استراتيجية أوباما الجديدة في سوريا

استراتيجية أوباما الجديدة في سوريا

22qpt470

بات جلياً لأي مراقب لمجريات الأحداث أن الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة إنما تتماهى في المجريات الدولية و التطورات المتسارعة المرتبطة بالشأن السوري وقضية الرعب والتهديد الذي بات يشكله «تنظيم الدولة»؛ بدءاً من التدخل الروسي المباشر في سوريا، مروراً بهجمات باريس في 13 نوفمبر/تشرين الثاني السابق، وهجمات سان برناردينو في كاليفورنيا ،وانتهاءً بالتحالف الإسلامي ضد الإرهاب الذي أعلن عنه في السعودية واتخذ الرياض مقراً لهُ .
إن العنوان العريض لاستراتيجية الرئيس الأمريكي باراك أوباما حالياً؛ أعلنَ خطوطها الرئيسية في خطابه «للأمة الأمريكية» مساء الأحد الماضي «إن الاستراتيجية التي نستخدمها الآن الغارات الجوية، والقوات الخاصة، والعمل مع القوات المحلية التي تقاتل من أجل استعادة السيطرة على بلادها هي التي تمكننا من تحقيق فوز أكثر استدامة» وإن «أمريكا ستكون في أمان في الداخل والخارج إذا تحالفنا مع معظم المسلمين ضد المتطرفين». لم يلجأ أوباما إلى إعطاء أوامر بإرسال قوات خاصة أمريكية وتحديداً إلى الرقة ،وهو الذي أتى إلى سدة البيت الأبيض بشعار «التغيير» وتعهده بسحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان ، رغم أنه مقتنع ومعه شريحة واسعة من الديمقراطيين أنَّ إرسال قوات أمريكية أمر مكلف ،وأنها مجازفة بأرواح تلك القوات ،وأنّ ذلكَ عين ما تريده الجماعات المتطرفة .وإن تأكيدات الخبراء والمراقبين لقضية الحرب على تنظيم الدولة تؤكد أن الضربات الجوية وحدها لا تكفي للقضاء على هذا التنظيم ،ومن المرجح أنَّ الرئيس أوباما ومستشاريه يأخذون بالحسبان استطلاعات رأي الشعب الأمريكي التي تجريها المراكز والمؤسسات المعنية باستطلاعات الرأي ،ومراقبة السياسات الأمريكية حيث تشير آخر استطلاعات للرأي أنَّ 68% يرون أنَّ الرد العسكري الأمريكي ليس قوياً بما يكفي لمواجهة خطر التنظيم .
إذاً من هي القوات البرية التي يمكن الاعتماد عليها ؟!. ،مما لاشكَ فيه إن أبرز تلك القوة الموثوقة هي البيشمركة ووحدات الحماية للاتحاد الديمقراطي بالإضافة لبعض الفصائل من الجيش الحر التي تخضع للتدقيق الاستخباراتي ، غير أن عمليات التهجير والانتقام من القرى العربية التي قامت بها وحدات الحماية الكردية والتوتر الأخير مع جيش العشائر الذي يشكل مع لواء ثوار الرقة «جبهة ثوار الرقة» أهم الفصائل المحلية التي تحارب التنظيم في أهم المدن التي يعتبرها الغرب معقل التنظيم (الرقة) هذا الأمر الذي دفع «جيش العشائر وبعد مقتل أحد عناصره على أيدي عناصر من الوحدات بإصدار بيان يعتبر الوحدات الكردية الموجودة قوات خارجية وليست سورية مطالباً إياها بتسليم تل أبيض والانسحاب منها وبشكل نهائي ،وتيقن الإدارة الأمريكية أن الوحدات لا تريد أنّ تحارب خارج مناطقها وخصوصاً في مناطق العرب السنة ؛أي أنهم اكتفوا بحدود كانتوناتهم التي رسموها وأقروا لها «إدارة ذاتية» ناهيك عن أعدادهم التي لا تغطي أماكن تواجدهم الأمر الذي دفعهم بتقديم الإغراءات المادية والمكاسب لقادة ميليشيات كانت تنتمي للجيش الحر، لتجنيد شباب عرب لسد العجز في نقص الأعداد الذي تحتاجه الوحدات ،بالإضافة إلى أنَّ تركيا تعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني العدو اللدود لتركيا ،وحساسية التعاطي معه واعتباره تنظيماً إرهابياً يجب محاربته ، فلايمكن للإدارة الأمريكية أن تستثني الدور التركي المؤثر والمهم في سوريا ،وهو البلد الذي يقع على حدود «تنظيم الدولة» وهو وضع قاعدة إنجرليك الجوية تحت تصرف الأمريكان وبقية دول التحالف في ميزان تبادل المصالح بين الطرفين ،لاسيما في ظل التصعيد السياسي والدبلوماسي والاستفزازات بين تركيا من جهة وروسيا التي دخلت الحرب مع النظام السوري بشكل مباشر من جهة أخرى .
كل المؤشرات تفترض استبعاد الوحدات الكردية من المعادلة لتبقى بعض فصائل الجيش الحر جبهة ثوار الرقة وجيش دير الزور الموحد والذي أرسلت القوات الأمريكية لهم مستشارين وخبراء عسكريين لتدريبهم في معسكرات مستقلة منذ عدة أشهر،يرجح بعض المراقبين أنَّه يجري وضع الترتيبات اللازمة مع تلك الفصائل بشأن دخول القوات الخاصة الأمريكية والتي ستشارك بعمليات محدودة وتقوم بمساندة لفصائل الجيش الحر في بعض عمليات الإسناد والهجوم .ليبقى الباب موارباً لقوات البيشمركه المدربة على درجة عالية ،ولها تجربة في حرب التنظيم في معارك عين العرب – كوباني ومعارك سنجار ،إضافة أنها قوات مقبولة من جميع الأطراف بما فيها تركيا للدخول والمشاركة الفعلية ،لكن ربما ليس في هذه المرحلة بل في مرحلة الاستغناء عن الوحدات الكردية بشكل نهائي والذي يقترن ذلك بمفاعيل الرغبة الأمريكية أولاً والتفاهم الأمريكي – التركي بالإضافة أنهُ سيكون إحراجاً كبيراً للروس .

مظفر الأحمد

صحيفة القدس العربي