الحوثيون والبحر الأحمر بين الأهداف الإيرانية والغايات الأمريكية

الحوثيون والبحر الأحمر بين الأهداف الإيرانية والغايات الأمريكية

جاءت بيانات القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الاوسط لتوضح في الثالث من كانون الأول 2023 حقيقة الأوضاع الميدانية في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن عندما أقرت بوقوع أربع هجمات على ثلاث سفن تجارية في المياه الدولية جنوب البحر الأحمر وسقوط طائرتين مسيرتين أطلقت من الأراضي اليمنية من قبل المدمرة الأمريكية ( كارني)، اثارت هذه الواقعة اهتمام ومتابعة الإدارة الأمريكية لطبيعة وأهمية المنطقة كونها تشكل الشريان الرئيسي لحركة الملاحة الدولية وأحد أهم ممرات الشحن ازدحاماً في العالم وتسعى للحفاظ على حالة الأمن البحري في منطقة باب المندب والمياه المحيطة به الذي تعتبره من الأسس الاستراتيجية في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية لضمان مرور السفن التجارية دون أي عوائق او مشاكل تشكل تهديداً للمصالح الدولية وحماية للتجارة العالمية.
تمكنت الأجهزة الاستخبارية الأمريكية من رصد حركة وفعاليات الحوثيين بمهاجمتهم لهذه السفن وتفعيل نشاط حاملات الطائرات الأمريكية في منطقة الخليج العربي وشرق البحر الأبيض المتوسط، ولم تتعامل مع الأحداث بصورة مباشرة او بالرد السريع باستهداف منصات إطلاق الصواريخ البالستية التي انطلقت بواقع ثمان دفعات مع مجموعة من صواريخ كروز وعدد من الطائرات المسيرة بعيدة المدى والتي وصلت بعضها إلى ميناء ايلات جنوب إسرائيل، وتصاعد حدة العمليات وأدت إلى إسقاط الحوثيين لطائرة أمريكية نوع ( أم كيو _9 ريبر).


أدركت القيادة العسكرية الأمريكية أن تطور المواجهة التي أحدثتها الضربات الحوثية وطبيعة الإجراءات والأساليب المتبعة أنها تأتي في سياق ( وحدة ساحات المقاومة) في الرد على قيام القوات الإسرائيلية باقتحام قطاع غزة والتهديد بالتعرض على المصالح الإسرائيلية ومنع أي سفينة من المرور في خليج عدن بإتجاه قناة السويس وصولاً إلى إسرائيل، وهي إحدى الممارسات التي أقدم عليها النظام الإيراني في عملية تحقيق المكاسب وتوظيفها لصالح أهدافه ورؤيته في كيفية الاستفادة من تطور الأحداث وعدم التورط بأي مواجهة عسكرية إقليمية ومهاجمة إسرائيل لان لديها أذرع وشركاء في محور المقاومة التي تتبع سياستها وتعمل وفق استراتيجيتها وتتصرف نيابة عنها وهي ما تمثل الرؤية الإيرانية السياسية حالياً من الأوضاع القائمة في قطاع غزة، وهنا بدأ النظام الإيراني يستخدم الحوثيين على نطاق أوسع في تنفيذ مخططاته في المراوغة وتحقيق قدر من المواجهة التي يسعى إليها لتعزيز تحالفه القوى مع الحوثيين والذي يرتكز على مقومات عديدة في تقاربهما الايديولوجي وأهدافهما الجيو سياسية وتعزيز مكانتهم والذي أصبح واقعاً حقيقياً في الميدان.
طلبت إيران من الحوثيين تصعيد جهودهم العسكرية في استهداف المصالح الأمريكية والسفن البحرية في هذه المرحلة التي يرى فيها الإيرانيون انها تعزز من إمكانياتهم وتزيد من فرصهم السياسية في أي مفاوضات قادمة لإنهاء الملف النووي او تحقيق غايات ذات أبعاد استراتيجية تخدم مشروعهم السياسي واعتبارهم دولة إقليمية لها دورها المؤثر في حل أي أزمة تعيشها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
يمكن لنا أن نحدد الأهداف الرئيسية التي يتبناها النظام الإيراني والتي تشكل أحد أدوات التأثير الإقليمي من خلال استمرار تقديم الدعم وتحسين نوعية العمليات العسكرية التي يقوم بها الحوثيين عبر تبادل المعلومات الاستخبارية وتعديل أنظمة الإطلاق الصاروخي الخاصة بهم ومنحهم طائرات مسيرة نوع شاهد 136 ذات فعالية عالية متقدمة تم تطويرها وتزويدها برأس باحث كهروضوئي لتكون قادرة على استهداف أي هدف متحرك ومهاجمته بدقة لكي يستمر تأثير الحوثيين في استعراض قوتهم وقدرتهم على تهديد الملاحة الدولية والشحن البحري والتأثير على حركة التجارة العالمية في منطقة باب المندب التي تربط بين خليج عدن والبحر الأحمر مستغلة بذلك سيطرة الحوثيين على منطقة الحديدة اليمنية التي تشمل معظم ساحل اليمن على البحر الأحمر وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى والتي تشكل 70٪ من واردات اليمن، في حين تسيطر قوات الحكومة اليمنية الشرعية على أجزاء من محافظة تعز التي تقع بالقرب من مضيق باب المندب والساحل الطويل لخليج عدن، وهذا ما يمنح الحوثيين أفضلية عسكرية وتجارية تساهم في وصول الأسلحة والمعدات الحديثة من الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية إليهم وعبر عدة وسائل تستخدم في التهريب عبر عمليات تفكيك الصواريخ وثم إعادة تجميعها بعد دخولها للأراضي اليمنية.
يسعى النظام الإيراني الى تعزيز تواجده في بحر العرب والبحر الأحمر بدوافع الحرب الدولية على القرصنة وجمع المعلومات الاستخبارية وتهريب الأسلحة للحوثيين وحركة الشباب في الصومال بوجود الفرقاطة الإيرانية ( ألبرز ) إحدى المدمرات الدفاعية الجيدة في البحر الأحمر والفرقاطة ( جمران) في خليج عدن بعد أن استهدفت السفينة الإيرانية ( سافيز) والتي كانت معدة للتجسس وحيازة الأسلحة في حينها من قبل طائرة مسيرة او الغام لاصقة بحرية في نيسان 2021.
قامت إيران بتقديم الخبرات والتكنولوجيا الحديثة وتدريب عناصر الحوثيين لإنتاج تصميمات إيرانية محلية باستخدام مكونات واجزاء يتم تجميعها والتي تهرب إليهم عبر المنافذ البحرية، وساهمت المساعدات الإيرانية العسكرية في تعزيز قدرة الحوثيين على إطلاق صواريخ عابرة قصيرة من الزوارق المسيرة نوع ( شهاب وقاصف) وصواريخ كروز متنوعة ضد السفن مداها 80_300 كم نوع ( صياد وسجيل) والصواريخ البالستية المضادة للسفن التي يصل مداها إلى 300 كم، واستخدام الألغام اللاصقة والاستيلاء على السفن بواسطة غواصين ماهرين مدربين من قبل الحرس الثوري الإيراني.
سعت الولايات المتحدة الأمريكية لوضع سياسة ( احتواء القوة العسكرية والسياسية للحوثيين وتقبلها بسبب حرص واشنطن على عدم انهيار عملية السلام التي تشرف عليها في اليمن بين جميع الأطراف ودعم الجهود السعودية في احتواءها ولأهمية موقع اليمن المطل على اهم الممرات البحرية وتحجيم دور الحوثيين في السيطرة عليها، ولكن النظام الإيراني لا يزال يستخدم أسلوب إظهار القوة والتأثير الإقليمي بدعم وكلائه في المنطقة واستفزاز القوات الأمريكية ودفع الحوثيين للقيام بعمليات عسكرية تستهدف المصالح الأمريكية.
أمام هذه التطورات المستمرة تحدث المبعوث الأمريكي لليمن ( تيم ليند ركينيج) بتاريخ 14 كانون الأول 2023 إلى ( أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد تشكيل أوسع تحالف بحري ممكن لحماية السفن في البحر الأحمر وإرسال إشارة مهمة للحوثيين بأنه لن نتسامح مع مزيد من الهجمات، وأن واشنطن تهدف إلى توسيع قوة العمل البحرية الدولية الحالية لتصبح تحالف دولي يخصص بعض المواد لحماية حرية الملاحة).
وبغية حماية التواجد الإيراني ودعم حركة الحوثيين، جاء الرد الإيراني على لسان وزير الدفاع محمد رضا اشتياني بالتحذير من مقترح تشكيل قوة متعددة الجنسيات مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية لحماية الملاحة في البحر الأحمر وإن الحلف سيواجه ( مشكلات استثنائية) ولا يمكن لأحد أن يتحرك في منطقة نهيمن عليها، في إشارة للبحر الأحمر وسيطرة الحوثيين فيها.
ان تشكيل تحالف بحري إقليمي في منطقة البحر الأحمر سيساهم في مراقبة التحركات الإيرانية والحد من عمليات نقل الأسلحة والصواريخ والطائرات المسيرة للحوثيين ومنع تهديد الملاحة فيه وقرصنة السفن بحجج واهية وهي التي تقوم بها عناصر الحوثيين وتعتبر صورة من الحرب بالوكالة بين أهداف إيران وغايات واشنطن وضمن سلسلة من العمليات الممثلة التي قامت بها إيران في المياه الإقليمية للخليج العربي وخليح عُمان وتأكيد عدم مصداقية إيران في الالتزام بالإعلان السعودي الإيراني في أذار 2023 وابقاء حالة التهديد واستهداف المصالح السعودية في المنطقة.
ان السياسية الإيرانية أصبحت أكثر وضوحاً بعد أحداث غزة ومواقفها المعلنة أكدت حقيقة دوافعها الإقليمية وحرصها على بقاء نظامها السياسي بعيداً عن كل ما تصرح به من حرصها على ثوابت الأمة العربية والإسلامية، وأن ما تقوم به من أفعال وتوجيهات لوكلائها وفصائلها المسلحة في بعض عواصم الاقطار العربية ومنهم الحوثيين إنما تمثل أفعال لا تأثير لها على الواقع ولا تغير من طبيعة القتال القائم والمواجهة العسكرية التي لم تتوقف لحد الآن رغم التضحيات الكبيرة التي قدمها أبناء غزة في الأرواح والممتلكات وهدم البنية التحتية للقطاع، وسعي إيران لاستخدامها ورقة سياسية في اي مفاوضات ومتغيرات قادمة، وقد تمتد الأهداف الإيرانية إلى توجيه رسائل مبطنة تستهدف منها الوصول لأهداف استراتيجية باستمرار الحوثيين بأعمالهم في منطقة البحر الأحمر واستهداف القوات البحرية الأمريكية وتعزيز الهجمات الساحلية والتعرض لحركة التجارة العالمية باستمرار الهجوم على السفن البحرية في منطقة مهمة تستقبل سنويا 23 ألف سفينة عبر مضيق باب المندب.

وحدة الدراسات الايرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية