منذ تغير النظام السياسي في العراق بعد عام 2003 عرف العراقيون نظاماً ديمقراطياً قائماً على أساس الدستور الذي صوت عليه الشعب في 2005، ومنذ ما يقارب عقدين من إجراء انتخابات البرلمانات ومجالس المحافظات، لم تنتج تلك الاستحقاقات ما أراده المواطنون منها بسبب عمليات التشويه التي طرأت على العمليتين الانتخابية والسياسية في البلاد.
وعلى رغم التفاؤل النسبي بانتخابات مجالس المحافظات العراقية المستند إلى الوضع السياسي الذي يعيش حالاً من الاستقرار ويتبعه الوضعان الأمني والمجتمعي، إلا أنه مترافق مع نوع من الحذر بسبب احتمالات العودة لنظام العد والفرز اليدوي، الممهد لإمكان حدوث بعض عمليات التزوير أو التلاعب بالنتائج، فضلاً عن التأخير المتوقع في إعلان النتائج.
ورأى سكرتير اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي أن “الديمقراطية لا يمكن أن تُختزل بالانتخابات فقط، كما لا يمكنها أن تصبح تعبيراً حقيقياً عن رأي المواطن، إلا إذا توافرت فيها شروط الحرية والعدالة والشفافية والنزاهة”، مبيّناً أن “شروط تأمين عملية انتخابية ديمقراطية حقيقية تحتاج إلى بيئة مناسبة تحفظ أسس الديمقراطية لأن المال السياسي واستغلال موارد السلطة ونفوذها واعتماد قانون انتخابي غير منصف، فضلاً عن بيئة غير آمنة، كلها مؤشرات ومؤثرات سلبية كانت حاضرة على الدوام في كل الدورات الانتخابية السابقة، مما جعلها لا تعكس بأمانة حقيقة خيارات الناخبين ومما يفسر النسبة المرتفعة للعزوف والمقاطعة من المواطنين العراقيين الذين يحق لهم التصويت”.
وتابع فهمي، أنه “لذلك ستظل مخرجات العمليات الانتخابية لا تقدم تمثيلاً كاملاً وصادقاً لآراء التيارات السياسية والفكرية في المجتمع وخياراتها وقوتها. ونحن ندرك في الوقت نفسه أن تطوير العملية الانتخابية وتوفير الشروط الفضلى لعدالتها ونزاهتها لن يتحققا من دون ضغط سياسي وشعبي متواصلين وعمل تعبوي وتوعوي للارتقاء بالوعي الانتخابي على المستوى الشعبي”.
وأوضح أن “الأمر يتعلق بإدراك المواطن والمواطنة أهمية وقيمة صوته وصوتها وضرورة عدم استرخائهما أو التفريط بحقهما في التعبير عن رأيهما ومشاركتهما في الحياة السياسية، على اعتبار أن الانتخابات الحرة النزيهة رافعة ووسيلة لإحداث التغيير نحو الأفضل”.
وأشار فهمي إلى أن “انتخابات مجالس المحافظات في ظروف بلادنا الراهنة هي ساحة ومجال متاح للمواطن لكي يعبر عن خياراته وأن يدلي بصوته لمصلحة مرشحين يحملون رؤى ومشاريع تدعو إلى التغيير، أي الخلاص من ثالوث المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت، ويمتلكون مواصفات الصدق والنزاهة والإخلاص والسيرة السليمة التي تبرر منحهم الثقة”.
تداول السلطة
من جهة أخرى، قال عقيل الرديني، المتحدث باسم ائتلاف “النصر” الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، إن “جميع العراقيين يعلمون أنه بعد عام 2003 طرأ تحول كبير على العمليتين السياسية والديمقراطية في البلد لأنه في زمن النظام العراقي السابق لم تكن هناك انتخابات وتداول سلمي للسلطة، بل كان الحكم بيد الحزب الواحد والرئيس الواحد والرأي الواحد، بينما الديمقراطية التي جاءت إلى العراق بعد 2003، فإنها لو استُخدمت بالصورة الصحيحة لكانت قدمت كل شيء إلى العراقيين من خلال التداول السلمي للسلطة، فضلاً عن مشاركة أبناء الشعب العراقي في رسم سياسات الدولة”، ورجح الرديني أن يكون “هناك كثيرون غير راضين عن الأداء الحكومي وعن عمل الدولة العراقية بكل مؤسساتها، بينما يقول آخرون إن النظام العراقي السابق كان أفضل، ويبرر هؤلاء آراءهم وأقاويلهم بسوء استخدام السلطة والديمقراطية بعد 2003 لأن الدستور العراقي النافذ الذي تم التصويت عليه في 2005 من قبل الشعب العراقي كان من الممكن أن يحقق كثيراً، لكن للأسف الشديد سوء استخدام السلطة أضاع كثيراً من فرص التقدم على البلد ومواطنيه”.
وتابع أن “اليوم هناك نقطة تحول جديدة وبارقة أمل كبيرة ممكن أن تسهم في الدخول إلى عالم جديد من الحياة السياسية في العراق نظراً إلى ما تقوم به الحكومة الحالية من إجراءات مهمة على مستويات عدة في مجالات السياسة والاقتصاد والبناء والإعمار وحتى في مجال الانتخابات، فإن تجربة انتخابات مجالس المحافظات تعود بعد توقفها 10 أعوام كاملة، إذ كانت آخر انتخابات جرت في 2013 وبقيت الرقابة على عمل المحافظين غائبة طوال هذه المدة”.
ورأى الرديني أن “عملية ديمقراطية حقيقية وانسيابية في التصويت جرت في اليوم الأول للانتخابات من خلال مشاركة أكثر من مليون منتسب للقوات الأمنية يحق لهم التصويت، ذهبوا بنسبة حوالى 90 في المئة في مجمل المحافظات للإدلاء بأصواتهم واختيار من يمثلهم في مجالس المحافظات للمرحلة المقبلة”.
وقال إنه “لو استخدمنا التقنيات الحديثة في عملية التصويت بالصورة الصحيحة لحصلنا على نتائج نزيهة ونظيفة مع إعلان سريع لها، أما استخدام الأجهزة بشكل خاطئ فيجعلنا لا نحصل على النتائج، لذلك نشهد اليوم مرحلة جديدة بعد مخاض كبير منذ عام 2019 الذي كان عاماً للتحديات والتظاهرات، وقد خرج العراق من عنق الزجاجة بعد الانتصار الكبير على عصابات ’داعش‘، وكلها تحديات أخرت العملية الديمقراطية والسياسية في البلاد”.
وتابع أنه “اليوم نمر بمرحلة جديدة، لذلك على العراقيين أن يتكاتفوا في ما بينهم لخدمة البلاد ومصلحة الشعب العراقي”.
الاقتراع العام
في السياق، قال المحلل السياسي مجاشع محمد إن “الدستور العراقي النافذ يورد أن الشعب هو مصدر السلطات، لذا تشكل الديمقراطية إحدى القيم والمبادئ الأساسية العالمية للأمم المتحدة. وفي العراق كان يفترض أن يتم انتخاب مجالس الأقضية والنواحي والمحافظات والبرلمان ومجلس الاتحاد، لكن القوى السياسية التقليدية كانت تخشى من تسليم السلطة وبناء دولة حقيقية”. وأضاف أن “احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومبدأ عقد انتخابات دورية وحقيقية بالاقتراع العام، كلها تُعتبر من العناصر الأساسية للديمقراطية، لكن الانتخابات في العراق لم تقُم بالدور المناط بها بسبب التدخل السياسي في الشؤون الانتخابية وفي السلطات كافة، لذلك انحرفت الديمقراطية ولم يكن هناك تحمّل لمسؤولية الرقابة والمحاسبة، فانهارت مؤسسات الدولة وانتشر الفساد وسوء الإدارة”.
أما المواطن العراقي أحمد زيدان الكناني، فأعرب عن اعتقاده بأن “هناك عدم ثقة بمجالس المحافظات السابقة لأنها متهمة بالفساد ولم تؤدِّ الواجبات المناطة بها. وغياب هذه الثقة بدأ يفرض نفسه على الشعب، فبات المواطنون الذين لا ينتمون إلى كيانات وأحزاب سياسية مترددين في المشاركة في الانتخابات، وهناك من يشدد على المقاطعة”. وأضاف أن “ما نأمله حقيقةً أن تكون الانتخابات نزيهة وخالية من الضغوطات عند التصويت، وأن يصان صوت المواطن ويصل بأمانة تامة إلى المرشح المختار”، لافتاً إلى أن “مقاطعة تيار شعبي واسع جداً في العراق للانتخابات، وأعني هنا التيار الصدري، ستؤدي إلى تغيير كبير جداً في النتائج، لا سيما في محافظتي بغداد وديالى، إذ لن تكون هناك كتلة واحدة قادرة على تشكيل الحكومتين المحليتين في هاتين المحافظتين”.