واشنطن – مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر المقبل، تشير استطلاعات الرأي إلى احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض من جديد، إذا نجح في تجاوز العقبات القانونية والقضائية التي تعترض طريق ترشحه. وهذا الاحتمال يثير مخاوف كثيرة في الشرق الأوسط في ضوء تأثيرات رئاسة ترامب السابقة على المنطقة.
وقال المحلل التركي هاشم تفينش في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست إنه رغم التغيرات الكبيرة التي طرأت على الشرق الأوسط، في غيبته، فإن احتمال عودة ترامب لرئاسة الولايات المتحدة تنطوي على تحديات فريدة للمنطقة.
وأضاف تفينش أن “تأثير ترامب على العلاقات الدبلوماسية يزداد تعقيدا بسبب التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين. فقد تدفع لهجة ترامب المباشرة والمستفزة الدول الشرق أوسطية للانحياز إلى الجانب الصيني، وهو ما يهدد بتصاعد الصراع بين بكين وواشنطن واتساع نطاقه”.
ولحسن الحظ اعتاد اللاعبون الرئيسيون في الإقليم على الأسلوب الفريد لترامب، وأصبحت علاقاتهم الدبلوماسية أفضل، ورغم ذلك فإن عودة ترامب ستكون لها تداعيات مهمة على الشرق الأوسط لأن الولايات المتحدة مازالت أقوى لاعب فيه.
ومن منظور ما، يمكن القول إن نهج ترامب لا يختلف عن نهج سلفه باراك أوباما وخليفته جو بايدن فيما يتعلق بالوجود العسكري الأميركي في المنطقة وسياسات مكافحة الإرهاب ودعم الحلفاء الإقليميين، لكنه يختلف فيما يتعلق بإيران، حيث سعى إلى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية عليها بسبب برنامجها النووي.
وحتى مع هذا الاستثناء، فإن الرؤساء الثلاثة كانوا يستهدفون على الأقل من الناحية النظرية تقليص الوجود الأميركي في المنطقة، رغم أن التطورات على الأرض سارت في اتجاه معاكس، وصولا إلى قيام الرئيس بايدن بنشر حاملة طائرات والعديد من القطع البحرية الحربية في كل من البحر المتوسط والبحر الأحمر على خلفية تداعيات الحرب الفلسطينية الإسرائيلية في قطاع غزة.
وتتمثل خطورة رئاسة ترامب، في أن أغلب مشكلات الشرق الأوسط تحتاج إلى مهارة سياسية فائقة للمحافظة على التوزان الدقيق للمصالح، في ظل عدم وجود أي حلول واضحة وحاسمة لهذه المشكلات، ولكن ترامب يبدو مثل “ثور في متجر خزف”. فدبلوماسية ترامب لا يعرف محتواها الدبلوماسيون الأميركيون وأحيانا أعضاء الدائرة الضيقة المحيطة به.
كما كان يقدم وعودا متناقضة لقادة الدول المختلفين، ويدلي بتصريحات عشوائية ويتخذ خطوات غير متوقعة وجذرية، وهو ما كان يفجر أزمات كبرى، كما حدث عندما قرر نقل السفارة الأميركية لدى إسرائيل إلى القدس.
ويرى تفينش الذي عمل لسنوات في وزارة الخارجية التركية أن إعادة انتخاب ترامب في انتخابات 2024 لن تعيد الساعة إلى الوراء في الشرق الأوسط. فالمنطقة شهدت تغييرات كبيرة أثناء غيابه عن البيت الأبيض. وأصبح قادة المنطقة أكثر اعتيادا على شخصيته وأسلوبه الفريد، ولكن قد لا يكون ذلك كافيا لاحتواء المخاطر والتحديات التي يمكن أن تواجه المنطقة عند عودته للبيت الأبيض.
وعندما وصل ترامب إلى البيت الأبيض في 2017، كانت المنطقة غارقة بالفعل في الإرهاب والحروب الأهلية والتنافس بين القوى الإقليمية المتوسطة. وفي حين أنه لم يغير سياسات بلاده تجاه المنطقة بشكل جذري، فإن “أسلوبه الفريد والمدمر” كان له تأثير قوي على المنطقة.
وفي الولاية الثانية المحتملة لترامب سيكون الفاعلون الإقليميون أكثر اعتيادا على أسلوبه. لذلك يمكن للقادة الشرق الأوسطيين التعامل بحكمة أكبر خلال الولاية الثانية. فهم أولا يدركون أن ترامب قد لا يترجم أقواله إلى أفعال.
وهذا يمكن أن يجعلهم يفكرون مرتين قبل الرد على تصريحاته ومواقفه. والحقيقة أن الإمارات العربية المتحدة دخلت في حوار مع إيران أثناء وجود ترامب في البيت الأبيض، ردا على سلبية الولايات المتحدة في مواجهة تحرش إيران بحركة النقل البحري في الخليج. وفي الوقت نفسه، فإن اللاعبين الإقليميين يمكن أن يصبحوا أشد حذرا قبل تصعيد أي توترات في وجوده.
◙ نهج ترامب لا يختلف عن نهج سلفه باراك أوباما وخليفته جو بايدن فيما يتعلق بالوجود العسكري في المنطقة وسياسات مكافحة الإرهاب ودعم الحلفاء الإقليميين
وثانيا، أصبح اللاعبون الإقليميون أكثر خبرة في الدبلوماسية الإقليمية والتفاوض منذ غادر ترامب السلطة عام 2021، لذلك فإذا أدت رئاسة ترامب الثانية إلى فراغ في القيادة بالشرق الأوسط، يمكن للاعبين الإقليميين بلورة آليات إقليمية للمحافظة على الاستقرار. وتشير كثافة الاتصالات الدبلوماسية بين القوى الإقليمية والدولية في المنطقة منذ نشوب الحرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قطاع غزة إلى تزايد الرغبة في الحوار والتعاون.
ومع تصاعد الصراع في غزة جرت محادثات بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. كما زار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان القاهرة لمقابلة نظيره المصري. وزار رئيسي الرياض لحضور قمة منظمة التعاون الإسلامي حول حرب غزة. وأثناء الزيارة اجتمع رئيسي مع ولي العهد السعودي والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
ويشير كل ذلك إلى أن اللاعبين الإقليميين يريدون المحافظة على الأمر الواقع من خلال احتواء وإدارة الاضطرابات الإقليمية عبر الدبلوماسية. لذلك، الأرجح أن تتصرف المنطقة بطريقة مسؤولة أكبر خلال ولاية ترامب الثانية مقارنة بولايته الأولى.
ورغم ذلك، فإن اعتياد قادة الشرق الأوسط على طريقة ترامب الذي يصعب التنبؤ بتحركاته، لا يعني القدرة على إدارتها بطريقة عقلانية. فالولايات المتحدة مازالت أكبر قوة في المنطقة، من خلال شبكة واسعة للقواعد العسكرية ووجود أكثر من 40 ألف جندي أميركي فيها. ولذلك فإن عودة ترامب المحتملة إلى الرئاسة يمكن أن تخلق حالة من الغموض والتذبذب في الشرق الأوسط.
وفي الوقت نفسه، يزيد تصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والصين طبقة أخرى من التعقيد إلى المشهد في الشرق الأوسط. ففي ظل رئاسة ترامب يمكن أن يتصاعد الصراع الصيني الأميركي، مما سيخلق خطوط تصدع جديدة ويفجر صراعات محتملة. ومهما كانت نوايا وأهداف ترامب في رئاسته الثانية، سيظل الجميع في الشرق الأوسط قلقين من كيفية تنفيذه لهذه النوايا وتحقيق ما يصبو إليه.
العرب