يرى محللون أن من السابق لأوانه تحديد كيفية انتهاء الهجوم الإسرائيلي على غزة، لكن ضيق نافذة فرصة تدمير حماس يحدّ أكثر فأكثر من احتمال قدرة إسرائيل على تحقيق واحد على الأقل من أهدافها العسكرية الرئيسية.
وجاء في تقرير نشره موقع عرب دايجست أنه نتيجة لذلك، قد تجد إسرائيل نفسها عندما تنتهي الحرب في وضع أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر، ودون خيارات متعددة تمكنها من المضي قدما. وبعبارة أخرى ستُهزم الدولة العبرية في حرب غزة.
وبعيدا عن الحل السياسي الشامل، يصبح السبيل الوحيد الذي قد تتمكن إسرائيل من “الفوز” عبره في هذه المرحلة هو إما إبادة كل من في غزة أو إجلاء السكان بالكامل إلى مصر. ويبقى هذان الخياران غير مقبولين لحلفاء إسرائيل الغربيين.
وتحدث المحلل السياسي جون ألترمان في مقال نشرته عرب دايجست مؤخرا عن احتمال ألا تنتهي الحرب كما تريد إسرائيل. وكتب ألترمان “تفترض أغلب المناقشات الدائرة حول الحرب في غزة أن إسرائيل ستنتصر في النهاية. لكن المخاطر التي تواجه إسرائيل كبيرة، والتفوق الذي تتمتع به على حماس هائل، حتى إنه لا يمكن تصور أي نتيجة غير النصر. وتتمحور الأسئلة الوحيدة حول الإطار الزمني والتكلفة”.
وأوضح رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس خالد مشعل في مقابلة تلفزيونية في التاسع عشر من أكتوبر أن حماس تعمل وفق إطار زمني وتكلفة مختلفين تماما عن اللذين تتبعهما إسرائيل.
وأكد مشعل “لا يمكن تحرير الأمم بسهولة، ضحى الروس بـ30 مليون شخص في الحرب العالمية الثانية للتحرر من هجوم هتلر. وضحى الفيتناميون بـ3.5 مليون شخص حتى هزموا الأميركيين. وضحت أفغانستان بالملايين من الشهداء لهزيمة الاتحاد السوفييتي ثم الولايات المتحدة. وضحى الشعب الجزائري بستة ملايين شهيد على مدى 130 سنة. ويبقى الفلسطينيون مثل الأمم الأخرى”.
ويرى ألترمان أن حماس لا ترى النصر في عام واحد أو خمسة أعوام، بل من خلال الانخراط في عقود من النضال الذي يزيد من التضامن الفلسطيني ويزيد من عزلة إسرائيل. وتحشد حماس في هذا السيناريو السكان المحاصرين في غزة حولها بغضب وتساعد في انهيار حكومة السلطة الفلسطينية بضمان أن ينظر الفلسطينيون إليها على أنها ملحق ضعيف للسلطة العسكرية الإسرائيلية.
وفي نفس الوقت، تبتعد الدول العربية بقوة عن التطبيع، وينحاز الجنوب العالمي بقوة إلى القضية الفلسطينية، وتتراجع أوروبا عن تجاوزات الجيش الإسرائيلي، ويدور نقاش أميركي حول إسرائيل، مما سيهدد بتدمير الدعم الذي تتمتع به إسرائيل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري منذ أوائل السبعينات.
وتشير كل الدلائل إلى أن هذه هي الإستراتيجية التي تتبعها حماس بانتظام، وتسعى من خلالها إلى دفع إسرائيل إلى عزل نفسها عن شركائها حول لعالم والتحوّل إلى دولة منبوذة دوليا نتيجة لاندفاعها وتعطشها للانتقام من عدوها المراوغ.
ورغم أن الحكومات الغربية تواصل تقديم دعمها لإسرائيل، إلا أن الفظائع التي ترتكبها إسرائيل والتي يمكن للجميع مشاهدتها على مدار 24 ساعة يوميا عبر منصات التواصل الاجتماعي تتسبب في تغيرات سريعة في الرأي العام، وخاصة في الولايات المتحدة حيث اجتاحت المظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية المدن والجامعات. وهذا ما يضع إسرائيل على مسار التحول إلى طرف منبوذ غير صديق للاستثمار مثل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، الذي كان يحظى بدعم غربي كامل قبل انهياره أيضا.
ويواصل الكثيرون بالطبع دعم إسرائيل بقوة ويظل اللوبي الإسرائيلي مؤثرا للغاية. ولكن صناع السياسة العامة في الغرب أصبحوا يدركون ببطء أن إسرائيل التي كانت تخدم فيما مضى أهداف الغرب، أصبحت تشكل اليوم عبئا يبتلع مبالغ ضخمة من الأموال ويخلق أعدادا هائلة من الأعداء غير الضروريين من العرب والمسلمين. وكلما طال أمد الفظائع كلما انتشرت هذه المشاعر على نطاق أوسع.
وفي نفس الوقت، أصبح الوضع داخل إسرائيل نفسها صعبا أيضا. وتواصل حماس قصف تل أبيب بوابل كبير من الصواريخ. وتنهار الشركات الإسرائيلية في ظل الحرب. ولا تزال البلاد في حالة صدمة، وتكافح للتكيف مع تأثير السابع من أكتوبر.
وسبّبت الإخفاقات الأمنية في التصدي للهجوم انهيار الثقة في الجيش والمؤسسات السياسية. وينقسم الرأي العام بشكل عميق، حيث يتواصل اعتقال الأشخاص لمعارضتهم الحرب والفوضى في الكنيست، بينما تتشاجر عائلات الرهائن الإسرائيليين مع الوزراء. وتفيد التقارير بأن أعدادا كبيرة من الإسرائيليين يغادرون البلاد.
◙ إسرائيل ستجد نفسها عندما تنتهي الحرب في وضع أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر وبعبارة أخرى ستُهزم الدولة العبرية في حرب غزة
وكانت المشاكل الوجودية في إسرائيل تتكتل حتى قبل هجوم السابع من أكتوبر بسبب دفع الحكومة اليمينية المتطرفة لإصلاحات قضائية مثيرة للجدل لإبقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خارج السجن. وكان خمسمئة طيار احتياطي إسرائيلي قد هددوا برفض الخدمة بسبب خطة الحكومة.
وسيمكن إخفاء هذه الانقسامات طالما استمرت الحرب، لكنها ستزداد عمقا إذا انتهت دون القضاء على حماس أو إنقاذ جميع الرهائن. ويتصاعد اليوم الغضب في العالم العربي حول ما يحدث في غزة. وسُجّل الوضع الأكثر اضطرابا في الضفة الغربية والأردن حيث يعدّ أكثر من نصف السكان البالغ عددهم 6.3 مليون نسمة من أصل فلسطيني.
وسيكون اندلاع انتفاضة في الضفة الغربية كارثة أخرى لإسرائيل. ولكن لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس 60 ألف شرطي فلسطيني تحت قيادته، وتكمن مهمتهم الأساسية في ضمان أمن إسرائيل. وإذا انتهت هذه السيطرة، إما نتيجة ثورة وإما بسبب وفاته (عمره 88 عاما) واندلعت أزمة خلافته، فستنهار السلطة الفلسطينية، وسينتفض الشعب، وستواجه إسرائيل حربا على جبهة جديدة.
ويدرك الإسرائيليون في أعماقهم أن الوضع الحالي استثنائي ولا يمكن أن يستمر إلى الأبد. وستجد إسرائيل نفسها في مواجهة مئات الملايين من العرب المعادين. ولو لم يحدث هجوم حماس في السابع من أكتوبر، لكان الوضع الراهن قد استمر حتى تحقيق التطبيع الكامل بين إسرائيل والعرب، والقضاء على المقاومة الفلسطينية.
وعلى الرغم من شراسة الحصار وجميع العيوب العسكرية والتكنولوجية التي تعاني منها حماس، تضمن الطريقة التي اختارتها إسرائيل لإدارة الحرب في أفضل الأحوال نصرا باهظ الثمن يعد بإعادة تشكيل المنطقة وإعادة إشعال تطلعات الحرية المكبوتة التي غذت ثورات الربيع العربي.