المرونة والبراغماتية اللتان طبعتا سياسات جماعة الإخوان المسلمين في اليمن وأمّنتا لها نصيبا في السلطة، جنبا إلى جنب خصومها السياسيين والأيديولوجيين، تحضران مجدّدا في مرحلة البحث عن مخرج سلمي للأزمة اليمنية استعدادا لتأمين حصّة في الوضع الجديد الذي قد يستجدّ بالبلد في حال وفّقت الجهود في إرساء السلام المنشود.
عدن – يواجه الإخوان في اليمن تسارع الجهود الإقليمية والدولية لإطلاق عملية سلام في البلاد بمعنويات مرتفعة مأتاها أملهم في الحصول على حصّة في السلطة قد تنشأ في مرحلة ما بعد الحرب، وذلك تأسيسا على مشاركتهم الحالية في السلطة المعترف بها دوليا بقيادة رشاد العليمي، وسيطرتهم على جزء هام من القوات المنضوية تحت لوائها، وبناء على اتّصالات شرعوا في إجرائها مع الحوثيين الذين سيكونون طرفا أساسيا في أي تسوية سلمية قد يتم التوصّل إليها.
وقال عبدالرزاق الهجري القيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح، الواجهة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، إنّ الحزب يرحّب بأي جهد يبذله المجتمع الدولي والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان لإحلال السلام في اليمن وإيقاف الحرب، معتبرا أنّ القوى السياسية اليمنية تسعى للسلام وتتمنى أن تنتهي الحرب.
وجاء كلام الهجري في غمرة الأنباء المتواترة بشأن التوصّل إلى صيغة لتهدئة الأوضاع في اليمن لتمهيد الطريق أمام إطلاق عملية سلام جادة.
ويتعلّق الأمر باتفاق جديد للتهدئة بين مختلف مكونات المشهد اليمني لمدة ستة أشهر، يتضمن صرفا للرواتب وفتح الموانئ والمطارات وتشكيل لجنة حوار تضم مختلف المكونات وتكون مهمتها التحضير لتسوية سياسية.
وترى جماعة الإخوان أنّ لها مكانا مضمونا في اللجنة المذكورة كطرف له حضوره السياسي والعسكري وكذلك سيطرته الميدانية على بعض مناطق البلاد.
ولعلّ أكثر ما يرفع معنويات الجماعة هو أنّ صيغة السلام التي يجري الحديث عنها لا تتطرق، لحدّ الآن، إلى مصير جنوب اليمن الذي يطالب المجلس الانتقالي الجنوبي باستعادة الدولة التي كانت قائمة فيه حتى مطلع التسعينات من القرن الماضي.
ومن هذه الزاوية يغدو مصدر تحمّس الإخوان للسلام، الذي تحاول المملكة العربية السعودية الانخراط فيه بقوّة للتخلّص من أعباء الصراع المرهق في اليمن، هو ما سيحققه لهم من مصالح إلى جانب ما سيلحقه من خسائر سياسية محتملة بعدوهم اللدود المجلس الانتقالي الجنوبي.
وقال الهجري، الذي يرأس الكتلة البرلمانية لحزب الإصلاح خلال كلمة له ضمن بودكاست موجز اليمن الذي يديره مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، إنّ الحزب متمسّك بيمن اتحادي مترابط.
كما هاجم في كلمته أطرافا لم يسمّها بسبب استعجالها حصد ثمرة مشاريعها التي تريد تحقيقها معتقدة أن الفرصة مواتية بحكم ضعف الدولة.
كما أوضح أن السلام المطلوب هو سلام عادل وشامل يضمن إنهاء الحرب وعودة مؤسسات الدولة ويحافظ على مركزها القانوني وعلى وحدة البلد وسلامته وسيادته.
ويتضمّن تشديد القيادي الإخواني على وحدة الدولة اليمنية إشارة ضمنية إلى مشروع المجلس الانتقالي الذي يقول مراقبون إنّ ما يُطرح الآن من صيغة للسلام تقوم على تأجيل الحل السياسي إلى وقت غير معلوم لا يتماشى مع رغبته في أن تفضي مسارات الحوار اليمنية – اليمنية إلى الاعتراف بالوضع الخصوصي للجنوب.
وبشأن الموقف من الحوثيين قال الهجري “إذا تراجع الحوثي عن انقلابه على مؤسسات الدولة وسلّم السلاح الثقيل والمتوسط ليكون كبقية اليمنيين، فلن تكون بيننا وبينه مشكلة”. وأكد أنه لا يمكن لطرف أن يلغي طرفا آخر من الخارطة، لكن ينبغي أن يأخذ كل طرف حجمه الطبيعي وبالطرق السلمية.
وأضاف “لدينا دستور قائم على التعددية السياسية وحرية الرأي والتعبير وكان اليمنيون ذاهبون بعد الحوار الوطني إلى استفتاء على الدستور والدخول في انتخابات، وإذا كان الحوثيون يرون أنفسهم بهذه القوة فلينزلوا في قائمة انتخابية ويدخلوا مجلس النواب”، معتبرا أن لدى الحوثي ادعاءات غير منطقية وغير عقلانية. ويقول متابعون للشأن اليمني إنّ لدى الإخوان في اليمن ثقة في إمكانية مشاركة أي طرف في السلطة، شريطة أن تكون له حصّة وازنة فيها.
ويشرح هؤلاء أن للإخوان تجارب عملية سابقة في ذلك تتمثّل خصوصا في مشاركتهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح السلطة رغم ما بينه وبينهم من تباعد سياسي وأيديولوجي أفضى في الأخير إلى انقلابهم عليه وتفجيرهم اضطرابات شعبية عارمة أفضت إلى إسقاط حكمه.
جماعة الإخوان ترى أنّ لها مكانا مضمونا كطرف له حضوره السياسي والعسكري وكذلك سيطرته الميدانية على بعض مناطق البلاد
وقد تجدّدت تلك التجربة في جلوسهم جنبا إلى جنب خصوم أشدّاء لهم في السلطة التي قادها عبدربه منصور هادي ويتولى العليمي قيادتها في الوقت الحالي مع تغيير مسمّاها. وفي كلتا التجربتين احتكر الإخوان قيادة جزء من القوات المسلّحة التابعة للدولة في عهد صالح، ولسلطة هادي ومن بعده العليمي حاليا.
وتطرق الهجري إلى ما يجري تداوله بشأن وجود انقسام في حزبه، قائلا إنّ آراء بعض الأعضاء في الحزب لا تعبر عنه ولا تلزم سوى أصحابها الذين يتحمّلون مسؤوليتها.
ومن تلك المواقف التي يحاول الإخوان في اليمن التبرّؤ منها رغم تأكيد مصادر مقربة منهم أنها بالونات اختبار يتم إطلاقها بمعرفة تامة من قياداتهم، حديث القيادي في الإصلاح صالح باتيس مؤخرا عن إحياء فكرة تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم ودعوته حزبه للتمسّك بما سماه الإقليم الشرقي الذي يضم محافظات شبوة وحضرموت والمهرة بالإضافة إلى أرخبيل سقطرى.
وتتناقض هذه الدعوة مع تمسّك الإخوان بوحدة اليمن والتي جدّد الهجري التأكيد على أهميتها. إضافة إلى ذلك يخفف حديث الهجري عن مواقف فردية لا تُلزم حزبه، الحرج المترتّب على قيام عناصر إخوانية باتّصالات مع الحوثيين هدفها التحضير لمرحلة ما بعد الحرب وضمان مكان إلى جانب هؤلاء في السلطة التي تتمخّض عنها جهود السلام في حال نجاحها.
وأخرج الحوثيون وإخوان اليمن مؤخرا إلى العلن عملية التواصل الجارية بينهم منذ أشهر والتي تحدّثت عنها مصادر متعدّدة باعتبارها أحد ترتيبات الانتقال من حالة المواجهة إلى التهدئة وربما المصالحة والتعاون بين الطرفين في مرحلة ما بعد الحرب اليمنية الجاري العمل من قبل أطراف إقليمية ودولية على محاولة إنهائها سلميا.
وكشف علي القحوم عضو المجلس السياسي الأعلى التابع لجماعة الحوثي في وقت سابق عن لقاء جمعه في صنعاء بكلّ من فتحي العزب عضو الأمانة العامة في حزب الإصلاح ومنصور الزنداني عضو الكتلة البرلمانية للحزب. ونشر على حسابه في منصة إكس صورة للقائه بالعزب والزنداني وكتب معلّقا عليها بالقول “مع قيادات الإصلاح الوطنية (لأجل) بناء العلاقات والتنسيق المستمر والحوارات الداخلية”، مضيفا “صنعاء الدولة والقيادة في ظلهما تستمر اللقاءات وحواراتنا الوطنية لتعزيز الجبهة الداخلية ومراعاة الأولويات ومواجهة التحديات والمخاطر”.
العرب