تناولت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية مظاهر تضارب الرأي داخل أجهزة البيت الأبيض حول الحرب العدوانية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، واعتبرت أنها ترقى إلى مستوى الانشقاقات الصريحة عن الخط الذي يعتمده الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن في المساندة المطلقة للعدوان الإسرائيلي، والتعنت في رفض الدعوة إلى وقف إطلاق النار رغم اتساع الكوارث الإنسانية التي تصيب المدنيين الأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ بصفة خاصة.
وذكرت الصحيفة أن مذكرة أولى توجهت إلى بايدن شارك في التوقيع عليها أكثر من 500 موظف وعامل في 40 وكالة حكومية، ودعت الرئيس الأمريكي إلى البحث عن وقف فوري لإطلاق النار ودفع دولة الاحتلال إلى القبول بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وجاءت هذه الوثيقة بمثابة تتويج لثلاث مذكرات سابقة تلقاها وزير الخارجية من عشرات العاملين في وزارة الخارجية، ومذكرة رابعة رفعها نحو 1,000 من مستخدمي «وكالة الولايات المتحدة للتعاون الدولي».
وطالبت المذكرات والرسائل باستئناف تزويد قطاع غزة بالماء والطاقة والكهرباء والأغذية وتوفير الخدمات الأساسية الأخرى، كما شددت على أن غالبية الأمريكيين تدعم وقف إطلاق النار، مستندة إلى استطلاع للرأي أوضح أن 66٪ من المواطنين في الولايات المتحدة، بينهم 80٪ من الحزب الديمقراطي، يؤمنون بأن على الولايات المتحدة الضغط على دولة الاحتلال للقبول بوقف إطلاق النار.
ويلفت الانتباه أن المشاركين في التوقيع على هذه المذكرات والرسائل يشغلون وظائف ذات صفة سياسية وينتمون إلى عقائد دينية مختلفة، كما يتوزع الكثيرون منهم على دوائر حساسة مثل مجلس الأمن القومي ومكتب التحقيقات الفدرالي وأجهزة الاستخبارات. وفي عدادهم مجموعات كبيرة كانت فاعلة في ترجيح كفة بايدن خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهم يعربون عن قلق جدي إزاء حظوظ بايدن والحزب الديمقراطي في أي انتخابات مقبلة بالنظر إلى تأييد الإدارة المطلق للحرب الإسرائيلية ضد غزة.
وفي المقابل كشفت «نيويورك تايمز» بالأمس عن مذكرة جديدة شارك في التوقيع عليها نحو 137 من العاملين الحاليين في الإدارة أو سبق لهم العمل تحت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، تنتهج تأييد مواقف بايدن وتمتدح «قيادته الشجاعة ونقاءه الأخلاقي ومساندته الراسخة» لدولة الاحتلال، كما تثني على طلبه تقديم 14,3 مليار دولار من المساعدات الأمنية للكيان، وعلى معارضته وقف إطلاق النار. ومن الواضح أن الرسالة هذه لا تأتي بمثابة ردّ على المذكرات والرسائل المعارضة فقط، بل تعكس تخوفاً من تحوّل مواقف البيت الأبيض نتيجة ضغوطات الرأي العام الأمريكي والعالمي، خاصة في ضوء التقارير المتزايدة عن الأخطار الانتخابية التي تتهدد بطاقة ترشيح بايدن في الرئاسيات المقبلة.
وبين التطبيل لمواقف الإدارة أو الانشقاق عنها تتكدس أكثر فأكثر الأعباء الثقيلة التي ترتبها على الإدارة الأمريكية جرائم الحرب الإسرائيلية المتواصلة ضدّ قطاع غزة خصوصاً، وكذلك مجمل سياسات الائتلاف الإسرائيلي الحاكم عموماً، سواء لجهة تهديد المصالح الأمريكية العليا في المنطقة، أو إلحاق أضرار مباشرة بالبرامج الداخلية للحزب الديمقراطي واستراتيجيات عمل الوكالات الحكومية العليا.