إزاحة محمد الحلبوسي عن رئاسة مجلس النواب العراقي أثارت تساؤلات كثيرة على مستوى الشارع العراقي حول مصير التحالف وإدارة الحكومة الحالية. وهذا ينذر مع فتح أبواب دورة جديدة باندلاع توترات سياسية وخلط الأوراق. لكن قرار عزل الحلبوسي بالنسبة إلى إقليم كردستان العراق له دلائل أخرى. هناك من يرى أنه قرار غير مسبوق، وربما هو إخطار لأربيل بأن مرحلة جديدة ستبدأ يتم خلالها تحجيم نفوذها السياسي وخلعها عن السلطة انتقاماً ممن خرب البيت الشيعي بعد سقوط نظام صدام حسين وقسمه إلى قسمين، إطاري وتياري.
الحلبوسي كان ضمن تحالف ثلاثي بعد الانتخابات البرلمانية إلى جانب بارزاني والصدر، هدف إلى تشكيل الحكومة بعيدا عن كل القوى السياسية الموالية لإيران، وهو أمر إلى جانب أنه صعب جدا، حمل تحديا كبيرا، ولا يزال المتحالفون فيه يدفعون الثمن إلى اليوم.
لا يستبعد أن يكون قرار عزل الحلبوسي انتقاما لانقسام البيت الشيعي، وهو الذي كاد يجعل نفسه المرجع السياسي للطائفة السنية، فالقوى الشيعية لا تقبل أن يكون هناك من يترأس التيار السني منفردا. ومع تزامن انتخابات مجلس المحافظات كان هذا التوقيت المناسب لإبعاده، خاصة أن مقاطعة التيار الصدري للانتخابات أثارت نوعا من القلق من أن يحصل الحلبوسي على جزء من أصوات الصدريين خاصة بعد فوزه في الانتخابات النيابية الأخيرة.
القوى الشيعية مصرة على تحجيم وإنهاء هيمنة الحزب الواحد أو الزعيم الواحد لدى مكونات أخرى تريد البقاء في السلطة دون وجود منافس لها
بعد إبعاده، لن يكون لحلفاء الحلبوسي أي موقف ضد هذا القرار. هناك الكثير من التحفظات حسب البيان الرسمي الصادر عن الحزب الديمقراطي والتحالف والتقدم، ويرى الحزب الديمقراطي ضرورة أن ينأى بنفسه عن أي خطوة تصعيدية، ويتملص من أي مناورات سياسية مع القوى الشيعية تجنبا لقرارات فيدرالية ضد إقليم كردستان.
هناك الكثير من الملفات المثيرة للجدل تستطيع المحكمة الاتحادية أن تصدر أحكاما فيها ضد إقليم كردستان، خاصة ضد الحزب الديمقراطي باعتباره كان حليفا لحزب التقدم وللصدريين. وأكثر ما يخشاه الحزب في المستقبل القريب أن تبت المحكمة الاتحادية ضد إقليم كردستان في السيطرة على الحقول النفطية في المناطق المختلطة مع الحكومة الاتحادية، مثل حقل خورملة الذي يقول المسؤولون في الحكومة الاتحادية إنه تابع للحكومة الاتحادية وليس تابعا لسلطة إقليم كردستان. ولا يزال الحقل إلى اليوم تحت سيطرة حكومة الإقليم، وهو جزء كبير من المقدرات النفطية في الإقليم التي تسيطر عليها شركات تابعة للحزب الديمقراطي.
حسب تصريح للنائب السابق في برلمان كردستان علي حمة صالح من الممكن أن تتحرك الحكومة الاتحادية من أجل استعادة سيطرتها على حقل النفط خورملة الذي ينتج حوالي 175 ألف برميل نفط يوميا.
وهناك أيضا حقول غاز كورمور، ومخاوف من أن تبت المحكمة الاتحادية بحصر إدارتها بالحكومة الاتحادية، وهذا يعني تكبيل إقليم كردستان حاليا ومستقبلا، لأن الغاز هو الأمل الوحيد لمستقبل الإقليم بعد النفط، وتشير إحصائيات إلى أن احتياطي الغاز في الإقليم يقدر بـ5 تريليون قدم مكعب. أي أن نسبة 3 في المئة من احتياطي العالم من الغاز الطبيعي يوجد في إقليم كردستان، وهي كمية تجعل من الإقليم منطقة مهمة على مستوى العالم.
كل هذه الملفات الصعبة يجب حسمها عن طريق قانون النفط والغاز، لكن مجلس النواب عاجز عن إصدار هذا القانون. وبحسب المادة 111 من الدستور العراقي يعتبر النفط والغاز ملكا للشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات.
أخطر موضوع من المفترض التعامل معه هو موضوع القوات المسلحة، بما فيها البيشمركة وقوات الأمن الداخلي والمؤسسات الأمنية والاستخبارات في إقليم كردستان. وتخشى سلطات الإقليم من أي تحرك قضائي بهذا الاتجاه، خاصة أن الإقليم لا يوفر رواتب كل المنتسبين أمنيا ومدنيا وعسكريا، ويحتاج في ذلك إلى مساعدة من الحكومة الاتحادية.
ويعتقد الكثيرون من داخل الحكومة العراقية، حتى على صعيد الكيانات السياسية، أن إقليم كردستان ليس له حق تشكيل قوات مسلحة أو مؤسسات أمنية خاصة به. وفي حال تدخل المحكمة الفيدرالية في هذه المواضيع لن يكون إقليم كردستان طرفا مستفيدا، بل على الأغلب سيكون الطرف الخاسر.
لا يمكن إنكار هيمنة السلطات الشيعية على القضاء، خاصة على قرارات المحكمة الفيدرالية. وموضوع التأثيرات السياسية على هيئة المحكمة حقيقة لا يمكن إنكارها
لا يمكن إنكار هيمنة السلطات الشيعية على القضاء، خاصة على قرارات المحكمة الفيدرالية. وموضوع التأثيرات السياسية على هيئة المحكمة حقيقة لا يمكن إنكارها.
المحلل السياسي والقيادي في حزب الاتحاد الإسلامي أبوبكر علي في إحدى مقالاته عن عزل الحلبوسي ينصح الحزب الديمقراطي بتهيئة نفسه لقرار حل الحزب من قبل المحكمة الفيدرالية. بل ومن الممكن أن تصدر المحكمة قرارا بإنهاء حكومة تصريف الأعمال بإقليم كردستان.
الموضوع الآن تحت نظر المحكمة الاتحادية هو موضوع قانون انتخابات برلمان كردستان، وفي حال أصدرت المحكمة قرارا لصالح حزب الاتحاد الوطني، ستكون ضربة قوية للحزب الديمقراطي الذي يصر بشدة على إبقاء القانون دون تغيير أو تعديل، وبقاء المقاعد (الكوتا) للمكونات على شكلها الحالي، وعلى نقيض ذلك قدم الاتحاد الوطني دعوى لحل نظام الكوتا وتقسيم الدوائر الانتخابية إلى أربع دوائر.
في البيان الرسمي للحزب الديمقراطي فقرة جاء فيها أن الأوضاع في العراق والمنطقة وصلت إلى درجة من عدم الاستقرار والفوضى ومن المتوقع حدوث ارتجاج كبير فيها. لذلك يؤكد الحزب على ضرورة تنفيذ مواده وفقراته ومبادئ اتفاقية ائتلاف إدارة الدولة ومنهاج عمل الحكومة الاتحادية، خاصة الفقرات المتعلقة بالمجلس الاتحادي والمحكمة الاتحادية.
وتوضح الفقرة مرة أخرى مخاوف الحزب الديمقراطي المتعلقة بتكوين المحكمة الاتحادية وقراراتها المستقبلية.
من الواضح أن القوى الشيعية مصرة على تحجيم وإنهاء هيمنة الحزب الواحد أو الزعيم الواحد لدى مكونات أخرى تريد البقاء في السلطة دون وجود منافس لها، أو وجود اتجاهات سياسية بعيدا عنها أو عن سياسة طهران، وتشكيل السلطة القضائية يساعدها على تنفيذ هذه الخطوة.
اتخاذ قرارات قضائية أو سياسية ضد أربيل بعد سقوط الحلبوسي ليس احتمالا بعيدا، خاصة أن ما تحتاجه الحكومة الفيدرالية الآن هو حكومة إقليم. وفي نفس الوقت تحتاج حكومة أربيل الرجوع إلى بغداد في كل شيء، وعلى خلفية التطورات السياسية الجديدة يجب على حكومة إقليم كردستان أن تتعامل بشكل جدي وعقلاني عن طريق قنواتها من أجل تحقيق علاقات وطيدة مع المؤسسات الاتحادية.
سيكون على حكومة أربيل أن تتعامل مع بغداد وتكثف جهودها لإجراء الانتخابات المتأخرة لبرلمان كردستان، وإبعاد أي مخاطر تهدد شرعية الحكومة الحالية. خلاف ذلك السلطة لا تدوم، بل هي رهن التغيرات السياسية.
العرب