تضفي الاتّهامات الموجّهة من قبل أحزاب وفصائل شيعية لسُنّة العراق وأكراده بالتخاذل في مساندة مطلب إخراج القوات الأميركية من البلاد، بعدا طائفيا على القضية التي أعادت إحياءها الحرب على غزّة وقيام ميليشيات شيعية باستهداف مواقع تواجد تلك القوات على الأراضي العراقية والسورية.
وأذكى الردّ الأميركي على الميليشيات بقصف موقعين داخل العراق خلّف قتلى وجرحى في صفوفها، مطالبة سياسيين وقادة فصائل شيعية مسلّحة بإنهاء وجود ما تبقى من قوات أميركية على الأراضي العراقية تقول بغداد وواشنطن إنها موجودة بفعل اتفاقية رسمية، وهي غير قتالية وعددها قليل وتتلخّص مهمتها في مساعدة القوات العراقية بالتدريب والجهد الاستخباراتي على مواجهة تنظيم داعش.
وتقوم مطالبة هؤلاء السياسيين وقادة الفصائل، على تفعيل قرار سابق اتّخذه البرلمان العراقي قبل نحو ثلاث سنوات يلزم الحكومة بإخراج القوات الأميركية من البلاد. وكان قرارا شيعيا خالصا في خلفياته وتفاصيل اتّخاذه، حيث جاء نتيجة قيام الجيش الأميركي بقتل القائد السابق للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، والقيادي البارز في الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس مطلع سنة 2020 بضربة جوية قرب مطار بغداد.
وصوتت الكتل الشيعية في البرلمان العراقي لصالح القرار المذكور في غياب الكتل السنية والكردية الذي عكس اعتراض قيادات المكونين على مساعي إخراج القوات الأميركية، لحسابات أهمها مخاوف السنّة والأكراد من أن يساهم تقليص نفوذ الولايات المتّحدة وحضورها في العراق في المزيد من اختلال التوازن لمصلحة النفوذ الإيراني، ما يعني بالنتيجة المزيد من تغوّل معسكرها السياسي والأمني في البلاد ممثلا بالأحزاب والميليشيات الشيعية التي يتبع بعضها بشكل مباشر لحرسها الثوري على غرار ميليشيا حزب الله العراق الذي يمثّل رأس “المقاومة الإسلامية في العراق” التي أعادت إحياء المعركة ضد القوات الأميركية داخل الأراضي العراقية والسورية تحت يافطة التضامن مع قطاع غزّة وحركة حماس الفلسطينية.
لكنّ غالبية القوى السنيّة والكردية العراقية تعتبر تلك المعركة، معركة إيرانية خالصة تدخل ضمن صراع النفوذ بين واشنطن وطهران، حيث يسعى الإيرانيون لإزاحة أي وجود عسكري أميركي من الطريق اللوجستي الذي يربط الأراضي العراقية بالأراضي السورية وصولا إلى لبنان، وتتدفّق عبره الأسلحة والمقاتلون.
ووجهت قوى شيعية غضبها صوب السنّة والأكراد، ليس فقط لكونهم لم يساهموا في اتخاذ القرار البرلماني المذكور، ولكن أيضا لأنه بحسب تلك القوى، لا يدعمون المعركة الجديدة التي بدأتها الميليشيات ولا يتعاطفونا مع قتلاها.
وقال علي الفتلاوي، القيادي في ميليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي، إنّ “الضربات الجوية تستهدف الحشد الشعبي فقط الذي واجه بروحه العقائدية كل المخططات الإرهابية لداعش وغيره، بينما التحالف الدولي والأميركيون يتحدثون عن قوات استشارية، وهم ينفذون عمليات القصف كقوات قتالية واضحة بشكل لا يقبل الشك”.
وأضاف في تصريحات نقلها موقع ألترا عراق الإخباري أن “المكونات السنية والكردية يجب أن تتحد مع المكون الشيعي في رؤيته حول إخراج القوات العسكرية الأميركية وإنهاء مهمة التحالف الدولي ليكون قرارا موحدا لا يمثل طرفا واحدا”.
pp
واعتبر أن الموقف السنّي والكردي بات يوفّر ذريعة للولايات المتّحدة، قائلا إنّ “الشيعة حين طالبوا في البرلمان السابق بإخراج القوات الأميركية وهم يشكلون أكثر من نصف البرلمان تبجّح وزير الدفاع الأميركي بأن ذلك المطلب لا يمثل جميع المكونات، لأن المكون السني يرى هذا الوجود ضروريا”.
كما اعتبر الفتلاوي أنّ “المكون السني تأذى من الأميركيين خلال سنوات الاحتلال، حيث احتل هؤلاء الفلوجة قبل بغداد ولذلك على السنّة الانضمام إلى القرار الوطني بإنهاء التواجد العسكري الأميركي”.
وعلى طرف نقيض مما ذهب إليه القيادي في العصائب، ترى قوى وشخصيات سياسية سنية وكردية أنّ وجود القوات الأميركية في العراق يعتبر عامل توازن، خصوصا وأنّ ميليشيات شيعية تابعة لإيران تمكنّت من اختراق مناطق السنة في شمال وغرب البلاد، بعد أن شاركت في الحرب على تنظيم داعش بين سنتي 2014 و2016 وهزمته في تلك المناطق لكّنها ما زالت إلى اليوم تتواجد في بعضها وترفض مغادرتها تحت ذريعة منع عودة الإرهاب إليها.
الإيرانيون يسعون لإزاحة أي وجود عسكري أميركي من الطريق اللوجستي الذي يربط الأراضي العراقية بالأراضي السورية وصولا إلى لبنان، وتتدفّق عبره الأسلحة والمقاتلون
ويتهم السياسيون وقادة الميليشيات الشيعية السنة والأكراد بنكران جميل الحشد الشعبي الذي “حرّر” مناطقهم من داعش، من خلال عدم تعاطفهم مع قتلى الميليشيات في الضربات الأميركية الأخيرة التي استهدفت بعض مواقعها.
وقال سلام الزبيدي، المتحدّث باسم ائتلاف النصر بقيادة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، إنّ “صمت إقليم كردستان العراق والقوى السياسية السنية إزاء القصف الغاشم على قوات الحشد الشعبي غير مبرر”.
ووجه هجومه بشكل خاص نحو أكراد العراق، قائلا إنّ الجهات التي لم تُدن ذلك القصف “لن تصمت عن المطالبة بالحصص المالية من الموازنة العامة”، في إشارة إلى مطالبة حكومة كردستان العراق الحكومةَ الاتحادية بحصتها من موازنة البلاد حتى تتمكّن من دفع رواتب موظفيها.
ورأى أن “الصمت على هذا القصف سيفاقم الهيمنة والتسلط على القرار العراقي من الولايات المتحدة الأميركية”، متّهما “بعض الجهات السياسية بمنح ذرائع لإبقاء القوات القتالية الأميركية في العراق من أجل مصالحها الشخصية”.
ومن جهته انتقد حيدر اللامي، القيادي في ائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، عدم إدانة القوى السنية والكردية للضربة الأميركية للميليشيات، مستغربا “صمت إقليم كردستان والقوى السُنية إزاء القصف الجائر من الولايات المتحدة على القوات العراقية”، مذكّرا بأنّ “جميع القوى الشيعية لم تصمت على القصف المستمر لتركيا للأراضي الكردية”.