لا تزال حادثة تسلل مواطن جزائري إلى غرفة انطواء نظام العجلات لطائرة الخطوط الجوية الجزائرية، بغية الوصول إلى فرنسا تتفاعل بشكل كبير على الساحة الجزائرية، لاسيما بعد توقيف عدد من الأمنيين والضباط وإقالة مدير الأمن الوطني، وهو ما يعيد إلى الأذهان حادثة الكوكايين في العام 2018 والتي أطاحت برؤوس كبيرة.
الجزائر- أقالت الحكومة الجزائرية مدير الأمن الوطني فريد زين الدين بن شيخ، وعينت خلفا له بعلي بداوي، على خلفية حادثة الشاب الذي تسلل إلى غرفة انطواء نظام العجلات لطائرة الخطوط الجوية الجزائرية بمطار أحمد بن بلة بوهران في رحلتها المتوجهة إلى باريس والذي لم يتم الانتباه له إلا في مطار أورلي، حيث وجد في حالة صحية معقدة.
وأثارت حادثة التسلل جدلا كبيرا في الجزائر، وسلطت الضوء مجددا على قضية تورط أمنيين وضباط في الهجرة غير الشرعية.
وأمر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بفتح تحقيق معمق أسفر إلى حد الآن عن توقيف ضباط أمن ومسؤولين في المطار، ثم الرجل الأول في جهاز الأمن، مما فتح باب التأويلات أمام تجدد صراع الأجنحة داخل السلطة، خاصة وأن مجريات الحادثة تشبه حادثة شحنة الكوكايين التي شكلت العام 2018 منعطفا كبيرا داخل أجهزة عسكرية وأمنية ومدنية.
ويعد فريد زين الدين بن شيخ من الكوادر الأمنية التي تدرجت في مختلف الرتب والمسؤوليات، وتلقى تكوينا في فرنسا، قبل أن يعين مديرا للأمن الوطني في مارس الماضي، وكان خلف تفكيك العديد من القضايا والملفات، بما في ذلك التي يرجح وقوع وصايتها تحت جهاز الأمن الداخلي التابع للاستخبارات.
وذكر بيان للرئاسة الجزائرية أنه “بأمر من رئيس الجمهورية السيد عبدالمجيد تبون، فتح المدير العام للأمن الداخلي (جهاز الاستخبارات) تحقيقا ابتدائيا معمقا في حادثة تسلل الشاب رحماني مهدي بهدف الهجرة غير الشرعية عبر طائرة تابعة للخطوط الجوية الجزائرية بمطار وهران الدولي على الساعة الثامنة وخمس دقائق صباحا يوم 28 /12 /2023 في رحلتها المتجهة إلى مطار أورلي، حيث ضُبط هناك”.
وأضاف “كشفت التحقيقات التي باشرتها المديرية العامة للأمن الداخلي، بعين المكان، عن تحديد المسؤولية المباشرة لسبعة من موظفي المديرية العامة للأمن الوطني، بشرطة الحدود، بالإضافة إلى المحافظ رئيس الفرقة الثانية لشرطة الحدود بمطار وهران، وعميد الشرطة المكلف بأمن المطار”.
وأوضح البيان “كشفت التحقيقات أيضا عن المسؤولية المباشرة لتقني ميكانيكي بالخطوط الجوية الجزائرية، لتمتد المسؤوليات من الناحية الإدارية، إلى المدير التقني التابع للخطوط الجوية الجزائرية ومدير مطار وهران، والمدير الجهوي للمؤسسة الوطنية لتسيير المطارات بوهران”.
ولفت بيان الرئاسة إلى أن هناك إجراءات إدارية خاصة تشمل المسؤولين الجهويين والمركزيين بالمديرية العامة للأمن الوطني.
وذكر التلفزيون الحكومي بأن وزير الداخلية والجماعات المحلية إبراهيم مراد أشرف على تنصيب المدير العام الجديد للأمن الوطني علي بداوي، خلفا لفريد بن شيخ.
وفي أول تصريح للمدير الجديد للأمن الجزائري، عقب تنصيبه، قال “نتطلع في جهاز الأمن والشرطة إلى التكيف مع طبيعة وتطورات آليات الجريمة والحد من الأخطار التي تتهدد المجتمع، كما أن الأوضاع التي تحيط بالإقليم الجغرافي للبلاد، تستدعي منا المزيد من الحيطة واليقظة الدائمة، لضمان الأمن والاستقرار في ربوع الجمهورية”.
وقبل ذلك كشف بيان لمحكمة العثمانية التابعة لمجلس قضاء وهران غربي الجزائر، أنه تم فتح تحقيق قضائي ضد عشرة من ضباط وأعوان الشرطة العاملين بالمطار وميكانيكي تابع لشركة الخطوط الجوية الجزائرية المملوكة للدولة.
وأضاف البيان “لقد جرى استجواب المتهمين من أجل جنح ارتكاب فعل غير عمدي من شأنه تعريض الأشخاص الموجودين داخل الطائرة للهلاك وتعريض حياة الغير أو سلامتهم الجسدية مباشرة للخطر وارتكاب عمل يعرض أمن الطائرة للخطر”.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم الكشف فيها عن تواطؤ موظفين رسميين من أعوان وضباط أمن أو مسؤولين في النقاط الحدودية، في عمليات هجرة غير شرعية، حيث سبق الكشف عن حالة مماثلة انطلقت من مطار هواري بومدين الدولي، وتمت إحالة المتورطين فيها على القضاء، لكنها لم تمتد حينها إلى مسؤولين كبار سواء في جهاز الأمن أو المطار.
ويبدو أن قضية الشاب مهدي رحماني ستكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر جهاز أمني ظل مواليا لجناح الرئاسة، منذ تعيين بن شيخ في منصبه، غير أن دوائر نفوذ وأجنحة نافذة تريد استغلال القضية لتصفية حسابها مع الرجل أولا، ثم مع مؤسسة الرئاسة.
وقياسا بحجم الرؤوس التي سقطت إلى حد الآن، باتت تشبه إلى حد بعيد، قضية شحنة الكوكايين التي ضبطت في شهر مايو 2018 بساحل مدينة وهران، لما استغلها آنذاك قائد الجيش الجنرال الراحل أحمد قايد صالح في قيادة حملة تطهير داخل المؤسسة العسكرية وامتدت تداعياتها إلى باقي المؤسسات المدنية، الأمر الذي أفضى حينها إلى رسم توازنات دقيقة مهدت لتغول جناحه في السلطة.
قضية الشاب مهدي رحماني ستكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر جهاز أمني ظل مواليا لجناح رئاسة الجمهورية
وكان عمال وكوادر مطار أورلي بباريس، قد تفاجؤوا لوجود الشاب مهدي رحماني داخل غرفة انطواء عجلات طائرة نقل بضائع، وهو في حالة صحية معقدة استدعت نقله على جناح السرعة إلى أقرب مستشفى، واستغرب هؤلاء بقاءه على قيد الحياة، على اعتبار أن درجة الحرارة تنخفض عند الارتفاع إلى 50 درجة تحت الصفر والمسافة تقطع في ساعتين من الزمن.
واللافت أن عمق التحقيقات الجارية في العملية لم يتوسع إلى مسألة الهجرة السرية التي تتم بمختلف الوسائل والآليات، وشملت الآلاف من الجزائريين من مختلف الأعمار ومن الجنسين الذين يشدون الرحال إلى أوروبا، عبر القوارب البحرية بالدرجة الأولى، ثم المرور عبر تركيا، لتأتي بعدها وسائل النقل الجوية والبحرية (الطائرات والبواخر)، والتي تتم بتواطؤ داخلي مقابل مبالغ مالية معتبرة.
ويبدو أن المسألة تتعلق إلى حد الآن بدلالات وصول الشاب إلى جسم الطائرة، والخلل الأمني الذي أوصله إلى هناك، دون اعتباره شابا “حراقا” بحث عن وسيلة تبلغه هدفه وبإمكانياته الخاصة، وهو الصوت الذي رفعه مدونون على شبكات التواصل الاجتماعي للتحرك من أجل تفكيك شبكات متغلغلة داخل مؤسسات الدولة، متواطئة في موجة “الحرقة” المفتوحة منذ سنوات، مما حولها إلى بارونات ثرية تتحكم في السواحل والبحر.
العرب