كشفت مصادر متطابقة، مطلعة على ما يدور في الغرف المغلقة، معلومات عن أن وقائع الأيام التي أعقبت إقالة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي دلت على أن رئاسة البرلمان باتت خارج قدرة القوى الرئيسية على حسمها وفقاً لمصالحها.
المعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصادر متطابقة أشارت إلى أن القوى السنية الرئيسية، التي كان ينبغي أن تحسم أمرها، السبت، لاختيار مرشح أو أكثر لمنصب رئيس البرلمان، لم تتمكن من ذلك بسبب اتساع فجوة الخلافات فيما بينها.
ويُدار هذا المنصب، السيادي الوحيد للسنة، حالياً، وإن بصفة مؤقتة، من قبل النائب الأول، الشيعي محسن المندلاوي، الذي يرأس حزب «الأساس» المستقل.
واستناداً للمعلومات ذاتها، فإن الخلافات السنية – السنية التي كانت أساساً قائمة قبل إقالة محمد الحلبوسي، ازدادت عمقاً وتفجراً بعد إقالته بسبب دخول العامل الإقليمي في حسم المنصب لصالح طرف سني ضد طرف آخر.
وطبقاً لاتفاق ضمني بين القوى السنية، التي ليست لها جهة تنسيقية، على غرار «اللقاء التنسيقي» الشيعي، وبين القوى الشيعية، أنه في حال جاء السنة بمرشح يمتلك النصف زائد واحداً، فإن منصب رئيس البرلمان يكون له.
ويمثل «تحالف القيادة» الذي يضم حزبي «تقدم» بزعامة الحلبوسي و«السيادة» بزعامة خميس الخنجر، الغالبية السنية بعدد نواب يبلغ 62، أي ما يزيد على النصف زائد واحداً، لكن القوى الشيعية لم تلتزم كلها بالاتفاق الضمني، وانقسمت على نفسها حيال ذلك باتجاهات متعددة.
فثمة قوى شيعية مع الخيار السني طبقاً لقاعدة النصف زائد واحداً، وثمة قوى ترفض هذه القاعدة بسبب موقفها من الحلبوسي، الذي يريد إيصال مرشح من حزبه «تقدم» لرئاسة البرلمان، لأنه يمثل الغالبية بأكثر من 40 نائباً، لكن هذا الأمر إن حصل، يعني بالنسبة لهذه القوى أن الحلبوسي أُخرج من الباب ليعود من الشباك.
أما القوى التي ترفض منح منصب رئيس البرلمان لمن يرشحه رجل الأعمال وزعيم «السيادة» خميس الخنجر فهي في الأغلب الفصائل المسلحة، التي أصبح لها تمثيل سياسي.
مقابل تحالف الحلبوسي – الخنجر السني الأكثري داخل البرلمان، هناك قوى سنية أخرى، مثل «الحسم» بزعامة ثابت العباسي وزير الدفاع، و«عزم» بزعامة مثنى السامرائي، لكنها لا تملك الأغلبية المريحة التي توفر لمن ترشحه لهذا المنصب فرصة نيل النصف زائد واحداً من أعضاء البرلمان العراقي عند التصويت، ما يعني أن الخلافات مستمرة والمنصب السني بالسلطة عالق وسط حسابات ومصالح حزبية ضيقة.
وفيما كان متوقعاً عقد جلسة استثنائية السبت، لانتخاب بديل للحلبوسي، فإن التوقعات باتت تذهب مرة إلى خوض جولة أخرى يوم الأربعاء المقبل، أو تأجيل عملية الاختيار إلى ما بعد إجراء انتخابات مجالس المحافظات في الثامن عشر من شهر ديسمبر (كانون الأول).
فرضية التأجيل إلى ما بعد الانتخابات المحلية باتت هي المرجحة لجهة عدم إمكانية حصول توافق سني – سني خلال هذه الفترة القصيرة. وفي هذا السياق، فإن الأصابع الإقليمية بدأت باللعب بالميدان السني، مع حديث عن دور إيراني مرتقب لترجيح كفة الأطراف السنية الأقرب إلى الإطار التنسيقي، وهو ما يعني استبعاد مرشحي الحلبوسي والخنجر من دائرة التنافس.
وفي الوقت الذي يعني استمرار التأجيل من دون حسم بقاء رئاسة البرلمان خارج السنة، فإن الرئيس الحالي للمجلس محسن المندلاوي، وإن كان شيعياً، إلا أنه يترأس حزباً مستقلاً، وهناك مخاوف من بعض القوى الشيعية من بقائه على رأس المنصب خلال فترة الدعاية الانتخابية، ما يمكن أن يرفع أسهمه الانتخابية، لا سيما أن مجال تحركه هو في المناطق ذات الغالبية الشيعية، إن في بغداد أو مناطق الوسط والجنوب.