويتماشى الموقف مع مساعي أتباع نظام الرئيس السابق عمر البشير الذين يسعون بشتى السبل لتشويه صورة البعثة الأممية وعرقلة الجهود التي تقودها لإنجاح الفترة الانتقالية. ويعولون على إطالة أمد الصراع مع قوات الدعم السريع بما يحول دون الاستقرار على خارطة سياسية تنتشل السودان من الفوضى التي يعيشها منذ اندلاع الحرب.

ويعني القرار أن الحكومة السودانية ترفض حلولا دولية لإنهاء الحرب تسهم فيها الأمم المتحدة، وأن الحسم العسكري مقدم على أصوات إسكات البنادق، خاصة وأن الأمم المتحدة تلعب دورا إنسانيا من خلال المكتب القُطري للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، أو عبر وحدة حقوق الإنسان في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وقد تتأثر تلك الجهات بتوجهات الحكومة المعادية للمنظمة.

وأعلن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس في سبتمبر الماضي تنحيه عن منصبه بعد إعلان السودان أنه غير مرحب به وفي ظل حملات إعلامية ودبلوماسية واجهها أعاقت قدرته على التوصّل إلى حل سياسي بين الأطراف المتناحرة.

وقالت القيادية في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير سلمى نور إن “ما تقدمت به الحكومة التي انقلبت على السلطة المدنية أمر منطقي لأنها أفشلت من قبل التحول الديمقراطي بقوة السلاح، ويصعب أن ترحب بعمل البعثة وهي من وجهة نظر الحكومة فشلت في شرعنة انقلاب الجيش على السلطة في أكتوبر 2021”.

◙ الطلب يعني أن حكومة البرهان ترفض حلولا دولية لإنهاء الحرب تسهم فيها الأمم المتحدة وتراهن على الحسم العسكري

وأكدت في تصريح لـ”العرب” أن “البعثة سعت لإنهاء الانقلاب واستعادة المسار الديمقراطي بوساطة أميركية – سعودية، وهو ما أغلق الباب في وجه أنصار النظام السابق والقوى الانقلابية وحال دون رجوعهم إلى السلطة، ما أثار غضبهم فظلوا يتوعدون البعثة بالطرد”، مضيفة أن “الاتفاق الإطاري الذي جرى التوقيع عليه قبل اندلاع الحرب كان شاهدا على جر الفلولِ البلادَ إلى الفوضى واندلاع الحرب في أبريل الماضي”.

وشددت سلمى نور على أن “طلب إنهاء عمل البعثة الأممية يبرهن على أن الانقلاب على السلطة المدنية كان مقدمة لإشعال فتيل الحرب، وما يحدث الآن من جرائم قتل وتشريد بحق الأبرياء يندرج ضمن مخطط لقطع الطريق على أي مسار للتحول الديمقراطي، ويستهدف معاقبة الشعب الذي قاد الثورة ضد نظام البشير وعمل على حمايتها، وإنهاء عمل البعثة انتكاسة تعبر عن رجوع إلى العهود المظلمة للأنظمة الشمولية”.

وتشكلت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان بعدما طالبت الحكومة الانتقالية بقيادة رئيس الحكومة السابق عبدالله حمدوك برفع السودان من البند السابع إلى البند السادس وإنهاء مهام البعثة المشتركة للأمم المتّحدة والاتّحاد الأفريقي لحفظ السلام في إقليم دارفور (يوناميد) العسكرية واستبدالها بيونيتامس السياسية.

وشكلت البعثة الأممية آلية بمشاركة الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) وحاولت أن تكون وسيطا بين جميع الأطراف لاستعادة الحكم المدني ووضع خارطة طريق من خلال الاتفاق الإطاري إلى حين إجراء انتخابات قبل أن تندلع الحرب ويتراجع حضورها، مع عدم تمثيلها في مفاوضات جدة التي تهدف إلى وقف الحرب.

وأوضح المحامي والمحلل السياسي السوداني حاتم إلياس أن طلب إنهاء مهمة يونيتامس يمكن وصفه بـ”الساذج”، ويؤشّر على عدم وجود تقدير دبلوماسي لتبعاته، لأن الوضع في السودان قد يكون قابلا للعودة إلى وصاية مجلس الأمن والأمم المتحدة في السودان تحت البند السابع، ووجود البعثة تحت البند السادس معني بترتيبات حمائية واحترازية تهدف إلى عدم تأزم الأوضاع.

وينص البند السابع على أن مجلس الأمن يقرر ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من تدابير طبقا لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولييْن.

ولفت إلياس في تصريح لـ”العرب” إلى أنه لم يسبق في القانون الدولي أن استجابت الأمم المتحدة لطلب أي من الحكومات بسحب بعثاتها لأن وجودها يأتي بقرار أممي كما أن إنهاء عمل البعثة قرار أممي، مؤكدا أن دور البعثة مهم الآن، فأهدافها التي جاءت لتحقيقها قائمة وملحة ويمكن أن تلعب دورا في مساندة التدابير السياسية بمساعدة الأطراف المختلفة والفاعلة.

وذكر أن الطلب يعكس رغبة البرهان ومن معه في الانقلاب على مسارات الحل وتشكيل حكومة طوارئ تكون بمثابة استمرار لحكومة البشير من أجل الانفراد بالسلطة، متوقعا أن ترفض الأمم المتحدة الطلب، وقد يأتي بنتائج سلبية على البرهان، إذ أن مجلس الأمن سينظر إلى هذا التوجه كدليل على رغبته في استمرار الحرب، ما يشكل تهديدا للأمن والسلم الإقليميين، ويمنح فرصة للعودة إلى البند السابع.

وقالت مساعدة الأمين العام لشؤون أفريقيا مارثا أما أكيا بوبي في اجتماع لمجلس الأمن الدولي الخميس إنه لا يوجد ما يوجّه بخفض حدة التصعيد في الصراع السوداني الذي يواجه مزيجا من “فاجعة إنسانية وأزمة حقوق إنسان كارثية”.

العرب