تعرَّضت سفينة نقل يعتقد أنها لإسرائيليين لهجومٍ من قبل اليمنيين الحوثيين، وهو الهجوم الرابع، إضافة إلى هجمات بمسيّرات باتجاه إيلات، ويزداد التوتر بين أمريكا وإيران حول هذه المسألة. في هذا الوقت فإن أجمل أحلام قادة إسرائيل هو مواجهة عسكرية أمريكية – إيرانية، إنّه حلم القيادات السياسية والعسكرية والشعبية، فالجميع يرى أنّ إيران باتت تشكل خطرا من خلال أذرعها في المنطقة وعلى رأسها حزب الله، ومن خلال تسليحها وتدريبها ودعمها للمقاومة الإسلامية المتمركزة في قطاع غزة، ومؤخراً تدخلّ الحوثيين اليمنيين في الحرب، من خلال مهاجمة سفن تابعة لإسرائيليين، ولهذا إسقاطات اقتصادية على أجرة النقل، ومن ثمة أسعار البضائع، إضافة إلى التهديد والشعور بعدم الأمن في البحر الأحمر ومدينة إيلات، ومنطقة النقب الجنوبية وما فيها من منشآت، بحيث أنه لم تبق منطقة بعيدة أو آمنة داخل حدود إسرائيل. هذا يجري بدعم من إيران صاحبة الملفّ النووي، الذي يقلق إسرائيل وتخوّفها من حرمانها من هذا التفوّق النّوعي الاستراتيجي إقليمياً وحتى عالمياً.
القيادة الإسرائيلية لا يعجبها الموقف الأمريكي، وتدعو إلى إنشاء جبهة دولية بقيادة أمريكا لحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر والقضاء على «الإرهاب» في المنطقة
من ناحيتها تدعي إيران أنها لا تتدخل في قرارات الحوثيين، أو حزب الله الذي يؤكد من جانبه، أنّ اشتباكاته اليومية المتصاعدة يوماً بعد يوم، التي أوقفها أثناء الهدنة لبضعة أيام، خلال عملية تبادل الأسرى يؤكّد بلا لِبس أنّ اشتباكه هو دعم للمقاومة في قطاع غزة، ولكنّه في الوقت ذاته، لا يريد تحمّل مسؤولية نشوب مواجهة شاملة، تؤدّي إلى تنفيذ إسرائيل تهديداتها، بتحويل بيروت إلى غزّة أخرى، وهذا السيناريو مرعبٌ، لا يريد حزب الله تحمّل مسؤوليته، فهو يسعى إلى المحافظة على حالة دقيقة يشغل فيها أعداداً وعديداً من قوات لا بأس بها من الجيش الإسرائيلي، للتخفيف عن جبهة غزة، ومن دون مواجهة شاملة، ويبدو أنه نجح حتى الآن في هدفه، وهذا ليس مجانياً، فالمقاومة اللبنانية قدمت وتقدّم الكثيرين من الشهداء منذ بداية هذه المواجهة المُركَّبة.
من ناحيتها تتجنّب إسرائيل مواجهة شاملة مع حزب الله في هذه المرحلة، وتريد أوّلا التخلص من كابوس حماس في غزة، لتتفرغ في ما بعد إلى حزب الله. إلا أنّه حالة من الضغط من قبل سكان المستوطنات في شمال إسرائيل، فهم خرجوا من بلداتهم ويطالبون الحكومة بإبعاد خطر حزب الله عنهم، لأنّهم يخشون أن يحدث لهم، ما حدث لمستوطنات غلاف غزة في السَّابع من أكتوبر الأخير، وإلا فإنّ الحياة لم تعد ممكنة في ظل التهديد من جهة حزب الله، الذي تحدث عن خطط لاحتلال الجليل، وتحدّث كثيرون منهم عن أصوات يسمعونها في الليل تحت بيوتهم، ويعتقدون أنّها أنفاق يحفرها حزب الله، التي باتت خطيرة جدا بعد ما ظهر ما يمكن أن يخرج منها. نتنياهو وأكثر من مسؤول سياسي وعسكري التزم بإبعاد حزب الله عن الشريط الحدودي حتى نهر الليطاني، إلا أن المواجهة الشاملة مع حزب الله ليست سهلة لا الآن، ولا في المستقبل، ولهذا فإن أفضل ما يمكن أن يحدث، هو تجفيف مصادر قوّة حزب الله وهي إيران، ولهذا فإن حرباً أمريكية إيرانية هي أفضل ما يمكن أن تتخيله القيادة الإسرائيلية في الوقت الحالي وتدفع له وتحرّض عليه. إيران راضية بما تقدّم خصوصاً عندما تقارن نفسها بما تقدمه دول أخرى في المنطقة للمقاومة، وتسعى بحرص شديد إلى تجنّب الحرب الشاملة مع أمريكا، التي أعلنت عزمها على التصدي لمن يتدخّل في الحرب على حماس، فهي تعرف أنّ مواجهة شاملة سوف تصل إلى الملف النووي، الذي تسعى إلى تحقيقه بدهاء وهدوء وعمل لا يكل ولا يمل، وفي مناورات نجحت حتى الآن في تجنّب مواجهة مع أمريكا وحلفائها.
القيادة الإسرائيلية لا يعجبها الموقف الأمريكي، وتدعو إلى إنشاء جبهة دولية بقيادة أمريكا لحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر والقضاء على «الإرهاب» في المنطقة. يتحدّثون عن صبر أمريكا الذي بدأ بالنفاد، ويطالبون بالمواجهة، ولا يخفي مسؤولون استياءهم لصبر الرئيس جو بايدين، ويعتبرنه متساهلاً في موضوع التسلّح النووي الإيراني وضعيفاً، رغم كل ما يقدمه من دعم مادي وعسكري ومعنوي لإسرائيل. مواجهة أمريكية إيرانية ستقلب الصورة الحالية كلها رأساً على عقب، وستشكل فرصة ذهبية لتنفيذ خطط حكومة إسرائيل الحالية حتى النهاية، حيث إن بؤرة الاهتمام العالمي والإقليمي والعربي ستتجّه نحو المواجهة بين العمالقة، أمريكا وحلفائها من جهة وهذا يشمل إسرائيل وبعض العرب، وإيران وحزب الله ومقاومة غزة من جهة أخرى. هذا يعني أنّها فرصة ذهبية للقضاء على قدرات إيران النووية، بعد دمار كبير سيلحق لها، مثلما جرى القضاء على قدرات العراق من قبل، وكذلك ستكون مواجهة حزب الله أسهل بكثير بدعم أمريكي مباشر وتحقيق هدف إبعاد قواته إلى الليطاني. هذا يعني بالنّسبة إلى حكومة نتنياهو إتمام مخطط التهجير في قطاع غزة، ورسم الحل للقضية الفلسطينية كما يحلمون، وهو القضاء النهائي على القضية الفلسطينية. بايدن مأمور اللوبي الصهيوني في أمريكا، الذي يعتبر نفسه صهيونياَ، بل هو أكثر تطرفاً من كثيرين من الصهاينة، فهناك صهاينة يطالبون بالوقف الفوري للحرب وتبادل الأسرى طبق معادلة الكل مقابل الكل، بينما بايدن يردد ما يقول نتنياهو بأن حماس ترفض إطلاق سراح النساء المتبقيات في الأسر، كي لا يتحدّثن عن ما جرى لهن من اعتداءات جنسية، متجاهلاً النّساء اللاتي أُطلق سراحهن من الأسر، وما قلنه، وحيث قالت إحداهن لنتنياهو وجها لوجه، «إنّنا خلال مكوثنا في الأسر كنا نخشى من إسرائيل أن تقتلنا خلال القصف وليس من حماس»! إضافة إلى شهادات أكثر من واحدة عن حسن التعامل، وبدلاً من الدّعوة إلى وقف إطلاق نار فوري، يعلن تأييده لمواصلة الحرب حتى إطلاق سراح الرهائن، وإنهاء حكم حماس، في الوقت ذاته فهو يسعى إلى تجنّب المواجهة الشاملة مع إيران، ويحاول مثل إيران أن يمرَّر هذه الجولة بانتصار إسرائيلي على حماس، من غير مواجهة شاملة مع إيران، فهو لا يريد حرباً شاملة ضد إيران لأسبابه الداخلية والعالمية، خصوصاً الحرب في أوكرانيا، وهو يدرك أن حرباً ضد إيران قد تتدحرج في ظل الأوضاع العالمية إلى أكثر من حرب إقليمية، ولهذا سعى ويسعى إلى حلول غير الحرب الشاملة في مواجهة إيران، ويريد لهذه الحملة على قطاع غزة أن تنتهي دون انفجار كبير، وأن تبقى مساهمة إيران فيها في نطاق يمكن احتواؤه كما هو الحال الآن.