مصر تنتظر من صندوق النقد تعويم اقتصادها

مصر تنتظر من صندوق النقد تعويم اقتصادها

يراقب المحللون باهتمام ما ستفضي إليه المشاورات التي طال انتظارها بين مصر وصندوق النقد الدولي بعد تعثرها على مدى أشهر، في ظل الارتباك الذي طغى على تنفيذ برنامج الإصلاح بسبب تأثر الاقتصاد بالصدمات الخارجية، وأيضا الخلافات بشأن شروط القرض.

القاهرة – يزور وفد من صندوق النقد الدولي القاهرة حاليا برئاسة إيفانا هولر، لمناقشة المراجعتين الأولى والثانية، ويجري الوفد مفاوضات مستفيضة مع الحكومة، على أمل التوصل إلى اتفاق لبرنامج قرض قيمته 3 مليارات دولار، قد تزيد لاحقا.

وأجّل الصندوق مراجعتين كانتا مقررتين في مارس وسبتمبر الماضيين بعد فشل مصر في الالتزام بشروط القرض، وطالبته في حينه بالإرجاء بعد إجراء الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها عبدالفتاح السيسي في ديسمبر الماضي.

ويتوقف صرف الجزء المتبقي من التسهيل على إتمام المراجعة، ويُنتظر أن تتلقى البلاد نحو 700 مليون دولار حال نجاحها، ويتعين على الصندوق الموافقة على المراجعتين قبل إصدار أي إعلان حول إمكانية زيادة القرض.

وتكمن المشكلة في أنه عند بدء المراجعة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية لن يكون ثمة جديد إيجابي في النتيجة، لأنه لم يطرأ تعديل في برنامج الإصلاح مع ثبات سعر الصرف.

ويقول خبراء إن القاهرة تنتظر من بعثة الصندوق تعويم الاقتصاد، على غرار تعويم الشركات المتعثرة من قبل القطاع المصرفي، إذ تقوم البنوك بإقراض الشركات المتعثرة ذات السمعة الجيدة مع مد أجل السداد وعدم التعنت بأي شرط قبل إنقاذها.

وتأمل السلطات في الحصول على القرض دون التقيد بشرط تحرير سعر صرف الجنيه، والذي تخشى أن ينفلت منها، وتريد استمرار إدارته من البنك المركزي مع التحرك عبر قنوات أخرى لزيادة تدفق العملات الأجنبية، لكن التوصل إلى اتفاق بشأن ذلك لن يكون يسيرا.

وتستغل القاهرة المرونة التي لمستها من الصندوق أخيرا والدعم من قبل وزارة الخزانة الأميركية، لإقناعه بعدم التشدد، نتيجة تغيرات جيوسياسية تحيط بالبلاد، خاصة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وما نجم عنها من توترات في البحر الأحمر.

وأدى ذلك إلى تقليص عدد السفن العابرة في الممر الحيوي، ما أثر سلبا على إيرادات قناة السويس، وعمق أزمة شح العملة الأجنبية وزاد أعباء الواردات، ووسط تفاقم أزمة المستثمرين والمستوردين مع البنوك لعدم القدرة على تغطية الاعتمادات المستندية.

ودعا وزير الخارجية المصري سامح شكري، الاثنين الماضي، إلى ضخ استثمارات أوروبية في بلاده، خلال لقاءات أجراها مع مسؤولين أوروبيين في بروكسل.

وتستمر التحديات التي تشغل القاهرة وتعمق أزمتها مع تواصل التوترات في كل من السودان وليبيا، فضلا عن الأزمة الجديدة بين الصومال وإثيوبيا.

وتؤكد هذه الأوضاع أن البلاد تعيش في خضم موجات متلاحقة من القلق تحتم تأمين حدودها، وفقدان أسواق مهمة كانت تستحوذ على نصف صادرات البلاد الغذائية.

وأوضح المحلل الاقتصادي ياسر عمارة أن صندوق النقد “لا يرأف بأحوال البلدان، لكن الحالة المصرية منحته معطيات جديدة في التعامل مع أزمتها بسبب التوترات والحروب على حدود البلاد والخارجة عن إرادتها”.

وأضاف لـ”العرب” أن “ما يخشاه الصندوق هو عدم قدرة مصر على الوفاء بالتزامها وسداد قيمة القرض إذا قرر منحها لتفاقم أزمة سداد الديون وأقساطها”.

وتأمل القاهرة في سرعة تلقي القرض الذي يوفر لها فرصة لسداد بعض التزاماتها، وتغيير النظرة السلبية من قبل بعض وكالات التصنيف الائتماني التي تفتح الباب أمامها لطرح سندات في الأسواق الدولية والاقتراض بمعدل فائدة بسيط.

10 مليارات دولار سقف القرض الذي تتوقع موديز أن تحصل عليه القاهرة من الصندوق

وخفضت موديز نظرتها المستقبلية لمصر مؤخرا من مستقرة إلى سلبية، مشيرة إلى المخاطر المتزايدة المتمثلة في استمرار ضعف الوضع الائتماني وسط صعوبة إعادة التوازن للاقتصاد الكلي وسعر الصرف.

وردا على ذلك، أكدت وزارة المالية المصرية أن الحكومة تعمل على إدارة مخاطر الاقتصاد الكلي بمرونة لاحتواء الصدمات الخارجية المتتالية، وتتعامل بتوازن وحرص شديد مع الآثار السلبية الناتجة عن التوترات الجيوسياسية المؤثرة.

وتتوقع الوكالة أن يرتفع برنامج القرض إلى 10 مليارات دولار، مستفيدة من زيادة حصص الأعضاء، وبينهم مصر، بنسبة 50 في المئة التي أقرها المجلس التنفيذي للصندوق في نوفمبر الماضي.

وحال تلقي مصر هذه القيمة ستكون كافية بالكاد لتغطية فجوة التمويل التي قدرت بناء على تحقيق عجز في الحساب الجاري يعادل اثنين في المئة من الناتج المحلي خلال العامين الماليين الحالي والمقبل، ويشير ذلك إلى أن الصرف سيكون على دفعات.

وإذا تلقت القاهرة قرضا، فذلك أشبه بمسكن ضعيف للاقتصاد الذي يعاني من جرح غائر يستوجب علاجا فعالا يتلاءم مع علله الحقيقية، بعد أن أثبتت الظروف الراهنة عدم نجاح وصفة صندوق النقد التي تنطوي على قرارات قاسية يئن منها المواطنون دون آثار إيجابية.

وأكد ياسر عمارة لـ”العرب” أن سياسات الصندوق التي تركز على خفض سعر الصرف تُثبت فشلها، حيث أضر تعويم العملة باقتصاديات دول كثيرة، على رأسها تركيا ولبنان وهما يعانيان من ارتفاع سعر العملة وتضخم كبير.

ويبذل مفاوضون مصريون جهودا كبيرة لإقناع بعثة الصندوق بتخفيف حدة شروط منح القرض، اعتمادا على دعم واشنطن، والتي تعهدت بمساندة الاقتصاد المصري في ظل الأوضاع الراهنة.

وذكر أستاذ إدارة الأعمال المصري مجدي شرارة أن بدون اجتياز مصر للمراجعات لن تحصل على أي تمويل مهما كانت التصريحات الإيجابية الصادرة عن مسؤولين في الصندوق والولايات المتحدة.

وأشار لـ”العرب” إلى أن ترجمة التصريحات إلى أموال تتوقف على إتمام المراجعة التي لم يطرأ جديد عليها في برنامج الطروحات الحكومية أو الأزمة الأساسية المتعلقة بشح العملة.

وتفرض الأزمة على السلطات اتخاذ إجراءات جديدة أو سياسات مختلفة لجلب العملة الأجنبية، مثل زيادة الصادرات أو في ما يخص البنود المتفق عليها مع صندوق النقد، حتى تؤتي المراجعة ثمارها وتمهد للحصول على تمويلات أجنبية.

وقال شرارة إن “تأجيل تعويم الجنيه يعني استمرار دعم البنك المركزي للعملة بموارد دولارية هي في الأساس شحيحة، وأن السبب في التعجيل بالقرض مدفوع بضرورة تدبير سيولة لسداد أي أقساط ديون حالية”.

ويرى محللون أن الحديث عن تعويم العملة اتخذ منحى خطأ وتسبب في توغل السوق الموازية التي يصل سعر الدولار فيها إلى ضعف سعره في البنوك.

وفسروا فروق السعر بأنه قائم غالبا على آراء شخصية لأفراد بعيدين عن الدوائر الحكومية وغير ملمين بحقيقة التدفقات الداخلة للبلاد، لذلك ظهر أكثر من سعر عملة لسلع مثل الذهب والسيارات.

وتوقع شرارة حدوث تحريك طفيف لسعر الجنيه لتلقي تمويلات من الصندوق، لكن لن يقترب من سعر الدولار في السوق الموازية.

وأشار إلى أنه ربما تنجح الحكومة في جمع حصيلة دولارية من برنامجها لبيع الشركات تستطيع من خلاله تلبية الطلب على الدولار، لكن أيضا سوف تواجه عراقيل مع زيادة التزاماتها بشأن سداد أقساط وفوائد الديون.

العرب