أعلنت القوات الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر، أول أمس، إسقاطها 20 طائرة مسيّرة وصواريخ أطلقها الحوثيون، خلال استهدافهم مدمّرة بريطانية وسفينة حربية أمريكية «كانت تقدّم الدعم لإسرائيل» حسب قولهم، وهو ما اعتبر «أكبر هجوم» ينفّذه المتمردون المدعومون من إيران منذ بدء حرب غزة.
علّق وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس على الهجوم بالقول إن «الكيل قد طفح» موجزا تهديد «تحالف الـ12 دولة» الذي تقوده واشنطن للحوثيين بقوله: «رسالتي البسيطة لهم اليوم: تابعوا بعناية ما سيحدث!».
الرسالة التي تلت ذلك التهديد في اليوم التالي على الهجوم اليمني كانت بسيطة وواضحة فعلا ولكن التنفيذ كان من الجانب الإيراني وليس من طرف «تحالف الـ12» حيث أفادت وكالة للأمن البحري البريطاني بأن مسلحين يرتدون زيا عسكريا أسود وأقنعة سوداء صعدوا على ناقلة سانت نيكولاس للنفط الخام بينما كانت على بعد حوالى 50 ميلا بحريا شرق ولاية صحار العُمانية ثم بدّلت الناقلة وجهتها نحو ميناء بندر جاسك الإيراني، وأعلنت القوات الإيرانية بعدها عن احتجاز الناقلة.
جاء هذا التصعيد المفاجئ بعد حادث إرهابي خطير في محافظة كرمان الإيرانية التي شهدت تفجيرين انتحاريين بجماهير كانت تحيي الذكرى السنوية لمقتل قاسم سليماني، القائد الراحل لـ«فيلق القدس» أديا إلى مقتل وجرح المئات، ورغم إعلان تنظيم «الدولة» مسؤوليته عن الحادث، وإلقاء طهران التبعية عليه واعتقالها عشرات المشتبهين، فإن العديد من وسائل الإعلام والساسة الإيرانيين حمّلوا المسؤولية أيضا لإسرائيل وأمريكا.
تلقّت إسرائيل، المعنيّ الرئيسيّ بهذا الصراع الجاري في البحر الأحمر، رسالة ثانية ولكن من مكان آخر مع إعلان الشرطة التركية القبض على شبكة استخبارات إسرائيلية كانت تجمع معلومات عن الفلسطينيين وغيرهم من المرتبطين بحركة «حماس» حيث أصدرت المحاكم التركية أوامر بالقبض على 15 من المشتبه بهم، وأن المتهمين كانوا يرسلون المعلومات التي يجمعونها إلى مركز عمليات الانترنت في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، وأن العملية كان يديرها جهازا «موساد» (الفرع الخارجي للمخابرات الإسرائيلية) و«شاباك» (الفرع الداخلي) معا، وكانت هذه رابع عملية مكافحة تجسس تركية ضد شبكات المخبرين والعملاء المرتبطين بأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية منذ عام 2021.
شهدت الجبهة اللبنانية تلقّي «رسائل» خطيرة أيضا مع اغتيال إسرائيل لصالح العاروري، نائب رئيس حركة «حماس» ثم اغتيالها وسام الطويل، أحد قادة «فرقة الرضوان» النخبوية العسكرية لـ«حزب الله» وردّ الحزب بعمليات ضد قيادة المنطقة الشمالية الإسرائيلية في صفد وكذلك قصف مستوطنات ومواقع عسكرية.
ضمن الجغرافيا العراقية كان هناك خطان، الأول تمثّله العمليات التي تقوم بها تنظيمات محسوبة على إيران ضد قواعد أمريكية في العراق وسوريا، وتواجه عادة بأشكال من الغارات والقصف الأمريكي، والثاني تمثّله الضغوط السياسية المطالبة بسحب القوات الأمريكية من العراق، وهو موضوع شد وجذب ضمن القوى السياسية في العراق وخارجها.
تتراكب على هامش تداعيات الحدث الفلسطيني في المنطقة أحداث أخرى تبدو منفصلة، أو تدور في دوائر أخرى، ولكن لا يمكن فصلها بشكل تام عن التحركات العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط، كما هو حال التصعيد المتواتر بين روسيا وتركيا فوق المناطق التي تسيطر عليها المعارضة شمال سوريا، وكذلك الهجمات التي تقوم بها جماعات المخدرات المسلحة على حدود الأردن، وردود عمّان العسكرية المتصاعدة عليها.
تتوازى أشكال الصراع الناريّة مع حراك دبلوماسيّ محموم، تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية بشكل رئيسي، مع أشكال من الاجتهاد لدول أوروبية، كبريطانيا وفرنسا وألمانيا، ويظهر هذا الحراك، أحيانا، اتجاهات لإمكانيات حرف الصراع الرئيسي عن غزة، مع تلمّس إمكانيات تسويات إقليمية كبرى، حيث كشف السفير الإيراني في دمشق، حسين أكبري، أن واشنطن راسلت طهران لحل المشكلة في المنطقة برمتها، وأن وفدا خليجيا حمل الرسالة لطهران، كما تحدّثت مصادر إسرائيلية عن إمكان الوصول لترتيبات سياسية مع لبنان.
المؤكد في كل هذه الوقائع أن عملية 7 تشرين أول/أكتوبر، وما تلاها من حرب وحشية على غزة، قد أطلقت احتمالات تسويات سياسية كبرى أو صغرى في المنطقة، وأن العالم، بعد هذا الحدث، لن يكون مثله قبله.