القاهرة – بدأ المصريون المقيمون خارج البلاد، الجمعة، التصويت في انتخابات الرئاسة التي تستمر حتى الأحد قبل أن تنطلق الأسبوع المقبل داخل البلاد، وسط مخاوف من تراجع نسب المشاركة في ظل عدم اهتمام بتفاصيل إجرائها وعزوف سياسي يسيطر على قطاعات لا تبدي استعدادا للمشاركة في الاقتراع.
تأتي أهمية المشاركة في تأكيد أن هناك حراكا أحدثته الانتخابات يؤشر على تغير في السياسات العامة ويمنح أملا في تحسين الأوضاع المعيشية، ويضفي على الفائز شرعية كبيرة، والذي من المتوقع أن يتخذ قرارات مصيرية تتعلق بمواجهة تحديات خارجية مع تزايد المخاطر الإقليمية.
والجمعة فتحت 137 سفارة وقنصلية مصرية أبوابها لاستقبال الناخبين في 121 دولة، ولا يوجد تقدير رسمي لأعداد المصريين في الخارج ممن لهم حق التصويت، فيما تشير مراكز أبحاث محلية إلى أن عددهم يقدر بـ9 ملايين ناخب من إجمالي 14 مليون مصري يعيشون في الخارج، بينما يبلغ عدد من يحق لهم التصويت في الانتخابات بالداخل والخارج معا نحو 65 مليون شخص.
وبدت مواعيد الانتخابات والمرشحين بعيدة عن اهتمامات المواطنين، وما ساعد على ذلك أن فترة الدعاية الانتخابية القصيرة لم تكن شاهدة على حراك قوي من المرشحين، وبدا الاستسلام الشعبي سائدا، ما ترك انطباعا بأن الاقتراع لا يحفز على المشاركة.
من المنتظر أن يؤثر ضعف الأحزاب وتقاعس النخب وانشغال المواطنين بغلاء المعيشة على نسب المشاركة
ويخوض أربعة من المرشحين الانتخابات الرئاسية، وهم: الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، ورئيس الحزب المصري الديمقراطي فريد زهران، ورئيس حزب الوفد عبدالسند يمامة، ورئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر.
وقال الكاتب والمحلل السياسي حماد عبدالله حماد إن “تراجع معدلات المشاركة في الانتخابات الرئاسية أمر متوقع بالنظر إلى المعطيات السائدة، وفي مقدمتها عدم وجود أحزاب قوية تحشد المواطنين في الاقتراع، مع حالة الجفاف السياسي التي تهيمن على البلاد منذ سنوات، ووجود شخصية وحيدة يلتف حولها الجمهور، حيث استطاع الرئيس السيسي الحفاظ على هوية الدولة واستقرارها، ما يجعل الانتخابات محسومة لصالحه”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “النخب المصرية لا ترى وجودا حقيقيا للمرشحين المؤهلين لمنافسة السيسي، ومن يخوضون الانتخابات ضده يفتقرون إلى الحضور السياسي القوي، ويدركون أنها انتخابات ليست في صالحهم”.
وأوضح حماد أن الفئة الثانية -بعد النخب- التي تولي المشاركةَ اهتمامًا هي الطبقة الوسطى، وهي فئة أرهقها غلاء الأسعار ولا تبالي بأي رؤية مستقبلية أو حل منطقي يجذبها إلى أي مرشح آخر، وهي أكثر وعيًا بالظروف الأمنية والسياسية التي تعانيها البلاد، وهو توجه يستدعي التوحد خلف القيادة الحالية.
أما الفئة الثالثة فهي الطبقة الفقيرة التي لا تعنيها الانتخابات أو من يفوز فيها، غير أنها يمكن أن تصبح قوام حملات الحشد التي يقوم بها العديد من أعضاء مجلس النواب في دوائرهم الانتخابية.
وتراجعت معدلات المشاركة في انتخابات الرئاسة السابقة عام 2018 مقارنة بسابقتها قبل أربع سنوات، وسجلت الانتخابات الماضية نحو 41 في المئة من إجمالي الناخبين فيما شارك 47 في المئة من الناخبين في انتخابات عام 2014، وسط توقعات بأن تنخفض النسبة هذه المرة بشكل أكبر.
وتبدو قلة حضور المواطنين في الانتخابات الحالية أمرا منطقيا، وقد لا تنشغل بها جهات مقتنعة بأن الخطر الذي تواجهه البلاد أكثر تأثيرا من انتخاب رئيس جديد.
كما أن المجتمع الدولي الذي وجه انتقادات لاقتراعات مصرية سابقة ليس لديه تأثير الآن في خضم حالة الغضب على الكثير من الحكومات الغربية، وظهور تعاملها بمعايير مزدوجة في مسألة حقوق الإنسان وما يحدث في غزة من جرائم.
وتتركز طموحات المصريين حيال الرئيس الجديد على إدخال تعديلات واسعة على الحكومة الحالية، وضخ دماء جديدة تساعد على تحسين أوضاعهم المعيشية، وهي أهداف يمكن تحقيقها دون الحاجة إلى خروجهم للتصويت في الانتخابات.
وقال الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عمرو هاشم ربيع إن “معالم تراجع حضور الناخبين تظهر بشكل أكبر في انتخابات الخارج بسبب قلة عدد اللجان الانتخابية؛ ويكفي القول إن دولة مثل السعودية يتواجد فيها 4 ملايين مصري، بينهم أكثر من مليونين لهم حق الانتخاب، ليس فيها سوى لجنتين انتخابيتين في جدة والرياض، ما يجعل الإقبال ضعيفا”.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “الوضع في السعودية يتكرر في جميع دول الخليج التي يتواجد فيها عدد كبير من المصريين، بالإضافة إلى عامل مهم سوف ينعكس بشكل أكبر على تراجع معدلات الإقبال ويتمثل في أن 70 في المئة من التوكيلات التي تم تحريرها للمعارض أحمد الطنطاوي، الذي فشل في استكمال العدد المطلوب، جاءت من الخارج وسيكون لعدم خوضه السباق تأثير مهم في تراجع اهتمام المصريين في الخارج بالعملية الانتخابية”.
ولفت ربيع إلى أن معاملة الحكومة للمصريين في الخارج على أنهم أداة لجذب العملات الصعبة تدفع نحو تراجع اهتمامهم بالانتخابات، والعديد منهم مقتنعون بأنهم لا يحصلون على حقوقهم كاملة ويعانون صعوبات جمة في الاغتراب.
وحسب بيانات وثّقها “ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان” (حقوقي محلي) بلغ عدد المشاركين في الانتخابات الرئاسية بالخارج عام 2012 نحو 314 ألفا، وارتفع في 2014 إلى 318 ألفا، وتراجع في انتخابات 2018 إلى 157 ألف صوت فقط، وسجلت اللجان الانتخابية في كل من السعودية والكويت النسب الأعلى في التصويت.
وأكدت الهيئة الوطنية للانتخابات أنه يحق لكل مصري مقيد بقاعدة بيانات الناخبين، ويكون متواجدا خارج البلاد خلال الأيام الثلاثة المحددة للانتخابات (الجمعة والسبت والأحد)، سواء أكان مقيما أم مسافرا لفترة وجيزة، أن يدلي بصوته في العملية الانتخابية بواسطة بطاقة الرقم القومي أو جواز السفر الساري، على أن يكون التصويت عن طريق الاقتراع السري المباشر، وعلى كل ناخب أن يباشر بنفسه الحق.
ويتوجه الناخب إلى مقر السفارة أو القنصلية الأقرب إليه ويقدم لرئيس اللجنة بطاقة رقمه القومي أو جواز السفر ساري الصلاحية للتحقق من شخصيته والتأكد من كونه مقيدًا بقاعدة بيانات الناخبين، وبناء عليه يحصل على بطاقة اقتراع.
ويتوجه الناخب بالبطاقة إلى المكان المخصص للتصويت ويختار مرشحه، ثم يطوي البطاقة ويضعها في صندوق الاقتراع باللجنة ويوقع في كشف الناخبين بما يفيد الحضور والإدلاء بصوته وينصرف.
العرب