موسكو – وقّع أعضاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا اتفاقية تجارة حرة مع إيران في 25 ديسمبر 2023، حيث شملت العملية ممثلين عن أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا وإيران ورئيس مجلس إدارة اللجنة الاقتصادية الأوروبية الآسيوية ميخائيل مياسنيكوفيتش. وكانت هذه الخطوة تطويرا لاتفاق التجارة التفضيلية الأصلي بين طهران والاتحاد.
ونمت العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية والعسكرية الإيرانية الروسية خلال السنوات القليلة الماضية. وأبرم البلدان العديد من الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف ضمن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، وحتى بريكس لتخفيف آثار العقوبات الغربية المسلّطة عليهما.
ويقول فالي كاليجي في تقرير نشرته مؤسسة جايمس تاون إن موسكو وطهران حاولتا الانتقال إلى الروبل والريال للتجارة الثنائية بدلا من الدولار، لكن عددا من التحديات قيدت هذه الجهود.
وارتفع حجم التجارة بين إيران وروسيا من 1.5 مليار دولار خلال 2020 إلى حوالي 5 مليارات دولار في 2023. وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال المحادثات الأخيرة التي جمعته مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في موسكو أن “حجم تجارتنا الثنائية ارتفع بنسبة 20 في المئة خلال العام الماضي، وحقق نتائج جيدة”. كما أعلن رئيس غرفة التجارة والصناعة الروسية سيرغي كاترين في مارس 2023 زيادة التجارة بين روسيا وإيران بنسبة 20 في المئة في 2022 وبلوغها 4.8 مليار دولار. وتوقّع مسؤولون روس أنها ستصل إلى 7.5 مليار دولار بحلول 2025.
انخفاض قيمة العملات الوطنية والتقلبات الشديدة في أسعار الصرف مقابل الدولار يتسببان في إعاقة عملية الانتقال
وتضاعف التعاون المالي والمصرفي بين روسيا وإيران. وكان تجاوز العقوبات والضغوط المالية من الغرب واستبدال الدولار واليورو بالروبل والريال من أسس التعاون بين البلدين على مدى العامين الماضيين.
واقترح المرشد الأعلى علي خامنئي في اجتماعه مع بوتين في طهران في يوليو 2022 “إزالة الدولار ببطء من مسار المعاملات العالمية”، ووافق على توظيف العملات الوطنية للتجارة مع روسيا.
وأمكن التوصل إلى العديد من الاتفاقات الأخيرة بين البنوك المركزية الإيرانية والروسية في جهود تحقيق هذا الهدف. وزارت محافظة البنك المركزي الروسي إلفيرانا بيولينا إيران لأول مرة في مايو 2023، للقاء نظيرها الإيراني محمد رضا فرزين لتعزيز العلاقات المصرفية بين البلدين. وأعلن فرزين في ديسمبر 2023، وضع إيران وروسيا خططا لتوقيع اتفاق في الثلاثي المالي الأول من 2024 حول اعتماد الروبل والريال للتعاون المصرفي الثنائي.
وتدفع العقوبات الغربية موسكو وطهران للبحث عن بدائل لتوسيع التجارة دون الوصول إلى نظام سويفت المالي العالمي. وربط البلدان نظام المراسلة المالية الإلكترونية التابع لإيران “سيبام” بالنظام المماثل التابع لروسيا “إس بي إف إس”، كحل جزئي لهذه المشكلة. كما وضعا في 2023 اللمسات الأخيرة على اتفاقيات ثنائية ربط المنظومتين المصرفيتين مير الروسية وشتاب الإيرانية، وافتتح بنك “في تي بي” الروسي فرعا في طهران.
حجم التجارة بين إيران وروسيا ارتفع من 1.5 مليار دولار خلال 2020 إلى حوالي 5 مليارات دولار في 2023
وارتفع استخدام الريال والروبل في التجارة الإيرانية الروسية بنسبة 60 في المئة. لكن هذه العملية تواجه عدة تحديات خطيرة على كلا الجانبين. أولها الاختلال حاد في التوازن التجاري بين إيران وروسيا، الذي تسبب في انخفاض أسعار الصرف.
و في سبتمبر 2023 بلغ حجم التجارة بين البلدين 5 مليارات دولار، منها ما يقرب من 4 مليارات دولار من صادرات روسيا إلى إيران وحوالي مليار دولار واحد من صادرات إيران إلى روسيا. ويسجّل عجز في الروبل يعادل 4 مليارات دولار.
وثانيا، تسبب انخفاض قيمة كل من العملات الوطنية والتقلبات الشديدة في أسعار صرف الريال والروبل مقابل الدولار الأميركي في إعاقة عملية الانتقال.
وشهد العام الماضي تجاوز تعادل الدولار والروبل 98 في المئة لأول مرة منذ مارس 2022. وخسر الروبل حوالي 0.88 في المئة مقابل الدولار في يوم التداول الثالث من كل أسبوع.
ورغم اتفاقات إنهاء التعامل بالدولار، إلا أن رجال الأعمال الإيرانيين والروس يعتمدونه أساسا نقديا لمفاوضاتهم واتفاقاتهم. وتنتهي العمليات بتحويل المبالغ إلى الروبل والريال.
وثالثا، تواجه عملية تبادل الروبل إلى الريال صعوبات. ويتوفر في إيران سعران رئيسيان للصرف: سعر رسمي وسعر سوق حر.
موسكو وطهران حاولتا الانتقال إلى الروبل والريال للتجارة الثنائية بدلا من الدولار، لكن عددا من التحديات قيدت هذه الجهود
ويبلغ سعر السوق الحرة حوالي 520 ألف ريال (52 ألف تومان) مقابل دولار واحد، ولا يتجاوز سعر الصرف الرسمي 430 ألف ريال (43 ألف تومان) مقابل دولار واحد.
ويعدّ الريال العملة الرسمية، لكن الإيرانيين يستخدمون التومان في حياتهم اليومية. ويعادل التومان الواحد 10 ريالات.
ويرفع الدعم الحكومي لسعر الفائدة قيمة الريال إلى مستوى أعلى بكثير من سعره في السوق الحرة. ويعدّ هذا النهج وسيلة للحفاظ على العملات الأجنبية وتخصيص الأموال لاستيراد الاحتياجات الأساسية.
ويبقى سعر صرف الروبل مقابل الريال نفسه. لكن سعر الصرف في السوق الحرة يصل إلى 50.710 ريال (5.710 تومان) مقابل روبل واحد.
ويبلغ سعر الصرف الرسمي، الذي حدده بنك مير للأعمال، حوالي 47 ألف ريال (470 تومان) مقابل روبل واحد.
وتسبب هذه العملية خسائر للتجار والمصدّرين الإيرانيين وتقلّل من دوافعهم للتجارة مع روسيا بسبب الفرق بين سعر الروبل الذي حدده بنك مير للأعمال وسعر التعويم الحر.
وتمنع التحديات والقيود المتعددة طهران وموسكو من الاستغلال الكامل لفوائد هذه المعاملات الجديدة. وبينما بلغت حصة الروبل والريال في التجارة الثنائية 60 في المئة، إلا أن التحديات لا تزال كبيرة وتعرقل جهود الانتقال بعيدا عن الدولار.
ومن المتوقع أن تواصل روسيا وإيران تطوير هذه العملية لخلق مساحة أكبر تخفف عليهما جهد التحايل على العقوبات الغربية.
العرب